22-يناير-2019

يستقبل النظام المصري ذكرى ثورة يناير بالحديد والنار (Getty)

الترا صوت - فريق التحرير

بينما بدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يتلقى برقيات التهنئة بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير، خلال هذه الأيام، حسب ما نشرت صحف مقربة من السلطة، لا تزال الأجهزة الأمنية الموالية له، تضرب بقبضة من حديد كل الناشطين المرتبطين بالثورة، أو من بقي منهم خارج السجون، وتترقب بحذر وخوف شديدين، أي احتجاج شبيه في ذكرى الحدث الذي أخرج ملايين المصريين إلى الشوارع، هاتفين ضد نفس النوع من البطش والفقر والتجويع الذي يتعرضون له الآن.

بينما يحتفل النظام المصري بذكرى ثورة يناير، لا تزال الأجهزة الأمنية الموالية له، تضرب بقبضة من حديد كل الناشطين المرتبطين بتلك المرحلة

تقبل الذكرى الثامنة لثورة كانون الثاني/يناير بينما لا تزال الانتهاكات الحقوقية في ذروتها. بل إن السلطات المصرية استمرت في إنشاء منظمات رسمية هدفها الجوهري خلق خطاب رسمي موحد للرد على التقارير المتعاقبة لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، التي أدانت الواحدة تلو الأخرى وتيرة العنف المتصاعدة لحقوق الإنسان في السنوات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد ثورة يناير في مصر: إلى أين انصرف رموزها؟ (1)

مزيد من القهر

"الصورة الأكثر حُزنًا هذا العام"، هذا ما وصف به ناشطون السجين السياسي شادي أبو زيد وهو يقبل كفن والده، بعد أن سمحت النيابة المصرية له بالخروج لحضور جنازته، بعد أن كانت منعته في وقت سابق من زيارته على فراش الموت.

علق آخرون على الصورة بقولهم : "لا يوجد سجناء سياسيون في مصر"، في سخرية سوداء من الخطاب الرسمي للدولة، رغم كل الشواهد الواضحة حول الانتهاكات على خلفية الرأي السياسي.

لم تكن هذه الصورة بعيدة عن المشهد العام في مصر، حيث ما يزال القمع مستمرًا، وما يزال النظام مصرًا على البطش، كحل ضد أي فرصة مواتية للاحتجاج.

في هذا السياق، وثقت حملة أوقفوا الاختفاء القسري 1530 حالة اختفاء في مصر، من تموز/يوليو 2013 إلى آب/أغسطس 2018، منهم 32 حالة ظلت أماكنهم غير معروفة نهائيًا. وأورد تقرير هيومان رايتس ووتش عن مصر لعام 2019، أن حافظ أبو سعدة عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي جهة تابعة للحكومة المصرية، أفاد بأن وزارة الداخلية نفسها أقرت بأن هناك 500 شخص من أصل 700 شخص ممن عانت أسرهم من اختفائهم منذ 2015 ما زالوا رهن الاعتقال. وعلى الرغم من أنه يزعم أن حالات الاختفاء القسري ليست منهجية في مصر، فإنه لم يشرح، حسب التقرير، لماذا لم تبلغ وزارة الداخلية عن مكان وجود 500 شخص للعائلات التي قدمت شكاوى رسمية.

وثقت حملة أوقفوا الاختفاء القسري 1530 حالة اختفاء في مصر، من تموز/يوليو 2013 إلى آب/أغسطس 2018، منهم 32 حالة ظلت أماكنهم غير معروفة نهائيًا

كما تعرضت هدى عبد المنعم وهي محامية إلى الاختفاء القسري لمدة 20 يومًا، حيث جرى اعتقالها على طريقة "زوار الفجر"، في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وتم نهب ما بمنزلها من محتويات ثم اعتقالها واقتيادها إلى جهة غير معلومة، وقد أكدت ابنتها أنه تم اعتقالها دون مذكرة توقيف، ودون إبداء أسباب واضحة، رغم أنها سيدة ستينية تعاني من جلطات في القدم وارتفاع مزمن في ضعط الدم.

