22-فبراير-2023
getty

تجديد المعاهدة الأخير كان خلال الشهر الأول لرئاسة جو بايدن (Getty)

دعت الأمم المتحدة مساء الثلاثاء موسكو وواشنطن إلى استئناف التنفيذ الكامل لمعاهدة ستارت الجديدة دون تأخير، وذلك بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليق مشاركة روسيا في المعاهدة.

معاهدة ستارت الجديدة آخر اتفاقية نووية كبيرة متبقية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية

جاء تعليق مشاركة موسكو، خلال خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم أمس، الذي أعلن فيه "تعليق مشاركة بلاده في معاهدة ستارت للحد من الأسلحة النووية"، وهي آخر اتفاقية نووية كبيرة متبقية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتهدف للحد من انتشار الأسلحة النووية، كما رفض قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتفتيش المنشآت العسكرية الروسية كجزء من المعاهدة، ووصفها في خطابه بـ"مسرح العبث"، لأن "الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يقولان بشكلٍ مباشر إن هدفهما هو هزيمة روسيا استراتيجيًا".

من جانبه، لم يتطرق الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال خطابه الذي جاء بعد ساعات من خطاب بوتين، لتعليق روسيا مشاركتها في الاتفاقية. فيما وصف وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن تعليق بوتين لمعاهدة ستارت الجديدة بأنه "مؤسف للغاية وغير مسؤول". وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن هذا جعل العالم مكانًا أكثر خطورة، وحث بوتين على إعادة النظر في القرار.

getty

وفي شرحها للقرار، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن روسيا ستلتزم بالقيود المفروضة على الرؤوس الحربية النووية التي حددتها معاهدة ستارت الجديدة حتى تنتهي صلاحيتها في عام 2026، مشيرةً إلى أن روسيا ستواصل إخطار الولايات المتحدة بعمليات إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات.

وكررت الوزارة حديث بوتين، عن إمكانية التراجع عن القرار، لكن السياسة الحالية للولايات المتحدة تسعى إلى "تقويض الأمن القومي لروسيا" بطريقة لا تتوافق مع "المبادئ الأساسية" للمعاهدة.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن تعليق بوتين العضوية في المعاهدة يأتي في لحظة حرجة مع نية الصين بناء ترسانة نووية موازية لواشنطن موسكو، والحديث عن تقدم إيران باتجاه تخصيب اليورانيم، بالإضافة إلى سلسلة من التجارب الصاروخية البالستية من قبل كوريا الشمالية، وتقول الصحيفة: "تشير كل علامة إلى أن العالم قد يكون على وشك الدخول في حقبة جديدة من الاختراق النووي". مع الإشارة إلى أن عمليات التفتيش كانت متوقفة خلال السنوات الماضية بسبب جائحة كورونا واندلاع حرب أوكرانيا.

وتضيف الصحيفة، أن وبعد انتهاء الاتفاقية في عام 2026 وبعد حوالي 1000 يوم سيبدو العالم للوهلة الأولى "مشابهاً لما كان عليه قبل نصف قرن، عندما كان هناك سباق التسلح. ويمكن للدول أن تستخدم العديد من الأسلحة النووية كما تريد".

ما هي معاهدة ستارت الجديدة؟

معاهدة ستارت الجديدة هي معاهدة للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية التي يمكن لموسكو وواشنطن نشرها، ووقعت المعاهدة عام 2010 من طرف الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف والتسمية الرسمية للمعاهدة هي: "تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها". 

ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ بعد مصادقة الكونغرس الأمريكي ومجلس الدوما الروسي عليها تواليًا في كانون الأول/ديسمبر 2010، وكانون الثاني/يناير 2011 .

وتم تجديد اتفاقية ستارت الجديدة آخر مرة في عام 2021 لمدة 5 سنوات، وذلك خلال الشهر الأول من الرئاسة الحالية للرئيس الأمريكي جو بايدن.

