21-سبتمبر-2017

وافقت الحكومة المصرية على قانون جديد يوسع حالات سحب وإسقاط الجنسية (علي جادالله/الأناضول)

وافق مجلس الوزراء المصري، أمس الأربعاء، على مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 المتعلق بالجنسية المصرية وحالات سحبها وإسقاطها. ونص مشروع القانون على إضافة حالة جديدة لسحب الجنسية المصرية، من "كل من صدر بحقه حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة أو جمعية أو جهة أو منظمة أو عصابة أو أي كيان، أيًا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة".

وافقت الحكومة المصرية على قانون يهدد بسحب الجنسية المصرية بناءً على أفعال غير ذات معنى محدد مثل "المساس بالنظام العام للدولة"!

كما يطال التعديل المقترح، المادة رقم 15 من القانون، والتي تنص على جواز سحب الجنسية المصرية بقرار مُسبب من مجلس الوزراء، من كل "من اكتسبها عن طريق الغش أو بناء أقوال كاذبة خلال السنوات العشرة التالية لاكتسابه إياها"، كما تنص على جواز سحب الجنسية ممن "اكتسبها بالتجنس أو الزواج خلال السنوات الخمس التالية لاكتسابه إياها، في حالات صدور أحكام قضائية ضده في الجرائم المضرة بأمن الدولة، أو العقوبات الجنائية والمقيدة للحريات والمخلة بالشرف"، أو حتى إذا انقطع عن الإقامة بمصر مدة سنتين متتاليتين بلا عذر يقبله وزير الداخلية!

اقرأ/ي أيضًا: "بدون" مصر.. آلاف على الحدود مع فلسطين والسودان بلا جنسية!

لم تكن تلك النقاط كافية في نظر مشروع القانون الجديد، فاقترح زيادة المدة التي يجوز خلالها سحب الجنسية المصرية من الأجنبي الذي اكتسبها، لتصل لعشر سنوات بدلًا من خمس سنوات، وكذلك زيادة المدة التي يكتسب بعدها الأجنبي الجنسية المصرية من والدته، لتصل إلى سنتين بدلًا من سنة واحدة.

مصطلحات فضفاضة

يعتمد النص الجديد في القانون، على مصطلحات ومفاهيم فضفاضة بلا تعريف محدد، كمنطلق لسحب الجنسية المصرية أو إسقاطها، مثل "المساس بالنظام العام للدولة" أو "تقويض النظام الاجتماعي"، إذ ما هو التعريف القانوني المحدد لـ"النظام العام للدولة"؟ 

دفع ذلك إلى سيطرة حالة من التخوف على الأوساط السياسية والحقوقية في مصر، من مشروع القانون هذا، أن تستخدمه السلطات المصرية بطرقٍ مُلتوية للضغط على المعارضين، خاصة في ظل ما تعرفه مصر من تدهور حاد في حالة الحقوق والحريات، ألقت الضوء عليه العديد من التقارير الحقوقية، على مدار السنوات الأخيرة.

وبمثل هذا القانون تزداد المخاوف من زيادة أعداد البدون جنسية في مصر، إذ يُمثّل سلاحًا إضافيًا بصبغة قانونية في يد السلطات الأمنية لإسقاط الجنسية عن أي معارض سياسي تحت دعوى "المساس بالنظام العام للدولة"، والذي هو أمرٌ غير مفهومٍ كنهه تحديدًا، ما يجعل الأقوى، أي السلطة، وحدها المنوطة بتفسيره بناءً على هواها السياسي.

خرق القوانين الدولية

يعتبر هذا القانون مخالفًا للقوانين الدولية التي صدّقت مصر عليها، والتي لها قوة الدستور، إذ تنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. ولا يجوز تعسّفًا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته"، لذا فإن المنظمات الحقوقية الدولية، تُؤكد دائمًا على أنّ "إسقاط جنسيات المواطنين، محظور في القانون الدولي".

وتزيد مثل هذه العقوبات من المشاكل الإنسانية التي تقع على عاتق العالم ككل وليس الدولة صاحبة القرار فقط، فالمواطن الذي تُسحب جنسيته يصبح بلا هوية، في حال أنه لا يملك جنسية أخرى. وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد قدّرت أعداد الأشخاص بدون جنسية حول العالم، بـ10 ملايين على الأقل، في الوقت الذي تُشير فيه تقديرات أُخرى إلى 15 مليونًا على الأقل.