وبشكل صريح، دعت منظمة العفو الدولية للإفصاح عن مكان هدى عبد المنعم التي أفاد التقرير الصادر عن حالتها بأنه لم يُسمح لها بأخذ أي متعلقات شخصية معها أو أدوية. ويُعتقد أن السبب الرئيسي وراء اعتقالها هو كونها محامية ناشطة في حقوق الإنسان، وتعمل كمحامية متطوعة في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة مصرية مدنية مستقلة معنية بتوثيق حالات الاختفاء القسري، كما أنها محامية في المحكمة الدستورية العليا وعضو سابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان ونقابة المحامين المصرية. الجدير بالذكر أن هدى عبد المنعم ظهرت في 21 تشرين الثاني/نوفمبر في نيابة أمن الدولة بمنطقة التجمع الخامس، وقد رفضت السلطات المصرية الحديث إلى محاميها كما رفضت التحدث عن التهم الموجهة إليها، وقد أبرزت تقارير إخبارية معلومات تفيد بتدهور حالتها الصحية.

تقرير الأمنستي

موجة واسعة من الاعتقالات بين صفوف النشطاء

نفذت الشرطة المصرية موجة كبيرة من الاعتقالات، طالت معارضين سلميين للنظام من بينهم حازم عبد العظيم، وهو ناشط سياسي، ووائل عباس وهو ناشط حقوقي ومدون. وهيثم محمدين الذي تم الإفراج عنه لاحقًا، فيما شملت سلسلة أخرى من الاعتقالات في آب/أغسطس الماضي السفير السابق معصوم مرزوق، الذي دعا إلى إجراء استفتاء عام حول ما إذا كان هناك إجماع شعبي على استمرار السيسي في الحكم.

تصاعد أحكام الإعدام.. نزيف مستمر

منذ تموز/يوليو 2013، حكمت المحاكم الجنائية المصرية على مئات الأشخاص بالإعدام، في قضايا صنفتها التقارير الدولية تحت بند "السياسي"، أي التي حدثت على خلفية أحداث عنف. كثير من هؤلاء أدينوا في محاكمات معيبة، وكثير من هذه المحاكمات تم نقضها في محاكم الاستئناف. ومن المهم الإشارة إلى أن مصر تحتل المرتبة السادسة عالميًا وفقًا لهيومان رايتس ووتش في أعلى عدد من عمليات الإعدام، والثالثة في أكبر عدد من أحكام الإعدام في العالم في عام 2017. ويذكر تقرير المنظمة أنه في أيلول/سبتمبر من 2018، أصدرت محكمة جنايات القاهرة 75 حكمًا بالإعدام، في محاكمة جماعية، على خلفية قضية "أحداث ميدان رابعة العدوية" التي يعود تاريخها لشهر آب/أغسطس 2013.

ووفقًا لما ذكره معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فإنه لا يزال 29 مدنيًا عرضة لخطر الإعدام الوشيك بعد خسارة كل فرصهم في الاستئناف، كما وثق مركز القاهرة لحقوق الإنسان إعدام 39 شخصًا، معظمهم من المدنيين، أدانتهم المحاكم العسكرية، التي لا يوجد استنئاف على أحكامها.

واحد من أكبر سجون العالم للصحفيين!

صنف تقرير هيومان رايتس ووتش مصر كواحدة من أسوأ الأماكن لعمل الصحفيين. لا يتعلق الأمر بكون الصحفي معارضًا أو غير معارض، المهم ألا يقرأ من خارج السيناريو المرسوم له بالتفصيل، ولعل آخر المفارقات التي تبين فيها مدى تعسف النظام حتى مع الموالين له، كانت قضية الصحفي محمد الغيطي الذي صدر حكم بحبسه سنة على خلفية استضافته لأحد الشباب المثليين في برنامجه، على الرغم من موالاته الكاملة للنظام وإعلانه الدائم بأنه ضد المثلية الجنسية. هذا على مستوى الإعلاميين الموالين، أما على مستوى الإعلام المستقل فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 20 صحفيًا في عام 2018، واحتلت مصر المرتبة 161 من بين 180 دولة على مستوى العالم في حرية الصحافة، كما أشار تقرير المنظمة إلى موافقة السيسي في آب/أغسطس الماضي على موافقة السيسي على تمرير قانون مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والإنترنت (قانون الجرائم الإلكترونية)، والذي وافق عليه البرلمان سابقًا، وهو قانون يمنح الحكومة صلاحيات أوسع لتقييد حرية التعبير، وانتهاك خصوصية المواطنين، وما يقومون بنشره على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

