14-سبتمبر-2018

غارة جوية أخيرة على إدلب، كمفتتح للعملية العسكرية الوشيكة على آخر معاقل المعارضة في سوريا (أ.ف.ب)

تكرار جديد لمشهد صراع العروش في سوريا، وتحويلها إلى مسرح لتصفية الحسابات وتحول ميزان القوى. يتحفز العالم من جديد، وهو حَذر من وقوع كارثة إنسانية تنتظر ثلاثة ملايين مدني في إدلب، وسط تحذيرات دولية من استخدام قوات الأسد للأسلحة الكيميائية، ووعيد أوروبي بالتدخل على غرار هجمات أبريل/نيسان الماضية التي قامت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مواقع عسكرية، قالت وقتها الدول المهاجة، إنها لمخازن أسلحة كيميائية تابعة للنظام.

تمثل العملية العسكرية الوشيكة على إدلب صداعًا جديدًا لأوروبا من جهة الخوف من تكرار أزمة لجوء جديدة في القارة، كما نقلت الصحف الأوروبية

صداع جديد لأوروبا

تعاملت الصحف الأوروبية مع أزمة إدلب الوشيكة من وجهة النظر الخاصة بمصالح القارة، فتحدثت التايمز البريطانية عن أن هجومًا وشيكًا على إدلب قد يعني كارثة إنسانية جديدة للاجئين في أوروبا، قد تؤدي إلى تعقيد أوضاع مخيمات اللاجئين في اليونان، وهو ما حذر منه الخبراء المتابعون للمشهد.

اقرأ/ي أيضًا: الغرب يوحد موقفه.. "جرس النهاية" يقرع في إدلب

وأدانت الجمعيات الإنسانية والخيرية الظروف التي يعيش فيها اللاجئون في مخيمات اللجوء التي تضم ما لا يقل عن 800 ألف لاجئ، والتي لم تعد السلطات اليونانية قادرة على السيطرة عليها.

أحد الخبراء الدوليين في معهد العلاقات الدولية بأثينا، تحدث عن أنه "مع وجود حوالي ثلاثة ملايين مهاجر تقطعت بهم السبل بالفعل في تركيا، فإن مثل هذا الهجوم سيؤدي إلى تدفق المهاجرين إلى أوروبا".

أما الغارديان البريطانية فقد وصفت أوضاع كثيرٍ من المدنيين المقيمين في مخيمات حول المنطقة في إدلب، بالمزرية، فلا مكان آخر يذهبون إليه، وهم يقومون بصنع واقيات الغاز من فناجين الأطفال المضاف بداخلها الفحم والقطن. ناقلة الوصف الروسي لحال مدينة إدلب بأنها "الخُرّاج الملتهب الذي يحتاج إلى التصفية".

تخشى أوروبا من أن هجومًا عسكريًا على إدلب سيفاقم مشكلة اللاجئين فيها
تخشى أوروبا من أن هجومًا عسكريًا على إدلب سيفاقم مشكلة اللاجئين فيها

ونقلت الصحيفة تصريح الأمم المتحدة عن حالة المشافي هناك، بأن أربعة منها تم قصفها الأسبوع الماضي، رغم أنها كانت على قائمة المناطق الآمنة، وهذا يعني "أنها قد أُعطيت إحداثياتها للنظام السوري والمقاتلات الروسية".

وقالت الصحيفة البريطانية، إن الأوضاع "تقترب بشكل مثير للقلق من القبول الضمني للفظائع الأخرى"، وأضافت: "وأشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغات إلى الآثار المباشرة لما يُخشى حدوثه في إدلب على أروربا وعلى تركيا، من توتر للأوضاع وتعقيد لمشكلة اللاجئين".

تعقيد مشكلة اللاجئين

تستخدم أوروبا بشكل عام، لغة رسمية اتهامية للنظام السوري، مع بعض الحذر، فقد قال وزير الخارجية الفرنسي في تصريح نقلته رويترز، إن "القصف العشوائي لمنطقة إدلب السورية من قبل القوات الروسية والسورية والإيرانية يمكن أن يرقى إلى مستوى جرائم الحرب".