تفاقم قوانين سحب وإسقاط الجنسية من المشاكل الإنسانية على عاتق العالم كله، إذ يُقدر أعداد البدون جنسية بـ15 مليون شخص 

الجنسية المصرية.. منحةٌ أم حقٌ مكتسب؟

وفقًا للقانون الدولي فالجنسبة حق مُكتسب، وليست منحة في يد السلطات، وهذا ما سبق توضيحه في نص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إلا أنّ السلطات المصرية تتعامل مع الجنسية المصرية باعتبارها منحة في يدها، تعطيها أو تسحبها ممن تشاء.

اقرأ/ي أيضًا: 15 مليون إنسان حول العالم بدون جنسية.. كارثة متعمدة وراء الستار

وتنطلق السلطات المصرية في حالات سحب وإسقاط الجنسية، حتى التي يحددها القانون كالقانون الجديد، من مفاهيم لا يُمكن الوقوع على تحديدها إلا بسلطة الأقوى المتمثل في النظام الحاكم، وهو ما يُعد مُؤشرًا خطرًا على حالة الحقوق والحريات في البلاد، فعلى سبيل المثال تتحدد حالات سحب الجنسية على أمور تخص "الوطنية"، وكون الوطنية مفهومٌ غير محدد قانونيًا في مصر، فإن السلطات تستخدمه على الوجهين، ليصبح كل مواليًا للنظام وطنيًا، وكل معارض غير وطني أو "خائن". وهو ما يُكرس له "قانونيًا" مشروع القانون الجديد الذي يتحدث عن أمور مثل "المساس بالنظام العام للدولة" و"تقويض النظام الاجتماعي".

وانطلاقًا من هذا، ظهرت حملات لإسقاط الجنسيات عن معارضين سياسيين باعتبارهم "غير وطنيين" أو "خائنين"، كالحملة التي ظهرت ضد محمد البرادعي، والتي جاءت عقب حواره مع التلفزيون العربي، كما أن المحامي المصري سمير صبري، تقدم بدعوى قضائية لسحب جنسية البرادعي تحت نفس الدعاوى الفضفاضة، رغم أن البرادعي كان نائبًا لأول رئيس في نظام ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013!

على درب داعمي السيسي.. الإمارات والبحرين

خلال السنوات القليلة الماضية، أسقطت الإمارات والبحرين، الجنسية عن مئات من مواطنيهما في قضايا سياسية. وبدأت الأنظار تتجه نحو قضية إسقاط الجنسية في المنطقة العربية، بعد أن قررت السلطات الإماراتية إسقاط الجنسية عن ستةٍ من مواطنيها في كانون الأول/ديسمبر 2011، تحت دعوى "قيامهم بأعمال تُعد خطرًا على أمن الدولة وسلامتها"!

تسير مصر على طريق الإمارات والبحرين في استخدام إسقاط الجنسية كوسيلة للقمع وانتهاك الحقوق الإنسانية

وعلى مدار السنوات التالية، أسرفت الإمارات في إسقاط الجنسية عن مواطنين إماراتيين لأسباب تتعلق في حقيقتها بآرائهم السياسية، ففي 2016 وصلت حالات سحب وإسقاط الجنسية مشتملة على الزوجات والأطفال، إلى 60 حالة.

 وحذت البحرين حذو الإمارات بشكل متشدد، ليصبح إسقاط الجنسية الطريق المفضلة لدى السلطات البحرينية في مواجهة معارضيها، ففي حزيران/يونيو الماضي، أسقطت السلطات البحرينية الجنسية عن 26 مواطنًا لمواقفهم السياسية، وكان قد سبق لها على مدار السنوات الماضية أن سحبت الجنسية من عشرات المواطنين، ففي عام 2015 فقط، أسقطت الجنسية عن 72 بحرينيًا، وسبقتها في 2012 بإسقاطها الجنسية عن 31 بحرينيًا معارضًا بتهمة "الإضرار بأمن الدولة"!

وبمشروع القانون المصري الجديد، يبدو أن مصر تعضد من توافقها مع بعض دول الخليج كالإمارات والبحرين، بتقنين أساليب القمع وانتهاك الحقوق الإنسانية، لينضم انتهاك إسقاط الجنسية إلى جملة آليات قمع السلطات لكل صاحب رأي مخالف للنظام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القمع في البحرين.. وصفة على الطريقة السعودية وصمتٌ أمريكي مدفوع الأجر

3 قوانين مصرية لانتهاك المواطنة والحقوق