31-أغسطس-2019

تهدد الأوضاع في إدلب بموجة نزوح غير مسبوقة (Getty)

ما زالت المقاتلات الحربية الروسية والتابعة للنظام السوري، تقصف مدن وبلدات إدلب، تزامنًا مع قصف صاروخي ومدفعي يرافق تقدم قوات النظام والميليشيات الموالية له باتجاه أكبر معقل للمعارضة، فيما شهد ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي عملية نزوح كثيف أصبحت تهدد بأزمة إنسانية غير مسبوقة، بعد أن أصبحت مدن وقرى منكوبة وفارغة من أهلها الذين نزحوا باتجاه الحدود مع تركيا البعيدة عن مرمى طائرات النظام وروسيا، ويرجح مراقبون أن النظام وروسيا يستخدمان التهجير كسلاح سياسي خاصة أمام تركيا.

تستهدف غارات النظام السوري وروسيا المراكز الحيوية في ريف إدلب وحماة الشمالي الذي نزح معظم سكانه جراء التصعيد العسكري وسيطرة قوات النظام بدعم روسي على المنطقة

قرى وبلدات مدمرة بالكامل

أظهرت لقطات قمر صناعي أن قرى في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي تم تسويتها بالأرض جرّاء الغارات الجوية، وأنها أصبحت "خاوية على عروشها". جاء ذلك على لسان ستيفان دوغريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، والذي أشار  إلى استمرار الغارات الجوية بإدلب، وغربي حلب وشمالي حماه، مؤكدًا استخدام النظام للبراميل المتفجرة، وأن الأضرار لحقت بالمستشفيات، والمدارس، والبنى التحتية المدنية، ما أدى لتوقف عمليات الإغاثة الإنسانية.

اقرأ/ي أيضًا: مصير نقاط المراقبة التركية.. هل يكشف صراعًا بين أنقرة وموسكو؟

كما لفت دوغريك إلى أن النساء والأطفال يشكلون ثلاثة أرباع  ما مجمله 3 ملايين مدني تقريبًا تأثروا من الصراع بالمنطقة، مؤكدًا أن الأزمة الإنسانية هناك أخذت أبعادًا خطيرة. وأوضح أن أكثر من 550 مدنيًا لقوا حتفهم جراء الاشتباكات المستمرة منذ نيسان/أبريل الماضي، وأن أكثر من 400 ألف آخرين نزحوا من أماكن إقامتهم، تعيش أعداد كبيرة منهم خارج المخيمات.

وأضاف المسؤول الأممي أن الغارات الجوية التي استهدفت إدلب يوم الثلاثاء الماضي، أسفرت عن مقتل 15 مدنيًا بينهم 3 أطفال و3 نساء، وأن نفس اليوم شهد دمار مدرستين، ومخبزًا ومستشفى.

تدمير المدن والقرى وتهجير أهلها

تستهدف غارات النظام وروسيا المراكز الحيوية في ريف إدلب وحماة الشمالي الذي نزح معظم سكانه جراء التصعيد العسكري وسيطرة قوات النظام بدعم روسي على المنطقة، وقال فريق "منسقو الاستجاية في الشمال السوري" إنه منذ بدء الحملة العسكرية الأخيرة في 26 من نيسان/أبريل الماضي وحتى 26 آب/أغسطس قصفت قوات النظام والمقاتلات الحربية الروسية 12 مخيمًا للنازحين و30 مركزًا للدفاع المدني، و67 مركزًا ونقطة طبية و113 محطة لتوليد الكهرباء و16 مخبزًا، ما يدل على سياسة النظام وروسيا الممنهجة لتهجير المدنيين من قراهم وبلداتهم.

وأضاف الفريق أن 91 مدنيًا قتلوا خلال ثلاثة أسابيع من خرق النظام وروسيا لوقف إطلاق النار في ريفي إدلب وحماة، بينهم 25 طفلًا، كما أصيب 242 مدنيًا، معظمهم سقطو جراء الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي على المنطقة. في حين بلغ عدد الضحايا خلال الأسبوع الثالث من التصعيد العسكري للنظام وروسيا 40 مدنيًا بينهم 5 أطفال وذلك في أرياف حماة وإدلب واللاذقية، بحسب تقرير للفريق.

وأدت العمليات العسكرية لروسيا والنظام والميليشيات الموالية له، إلى تهجير 219.868 مدني أي 33.826 ألف عائلة، كما تم توثيق نزوح 37 ألف مدني في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي و 41 ألفًا في كانون الأول/ديسيمبر من العام نفسه، ما يشير  إلى ارتفاع عدد النازحين  مع ازدياد حدة القصف والغارات الجوية التي تشنها المقاتلات الحربية الروسية والسورية على المنطقة.

وقال الفريق إن الحملة العسكرية الثالثة على المنطقة أدت لنزوح أكثر من 728 ألف مدني منذ 2 من شباط/فبراير وحتى 2 من آب/أغسطس  الجاري، ومن 2 حتى 26 من الشهر نفسه 219 ألف مدني، فيما تجاوز العدد الإجمالي المليون نازح، معظمهم نزوحوا نحو المناطق الحدودية مع تركيا.

وبلغت قيمة الأضرار المادية بحسب تقرير "منسقو الاستجابة" 2.41 مليار دولار، في حين يحتاج النازحون إلى أكثر من 121 ألف سلة غذائية يوميًا، و78 ألف سلة غير غذائية و 98 ألف خزان لمياه الشرب وأكثر من 51 ألف خيمة و 50 عيادة متنقلة و 200 ألف ربطة خبز يوميًا إضافة لألف ليتر ماء شرب كل يوم.