منذ تموز/يوليو 2013، حكمت المحاكم الجنائية المصرية على مئات الأشخاص بالإعدام، في قضايا صنفتها التقارير الدولية تحت بند "السياسي"

وفي أواخر تموز/يوليو، أقر البرلمان أيضًا قانونًا جديدًا ينظم الصحافة، وآخر لتنظيم وسائل الإعلام، يقيد بشكل أكبر الحريات الصحفية، ويسمح بالرقابة دون أوامر قضائية، ويفرض غرامات مالية شديدة لانتهاك مواد القانون، بالإضافة إلى أحكام بالسجن في القضايا ذات الصلة. على الرغم من اعتراضات نقابة الصحفيين على هذه القوانين. كما استخدمت السلطات المصرية قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب ضد الصحفيين، وتم تحويل كثير من القضايا المتهم فيها صحفيون، إلى قضايا أمن قومي بموجب حالة الطوارئ التي تم تمديدها، ولا يوجد في هذه المحاكم التي يُستخدم فيها قانون الطوارئ استئناف على أحكامها. كما لا يزال هناك أكثر من 400 موقع محجوبًا في مصر، بما في ذلك موقع ألترا صوت، إلى جانب مواقع عربية وعالمية تابعة لمؤسسات حقوقية، مثل موقع منظمة هيومان رايتس ووتش، ومراسلون بلا حدود.

قضية التمويل الأجنبي: أحكام البراءة بعض ضغوطات خارجية

هي القضية رقم 173 لسنة 2011، وعلى خلفيتها حاكمت السلطات المصرية 43 متهمًا، من بينهم أوروبيون وأمريكيون، وتتضمن لائحة الاتهام تلقي معونات أجنبية بلغت قيمتها 60 مليون دولار، من خلال 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية تعمل في مصر دون ترخيص. كانت محكمة استئناف القاهرة، في شباط/فبراير 2012، قررت إلغاء حظر السفر المفروض على المتهمين الأجانب في القضية بعد دفع كفالة مليوني جنيه لكل منهم. وغادر 9 أمريكيين و8 متهمين من جنسيات أخرى مصر على متن طائرة أمريكية خاصة.

في يونيو/حزيران 2013، صدر حكم بمعاقبة 27 متهمًا غيابيًا، بالسجن 5 سنوات من بينهم 18 أمريكيًا وآخرون من جنسيات مختلفة، جميعهم مسؤولون بفروع منظمات أجنبية في مصر. وفي كانون الثاني/ديسمبر من عام 2018، قضت محكمة جنايات القاهرة، ببراءة الـ43 متهمًا، وهو ما يعزى إلى الضغوطات الكبيرة من جهات أوروبية وأمريكية لغلق ملف القضية. الجدير بالذكر أنه على خلفية هذه القضية مُنع ما لا يقل عن 28 ناشطًا رائدًا في مجال حقوق الإنسان من مغادرة البلاد، كما كانوا معرضين للاعتقال في أي وقت، كما قامت السلطات بتجميد أموال ما لا يقل عن 10 أفراد و7 منظمات.

سيناء .. أجواء العزلة والعقاب الجماعي

في ظل أوضاع شبيهة بحالات الحرب، يعيش أهالي سيناء أوضاعًا معيشية وأمنية سيئة، فيما تتصاعد العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في المنطقة. وتوثق التقارير الحقوقية أن الجيش دمر مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية، وما لا يقل عن 3000 منزل ومبنى تجاري، بالإضافة إلى 600 مبنى تم تدميرها في كانون الثاني/يناير من عام 2018، وهو أكبر عدد من عمليات الهدم منذ بدأ الجيش بشكل رسمي في إخلاء مدينة رفح في عام 2014.