يشار إلى أن معاهدة ستارت الجديدة تعتبر آخر آلية لمراقبة الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد انتهاء العمل بمعاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التي أقرّت عام 2002.

getty

ومن حيث المضمون تتيح معاهدة ستارت الجديدة للمفتشين الروس والأمريكان "التثبت من امتثال الجانبين الروسي والأمريكي للمعاهدة"، كما تلزم المعاهدة موسكو وواشنطن "بنشر ما لا يزيد على 1550 رأسا نوويا استراتيجيا و700 من الصواريخ بعيدة المدى وقاذفات القنابل بحد أقصى".

وكان أحد بنود المعاهدة "يسمح لكل طرف القيام بـ 18 عملية تفتيش لمواقع الأسلحة النووية الاستراتيجية كل عام للتأكد من أن الطرف الآخر لم ينتهك حدود المعاهدة"، قبل أن يتم تعليق ذلك البند المتعلق بعمليات التفتيش  بموجب المعاهدة في آذار/مارس 2020 بسبب جائحة "كوفيد-19".

ولعل أوّل مؤشر على توجه روسيا لتعليق العمل بالمعاهدة على صلة بهذا البند، فقد كان من المقرر أن يجري الطرفان مباحثات لاستئناف عمليات التفتيش في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في مصر، إلّا أن الجانب الروسي أجّل تلك المباحثات دون تحديد موعد جديد لها.

وبشأن الأسلحة التي تتعامل معها المعاهدة فتشمل "الصواريخ النووية طويلة الأمد وعابرة القارات"، حيث حددت المعاهدة "ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ عابرة القارات بما لا يزيد على 700 رأس نووي في قواعد أرضية و1550 صاروخ نووي في الغواصات والقاذفات الجوية الاستراتيجية، مع امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية".

يذكر أنّ روسيا والولايات المتحدة تملكان لوحدهما حوالي 90% من الرؤوس الحربية النووية في العالم.

ومنذ إقرار المعاهدة تبادل الطرفان الاتهامات بعدم احترامها، فمن ناحية اتهمت واشنطن موسكو بعدم السماح بعمليات التفتيش على أراضيها، وعلى الطرف المقابل تتهم موسكو الولايات المتحدة وحلفائها بالسعي إلى تدميرها وتقويض أمنها القومي بأي وسيلة، الأمر الذي دفع موسكو إلى التلويح بإمكانية اللجوء للسلاح النووي للدفاع عن أراضيها.

يشار إلى أن معاهدة نيو ستارت الجديدة ينتهي العمل بها في عام 2026، وتُعدّ هي المعاهدة الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة بين البلدين بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة عام 1987.

getty

ما هو مستقبل المعاهدة؟

التمديد الذي توافق عليه بوتين وبايدن، كان الأخير المسموح به بموجب الاتفاقية، ومن المفترض أن يتم التوافق على معاهدة جديدة تمامًا بعد نهاية المعاهدة الحالية في مطلع عام 2026. وفي الوقت الحالي يبدو أن هذه الفرضية صعبة.

ويعود ذلك لانقطاع التواصل بين موسكو وواشنطن، بالإضافة إلى أن هذه الاتفاقية لا تشمل "الأسلحة النووية في ساحة المعركة"، أي الأسلحة النووية التكتيكية، التي يمكن استخدامها في الحروب بشكلٍ محدود.

التمديد الذي توافق عليه بوتين وبايدن، كان الأخير المسموح به بموجب الاتفاقية، ومن المفترض أن يتم التوافق على معاهدة جديدة تمامًا بعد نهاية المعاهدة الحالية في مطلع عام 2026

كما أن الحديث عن تجديد المعاهدة بين روسيا وأمريكا، يبدو غير منطقي، نظرًا لأن الصين تعمل على توسيع ترسانتها النووية بشكلٍ سريع، ويمكن أن تنشر 1500 قطعة نووية خلال العشرة أعوام القادمة.