نازحون في الخيم والعراء

أعلن نظام الأسد بالتنسيق مع روسيا عن فتح ممر إنساني لعودة المدنيين من المنطقة المنكوبة إلى مناطق سيطرته، إلا أن ذلك لم يلق نجاحًا بسبب الانتهاكات التي يمارسها النظام والميليشيات الموالية إضافة لمخاوف من عمليات انتقامية، إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ بداية العام 2014 حتى آب/أغسطس الجاري 11916 حالة اعتقال بينهم 219 طفل و 157 امراة للاجئين عادوا من دول اللجوء أو الإقامة إلى مناطقهم في سوريا، وأفرج النظام عن 1132 معتقلًا وتحول 638 لحالات اختفاء قسري. كما اعتقل النظام 426 نازحًا عادوا لمناطق سيطرته بينهم 13 طفلًا و11 امرأة ، أفرج عن 119 منهم وقتل 2 تحت التعذيب.

وتهدد العمليات العسكرية للنظام وروسيا 3 ملايين مدني في إدلب، بينهم مليون طفل، حيث طالب رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني السوري المجتمع الدولي بالضغط على نظام الأسد وروسيا لإيقاف استهداف المدنيين والبنى التحتية، وتابع في رسالة مصورة أن المدنيين شعروا بالذهول نتيجة الانفجارات التي وقعت جنوب مدينة معرة النعمان وخان شيخون قبل أن تسيطر عليها قوات الأسد والميليشيات الأجنبية الموالية، وينزح سكانها إلى مناطق أكثر أمنًا.

ودعا الصالح المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، في حماية أكثر من 3 ملايين مدني يعيشون في محافظة إدلب، ومنع الروس والنظام من استهداف العاملين في المنظمات الإنسانية والدفاع المدني، مشيرًا إلى أن إدلب تتعرض إلى كارثة كبرى.

وتستخدم روسيا والنظام منذ بدء العمليات العسكرية، سياسة تقوم على قصف المستشفيات والمدارس والمخابز والبنى التحتية التي تمكن المدنيين من الاستمرار في الحياة ضمن مدنهم وقراهم.

النزوح وأمن تركيا القومي

بعد سيطرة النظام على ريف حماة الشمالي بدعم روسي، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى زيارة موسكو، وقال خلال مؤتمر صحفي عقب مباحثات قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إن تركيا لا يمكنها الإيفاء بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها بموجب اتفاق "سوتشي"، إلّا بعد وقف هجمات النظام السوري على إدلب. وشدد أردوغان على أنه "لا يمكن القبول بقتل النظام للمدنيين في إدلب من البر والجو تحت ذريعة محاربة الإرهاب"، بحسب وكالة الأناضول.

وأشار إلى أن هجمات النظام في إدلب تسببت بمقتل أكثر من 500 مدني، منذ ماير/أيار الماضي، وإصابة أكثر من ألف و200 آخرين.

وتابع: "هدفنا هو وقف إراقة الدماء، وإرساء أجواء الاستقرار في جارتنا سوريا، التي تتوق إليها منذ ثماني سنوات بأسرع وقت". وشدد على أن هجمات النظام، وخاصة في المناطق القريبة من الحدود التركية، تدفع أنقرة إلى استخدام حقها في الدفاع عن نفسها، والإقدام على الخطوات الواجب اتخاذها عند اللزوم. فيما تقول تقارير إن تركيا ترسل تعزيزات لردع النازحين من إدلب عن الدخول إلى الأراضي التركية.

التهجير كسلاح حرب

كما أشارت صحيفة فورين بوليسي إلى أن الدول "المصدرة للاجئين" تستخدم سلاح التهجير القسري كوسيلة لإجبار جيرانها وإرغام خصومها. حيث اعتمد كثيرون على هذا التهديد أولهم الرئيس الكوبي فيدل كاسترو مرورًا برئيس ألمانيا الشرقية إيريك هونيكر ورئيس ليبيا معمر القذافي ورئيس أوغندا إيدي أمين.

اقرأ/ي أيضًا: رهان موسكو الأخير.. المال مقابل السلام في إدلب

وتضيف الصحيفة أن الباحثة كيلي غرينهيل من جامعة تافتس والتي باشرت بأول تحليل منهجي حول استخدام التهجير كسلاح،  اكتشفت بأنه ضمن ثلاثة أرباع الحالات تقريبًا، تمكن بعض من هؤلاء من تحقيق ما كانوا يصبون إليه على الأقل، بيد أنه لا توجد حتى الآن أية آلية لمحاسبتهم، ولا يحيط الوضوح حتى بأية جهة مسؤولة عن حل أزمات اللاجئين أو "تقاسم أعبائهم".

أدت العمليات العسكرية لروسيا والنظام، إلى تهجير 219.868 مدني أي 33.826 ألف عائلة، كما تم توثيق نزوح 37 ألف مدني في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي و 41 ألفًا في كانون الأول/ديسيمبر من العام نفسه

وإلى الآن ما زالت الاشتباكات بعيدة عن الحدود التركية، لكن تركيا  تخشى من موجة لجوء كبيرة باتجاه ولاية هاتاي الحدوية مع سوريا في حال تقدم النظام إلى إدلب. ما قد يشكل ضغطًا سياسيًا على أنقرة بخصوص الملف السوري.