اقرأ/ي أيضًا: المغتربون في ذكرى الثورة: الظلم في الوطن غُربة!

وفي شباط/فبراير من العام الماضي، قام النظام بعزل مدن شمال سيناء عن بعضها لأسابيع وفرض حظر كامل على العديد من السلع الأساسية، بما في ذلك وقود السيارات، الأمر الذي تسبب في نقص حاد في المواد الغذائية وغاز الطهي والسلع التجارية الأساسية الأخرى، وبعد تخفيف القيود قليلًا، سُمح بما يوازي الليتر فقط من الوقود لكل سيارة، وكان على المحتاجين الاصطفاف في طوابير طويلة للحصول عليها.

صنف تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش مصر كواحدة من أسوأ الأماكن لعمل الصحفيين

كما عانت المنطقة من انقطاعات طويلة للكهرباء والماء لعدة أسابيع، فيما يشبه العقاب الجماعي، هذا بخلاف ما ارتكبته قوات الأمن من انتهاكات بحق السكان، كالاعتقالات والتعذيب والاختفاء القسري.

ذكرى يناير.. خوف النظام وبطشه

تأتي الذكرى الثامنة لثورة يناير إذًا، مع غضب مكتوم في الوجوه، وحبس كامل للأنفاس، ومجتمع مدني تم تجريفه بالكامل، وسُنت القوانين ليكون تحت إدارة الدولة أو رجالها، ونشطاء مدنيون إما في المعتقلات أو في المنافي الإجبارية والاختيارية، أو ممنوعون من السفر والكلام، أو نائمون نومة أبدية وعلى صورهم شرائط النعي السوداء. أما أجهزة المراقبة والترصد، فقد قررت أن تراقب "دبيب النمل" قبل أن يقول أحدهم رأيه أو يُعلن أية رغبة في عصيان لا تُحمد عواقبه. الاعتقالات عشوائية وممنهجة والموت بالمجان، والاختفاء القسري "ديناميكية عمل".

بعد ثماني سنوات من الثورة، يبدو كل شيء مُعدًا في المدن المصرية، ليكون يومًا للاحتفال برجال العسكر والأمن، لا بالثورة عليهم، فيما لم يُحاكم أي رجل أمن في أي قضية تعذيب أو قتل إلى الآن، حسبما تورد العديد من التقارير الحقوقية ومنها تقرير هيومن رايتس ووتش المذكور أعلاه. في خضم ذلك، يطارد النظام المصري أي محاولة للرفض، ويلاحق أي احتمال للاحتجاج. ولعل ردة فعل الإعلام المقرب من السلطة في القاهرة، من خروج الناس إلى الشوارع ضد الأنظمة حتى في أماكن بعيدة، في فرنسا والعراق والسودان، يعطي صورة عن الواقع المصري هذه الأيام؛ الواقع الذين يُجرم فيه حتى المتعاطفين مع الثائرين في أماكن أخرى.

تأتي الذكرى الثامنة لثورة يناير إذًا، مع غضب مكتوم في الوجوه، وحبس كامل للأنفاس، ومجتمع مدني تم تجريفه بالكامل، وسُنت القوانين ليكون تحت إدارة الدولة أو رجالها

تلتقي السطوة مع الخوف في كل ذلك، فيما يؤدي كل واحد منهما إلى الآخر، مع نظام بحاجة إلى كثير من الحزم والعنف، حتى يستطيع التغطية على إدراكه العميق، أنه نظام مهدد، وأن شرعيته قائمة على صمت الناس وخوفهم، وهو ما لا يمكن التعويل عليه دائمًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الرئيس الغلبان..السيسي نموذجًا

بسبب تيران وصنافير..المصريون يكسرون قانون التظاهر