و على الرغم من أن باريس لها مبادرة سابقة في 2016 لمحاولة إحالة الملف السوري للمدعي العام لمحكمة العدل الدولية، دون أن يأتي من مبادرتها الكثير، حيث لم توقع دمشق على معاهدة روما لإنشاء محكمة العدل الدولية؛ إلا أن وزير خارجيتها، أشار ضمنيًا إلى ما تخشاه أوروبا حقيقةً من قصة إدلب بأكملها، حيث قال: "الوضع خطير للغاية. نحن الآن على أعتاب كارثة إنسانية وأمنية كبيرة"، مضيفًا: "ينبغي بذل الجهود على الفور للإعداد لأزمة إنسانية ضخمة في حالة نزوح آلاف الأشخاص بسبب القتال".

أما الدويتش فيله فقد سلطت الضوء على مزيد من تفاصيل الوضع السياسي الألماني تجاه ما يدور حول إدلب، فقالت إن قضية إدلب وصلت للبوندستاغ (البرلمان الألماني) وأن حرب البيانات والبيانات المضادة بدأت في الظهور بين ائتلاف ميركل الحاكم بشأن موقف ألمانيا العسكري من سوريا إذا ما شُنت هجمات كيميائية. وقالت دويتش فيله: "إن احتمال انضمام القوات الألمانية إلى الغارات الجوية على سوريا في حال استخدام الأسلحة الكيميائية، سيتسبب في حدوث شرخ في حكومة أنجيلا ميركل".

وتضاربت الآراء والمواقف في ألمانيا حول مهمة عسكرية محتملة لألمانيا في سوريا، فقالت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لين، العضوة في الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتبع له المستشارة أنجيلا ميركل، في خطابها بالبوندستاغ، إنه إلى جانب الدبلوماسية فإن "الردع الموثوق به ضروري أيضًا للحيلولة دون الاستخدام المستقبلي للأسلحة الكيميائية"، مضيفةً: "لا يمكن لألمانيا أن تستمر في التصرف كما لو أن هذا لا يؤثر عليها".

تضاربت المواقف داخل البوندستاغ الألماني حول التصرف تجاه هجوم كيميائي محتمل من النظام السوري على إدلب
تضاربت المواقف داخل البوندستاغ الألماني حول التصرف تجاه هجوم كيميائي محتمل من النظام السوري على إدلب

هذه التصريحات جاءت بعد عدة أيام من نشر صحيفة بيلد واسعة الانتشار في ألمانيا، تقريرًا مفاده أن وزارة الدفاع تجري محادثات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، للانضمام إلى هجمات جوية محتملة في سوريا في حالة وقوع هجوم كيميائي.

وبالعودة للوضع داخل ألمانيا، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، يؤيد شن ضربات عسكرية بمشاركة ألمانية في سوريا، بينما أعرب شريكه، الحزب الديمقراطي الاشتراكي، على لسان قادته الرئيسيين، عن معارضته القوية لأي تورط عسكري محتمل لألمانيا في سوريا.

وقد استبعد رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بشكل قاطع، أي مشاركة ألمانية في مهمة عسكرية بسوريا، ما لم يكن هذا الإجراء بعد الحصول على تفويض من الأمم المتحدة. وقال زميله في الحزب ووزير الخارجية الألماني، هيكو ماس، إن تركيزه الحالي على قضية التأكد من أن ألمانيا لن تضطر أبدًا لتقرير ما إذا كانت سترسل قوات لسوريا بعد هجوم محتمل بالأسلحة الكيميائية. لكنه أضاف أنه "سيفعل كل شي لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا". 

تضاربت المواقف في الائتلاف الحاكم بألمانيا حول مهمة عسكرية ألمانية محتملة في سوريا، في حال شن النظام السوري هجومًا كيميائيًا على إدلب

وبين حالة الارتباك التي تعانيها أوروبا بسبب الهجوم الوشيك على إدلب، وتضارب التصريحات داخل الدولة القائدة للاتحاد الأوروبي، تبقى مصائر المدنيين خارج المعادلة السياسية الأوروبية والعالمية بشكل كبير، ولا يبقى منهم سوى مشاهد محاولات اتقاء الموت الوشيك بالهرب واللجوء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟

تقدير موقف: مستقبل إدلب بعد قمة طهران.. احتمالات التسوية والمواجهة