عقوبات الولايات المتحدة ضد دول المنطقة.. سلاح تهندس به واشنطن مصالحها الشرق أوسطية
15 مايو 2025
احتفاء واسع النطاق قوبل به قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، برفع العقوبات المفروضة على سوريا، خلال الكلمة التي ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي– الأميركي الذي عقد بالعاصمة السعودية الرياض الثلاثاء 13 مايو/أيار الجاري تزامنًا مع جولته الخليجية التي شملت إلى جانب المملكة كل من قطر والإمارات.
القرار الذي وصفه ترامب بـ "التاريخي" فيما لم يستطع وزير الاقتصاد السوري، نضال الشعار، إخفاء دموع فرحه به، معتبرًا إياه "قرار الحق الذي انتظره ملايين السوريين والعالم بأسره"، فتح الباب على مصراعيه أمام تاريخ مشين من العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على دول المنطقة، محولة إياها كـ "سلاح" تشهره في وجه كل من يغرد خارج السرب ويقترب من مصالحها من قريب أو بعيد.
ودشنت واشنطن لأجل تلك الاستراتيجية ترسانة قانونية وتشريعية واسعة النطاق، أبرزها "قانون مكافحة أعداء أميركا" الذي يعرف اختصارا باسم "كاتسا"، وهو الأداة القانونية التي تشرعن للإدارة الأميركية فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على الدول والكيانات التي ترى فيها خطرًا على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.
دشنت واشنطن لأجل تلك الاستراتيجية ترسانة قانونية وتشريعية واسعة النطاق، أبرزها "قانون مكافحة أعداء أميركا" الذي يعرف اختصارا باسم "كاتسا"
وتحول هذا القانون الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ الأميركي بالأغلبية في حزيران/ يونيو 2017، ودخل حيز التنفيذ رسميا في آب/ أغسطس من نفس العام، إلى عصًا غليظة تضرب بها واشنطن مؤخرة البلدان والمنظمات والكيانات والأفراد، المعادين لها، وتفرض عليهم حصارًا مطبقًا، إذ يتضمن 12 نوعا من العقوبات كفيلة بأن تعزل الضحية داخل سجن انفرادي حتى الموت،
ومن أبرز العقوبات التي تضمنها "كاتسا"، عقوبات على الائتمان، عقوبات على صادرات السلع والخدمات الأميركية، عقوبات على القروض الكبيرة من المؤسسات المالية الأميركية، عقوبات على أي مدفوعات أو تحويلات مصرفية خاضعة للقانون الأميركي، عقوبات على أي معاملات مرتبطة بالعقارات، رفض منح تأشيرات سفر موظفي الشركات ذوي الصلة بالكيان أو الشخص المستهدف بالعقوبات، وعقوبات على المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين الذين لهم صلة بالكيان أو الشخص المستهدف بالعقوبات.
في هذه الإطلالة نستعرض تاريخ أهم العقوبات الأميركية المفروضة على دول المنطقة، عربية وغير عربية، وأبرز الدول التي سقطت في براثن تلك العقوبات، وكيف حولت الولايات المتحدة مثل هذا الإجراء العقابي إلى سوط تستهدف به كل المناوئين لها، من وجهة نظرها، للوقوف على حجم الأغلال التي تقيد بها واشنطن المنطقة لخدمة مصالحها وأجنداتها التوسعية.
سوريا.. 45 عامًا من العقوبات
منذ سبعينات القرن الماضي وتعاني سوريا من دوامة العقوبات الأميركية والأوروبية التي لم تنته، لتقبع في هذا المستنقع أكثر من 45 عامًا، دفع الشعب السوري خلالها فاتورة باهظة الكلفة، مٌسددًا وبشكل فردي سياسات نظام الأسد العدائية.
البداية كانت في عام 1979 حين وضعت الولايات المتحدة سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب الوصاية السورية على لبنان واتهامها بدعم حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
وبعد سبعة سنوات تقريبًا وتحديدًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1986، تعرضت دمشق لموجة جديدة من العقوبات، لكن هذه المرة عن المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وبدعم من الولايات المتحدة، حيث فٌرض عليها عقوبات عدة كان من بينها حظر بيع أسلحة جديدة إلى سوريا، وحظر الزيارات رفيعة المستوى، ومراجعة موظفي السفارة والقنصليات، وتدابير أمنية صارمة فيما يتصل بالخطوط الجوية العربية السورية.
وخلال الفترة بين آذار/مارس و آب/ أغسطس 2004 فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السورية، في إطار سياسة مكافحة محور الشر التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن ، والتي زعمت حينها حيازة النظام السوري لأسلحة دمار شامل، وتدخله في اليمن وزعزعة الاستقرار في العراق، فضلًا عن دعمه لمنظمات مثل حزب الله وحماس.
