16-أكتوبر-2022
دماغ فأر

دماغ فأر (Getty)

لجأ باحثون إلى زراعة خلايا عصبية من أدمغةٍ بشرية في أدمغة بعض الفئران في محاولةٍ لدراسة الأمراض العصبية والنفسية كالصرع وانفصام الشخصية. وتقوم التجربة على أن الخلايا العصبية كانت مأخوذةً من أدمغة أشخاصٍ مصابين بهذه الأمراض.

تكمن أهمية التجربة بإتاحة الفرصة لدراسة تصرّف الخلايا العصبية والخلل الموجود فيها عندما تكون مريضة

تكلّلت التجربة بالنجاح، على الأقل في خطوتها الأولى، إذ قامت كتل الخلايا البشرية بالتجذّر في عقول الفئران والاتصال بشرايين الدم والدارات الدماغية داخل دماغ الفئران، وهو ما أدّى إلى تغيّرٍ في حركات وسلوكيات الفئران.

وتكمن أهمية التجربة، التي قام بها فريقٌ من العلماء في جامعة ستانفورد، بإتاحة الفرصة لدراسة تصرّف الخلايا العصبية والخلل الموجود فيها عندما تكون مريضة بشكلٍ مباشرٍ وفوري، لأنها مزروعةٌ الآن في دماغٍ حي، على العكس من مجرد دراسة الخلايا العصبية في بيئةٍ معزولة.

تجارب علمية على الفئرات لأغراض الصحة النفسية

وقد شدّد "سيرجو باسكا"، أحد أفراد الفريق، على أهمية هذه الخطوة لحاجتنا إلى فهمٍ أفضل لهذا النوع من الاضطرابات: "الاضطرابات النفسية هي عبءٌ كبيرٌ يُثقل كاهل مجتمعاتنا، والحاجة واضحةٌ جداً جداً إلى نماذج أفضل تساعدنا على دراسة هذه الأمراض. يواجه الكثيرون من المرضى وعوائلهم هذه الأمراض دون قدرتهم على معالجتها. لا نستطيع إهدار أي وقت."

ولعلّ التعليق الأخير هو إجابةٌ خجولةٌ على الجدل الأخلاقي الذي أصبح جزءً لا يتجزّأ من حقل دراسات عضويات الدماغ. ويقوم هذا الحقل على تطوير كراتٍ صغيرةٍ من الخلايا العصبية في المختبر لدراسة تطوّرها ودراسة الأمراض التي تصيبها كالتوحّد وغيره. فمن الأسئلة الأخلاقية التي تُطرَح في هذا السياق فيما إن كانت هذه الخلايا تشعر بالألم تحت وطأة هذه التجارب، أو ما هو موقف الفريق إذا أدّت هذه العملية إلى نشوء صفاتٍ بشرية في الفئران. وكان "هانك غريلي"، مدير مركز القانون والعلوم العضوية في الجامعة، ممن وجدوا الحاجة لطرح هذه الأسئلة الأخلاقية، علماً أن الفريق استعان بغريلي كمستشار لفريق التجربة.

وقام العلماء بتطوير عضويات دماغيةٍ في طبقٍ حتى أصبح طولها يتراوح بين النصف متر إلى مترٍ واحد، ومن ثم زُرعت هذه الخلايا في أدمغة فئران حديثي الولادة، وتحديداً أكثر في جزء القشرة الحسية الجسدية (Somatosensory cortex)، ويختصّ هذا الجزء من الدماغ بالمحسوسات اللمسية كحركة الشعيرات الصغيرة الموجودة على وجه الفئران. وقد اختار العلماء زراعة كرتين بدل كرةٍ في أدمغة بعض الفئران.

وبعد خمسة أشهر، نمت الخلايا البشرية داخل أدمغة الفئران، وصار حجمها 6-8 أضعاف ما كان عليه، مع اتصالها بشرايين الفأر. واستطاع العلماء التثبّت من ذلك بدراسة سلوك هذه الخلايا عند نفخ الهواء في وجه الفئران، وبالفعل استجابت الخلايا البشرية المزروعة إلى هذه البواعث.

وقام العلماء أيضاً بتدريب الفئران على شرب الماء وقت تفعيلهم للخلايا البشرية، ومرةً أخرى أثبت سلوك الفئران أن الخلايا البشرية المزروعة لها تأثيرٌ على سلوك الفئران.

وعلى الرغم من أن الاختبارات التي أجراها العلماء لم تجد أي دليل على اختلافٍ إيجابيٍّ في سلوك الفئران، أو حتى تعرّضهم لآثارٍ جانبيةٍ سيئة، كان هناك اختلافٌ في السلوك بين فئران التجارب الذين استقبلوا خلايا عصبية من أشخاصٍ أصحاء، والفئران الذين استقبلوا خلايا من مرضى مصابين بما يُعرف بمتلازمة تيموثي (وهي متلازمةٌ تحدث اضطراباتٍ في سرعة دقات القلب وترتبط عادةً بأعراض طيف التوحّد).

قال العلماء أنهم سيستخدمون ما وصلوا إليه لدراسة أمراضٍ مثل الصرع وانفصام الشخصية، وأيضاً التوحّد وآثار الأدوية على هذه الاضطرابات

وقد قال العلماء أنهم سيستخدمون ما وصلوا إليه لدراسة أمراضٍ مثل الصرع وانفصام الشخصية، وأيضاً التوحّد وآثار الأدوية على هذه الاضطرابات.

 

*  يمكن الاطلاع على تفاصيل التجربة ونتائجها بتفصيلٍ أوسع في المقالة المحكّمة التي نشرتها مجلة نيتشر.