أما في 11 آيار/ مايو 2004 فأصدرت واشنطن الأمر التنفيذي 13338 القاضي بفرض عقوبات على سوريا بموجب قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA) مع إقرار قانون مكافحة الإرهاب السوري(CASA) الذي كان نقطة مفصلية في ديمومة العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق بزعم دعمها بعض الفصائل المسلحة.
وعقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005، سحبت الولايات المتحدة سفيرتها في دمشق مارغريت سكوبي، وأصدر الرئيس بوش قرارات حظر خلالها نفاذ 20 مواطنًا سوريًا وضم شركات سورية بعينها إلى النظام المالي الأميركي، كما استهداف بعض المؤسسات المالية السورية بشكل مباشر مثل البنك التجاري السوري.
ومع انطلاقة الثورة السورية عام 2011 أصدر الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما، في 29نيسان/ أبريل من نفس العام، أمرًا تنفيذيًا بتجميد ممتلكات المتورطين في الانتهاكات، وبعدها بشهر تقريبًا فرضت كندا عقوبات إضافية بحظر على السفر، وتجميد الأصول، وحظر على تصدير بعض السلع والتكنولوجيا التي قد تستخدمها القوات المسلحة، وتعليق جميع الاتفاقيات والمبادرات الثنائية.
وفي ذات الشهر اعتمد الاتحاد الأوروبي عقوبات منها حظر الاتجار بالسلع التي يمكن استخدامها لقمع السكان المدنيين، وفي آب/ أغسطس فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة شملت حظرًا على قطاع النفط وتجميد أصول بعض الشخصيات، كما حظرت تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سوريا.
ودخل الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية مزاد العقوبات، حيث فرضت أوروبا حظرًا على قطاع النفط السوري، وعلى جميع المعاملات المتعلقة بالأسلحة، والمعادن الثمينة، والبتروكيماويات ، والمواد السامة، والشراكات المصرفية، وما إلى ذلك مع الشركات العاملة في سوريا، فيما أعلنت جامعة الدول العربية تجميد الأصول المالية للحكومة السورية، ووقف المبادلات المالية مع البنك المركزي السوري ، ووقف الرحلات الجوية بين دول جامعة الدول العربية وسوريا، ومنع إقامة عدد من الشخصيات السورية، ووقف الاستثمارات في سوريا من قبل دول جامعة الدول العربية.
ثم كانت الموجة الأشرس من العقوبات، في كانون الثاني/يناير 2019 حين اتخذ مجلس النواب الأميركي قرارًا بتطبيق "قانون حماية المدنيين السوريين" أو ما عُرف باسم قانون "قيصر"، والذي ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية، وتستهدف دولًا تدعمها، مثل إيران وروسيا، لمدة 10 سنوات، وشملت العقوبات حينها العديد من الأفراد والكيانات المرتبطة بالحكومة السورية، بما في ذلك الشركات التي تتعامل مع النظام أو تساعد في إعادة الإعمار في سوريا، كما يعاقب أي دولة أو شركة تساعد في دعم النظام السوري.
العراق.. النفط مقابل الغذاء
بدأت العقوبات الأميركية على العراق بعد أربعة أيام فقط من غزو الكويت، الخطوة التي كانت بدعم وتحفيز مباشر من واشنطن حينها، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الشهير ( 661) الذي حظر الاستيراد من العراق وتصدير أي شيء إليه، باستثناء الأدوية والغذاء في الحالات الإنسانية، كان ذلك في السادس من آب/أغسطس/ 1990.
العراق في ذلك الوقت كان يستورد 70% من غذائه، وكانت العقوبات تتضمن منعه من استيراد الغذاء بشكل كامل في الأشهر الثمانية الأولى، وبعد عام تقريبًا من دخول هذا القرار حيز التنفيذ انخفضت صادرات العراق بنسبة 97% ووارداته بنسبة 90%، ليدخل البلد الغني بالنفط مرحلة صعبة من المجاعة والأزمة الاقتصادية الخانقة.
في كتابها "الحرب الخفية: أمريكا والعقوبات على العراق" تقول الكاتبة جوي غوردون إن الولايات المتحدة مررت هذا القرار داخل مجلس الأمن بموافة 13 عضوًا، فيما امتنع عن التصويت عضوين فقط، هما اليمن وكوبا، وذلك نظير مغريات وامتيازات أغرت بها الدول الأعضاء لتمرير القرار دون معارضة، وهو ماقد كان.
وفي عام 1995، أصدر مجلس الأمن – بدعم أميركي مطلق- قراره ( 986 ) الذي أقر برنامج "النفط مقابل الغذاء" حيث سمح للعراق بتصدير جزء من إنتاجه النفطي مقابل السماح له باستيراد حاجاته الأساسية، ورغم ذلك تعرض هذا الجزء المصدر من النفط لعراقيل مشددة حيث كانت الشحنة تُحتجز لفترات طويلة من أجل الموافقة على تصديرها، كنوع من العقاب
ومع الاحتلال الأميركي للعراق في 2003 وضعت أموال العراق القادمة من بيع النفط الذي يشكل 90% من واردات البلد العربي في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بزعم حمايتها من مطالب التعويض التي قدمتها بعض الدول المتضررة من سياسات نظام صدام حسين، لتفرض الولايات المتحدة تأميمًا غير مباشر على الدولة النفطية.
وفي 19 تموز/يوليو 2023 فرضت وزارة الخزانة الاميركية، عقوبات على 14 مصرفًا عراقيًا بزعم تعاملات أجرتها مع إيران، كما منعت أربعة بنوك عراقية أخرى من الوصول إلى الدولار في كانون الثاني/ نوفمبر من نفس العام، بجانب فرض ضوابط أكثر صرامة على التحويلات المالية في البلاد بشكل عام.
وقبل ثلاثة أشهر من الآن، وتحديدًا في شباط/ فبراير 2025 فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على خمسة مصارف عراقية كمرحلة أولى، إضافة الى شركات صرافة، بسبب تورطها بعمليات تحويل غير شرعية، وتورطها بتهريب الدولار الى جهات محظورة على رأسها إيران.
لبنان.. حزب الله في مصيدة العقوبات
لا توجد عقوبات أميركية مفروضة على الدولة اللبنانية في المجمل، لكنها استهدفت وبشكل مباشر حزب الله وذلك على خلفية علاقته بطهران من جانب، ونشاطه المقاوم ضد الكيان المحتل من جانب أخر، وقد تعددت صور تلك العقوبات بين إدراج شخصيات تابعة للحزب على لوائح الحظر وتجميد أرصدة بنكية ومنع من السفر.
وتنطلق الولايات المتحدة في عقوباتها على الحزب استنادًا إلى لائحة العقوبات الصادرة عن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" الذي يتبع وزارة الخزانة الأميركية، وذلك عبر قانوني منع التمويل المعروفين بـ "هيفبا 1" و "هيفبا 2"، بعد تصنيف الولايات المتحدة له على أنه "منظمة إرهابية مدعومة من إيران، وتتعارض أهدافها في غالب الأحيان، مع مصالح الشعب والحكومة اللبنانيين".
وتٌعرف اللائحة الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية باسم (SDN list ) وهي التي تحظر على المواطنين الأميركيين التعامل مع من يٌدرجون عليها من أسماء وشخصيات وكيانات، كما أنّه يجمّد أي أصول عائدة لهم في الولايات المتحدة، ويحد أيضًا من قدرتهم على الاستفادة من النظام المالي الأميركي.
وبدأت العقوبات الأميركية تأخذ منحى تصاعديًا منذ العقوبات التي فرضت على البنك اللبناني الكندي في 2011، حيث أصدرت قانون "ماغنتسكي العالمي" عام 2012 وفي عام 2014 أصدرت قانون منع التمويل الدولي لحزب الله "هيفبا 1" ثم "هيفبا 2"، وكان أول قانون أميركي يطبّق على مؤسسات مالية غير أميركية.
ومن أشهر الأسماء التي أدرجت على لائحة العقوبات الأميركي أسعد بركات الذي وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه "الذراع اليمنى لزعيم الحزب السابق حسن نصر الله في أميركا الجنوبية"، والتي اتهمته بإدارة شبكة سرية لجمع الأموال لصالح الحزب عبر تهريب المخدرات والسلع المقرصنة.
كذلك حسن حدرج، عضو المجلس السياسي للحزب والمسؤول عن الشؤون الفلسطينية، و أمين شرّي النائب في البرلمان اللبناني الذي اتهمته الإدارة الأميركية "باستغلال منصبه الرسمي، لدفع أهداف الحزب المتعارضة مع مصالح لبنان حكومة وشعبًا"، ورجل الأعمال أدهم طباجة، ومجموعة "الإنماء" التي يملكها وعلي حسين علي فاعور، وشركته "كار كير سنت" التي يملكها مع قاسم حجيج، بدعوى أنهم يشكلون جزءًا من شبكة دعم الحزب وواجهة لنشاطاته في لبنان والعراق.
ومن أبرز الأسماء المشمولة بالعقوبات القادة في الحزب: رؤوف سلمان، محمد قصير، محمد قاسم البزال، علي قصير ممثل الحزب في إيران، محمد إبراهيم بزي أحد أبرز ممولي الحزب، حسيب محمد حدوان المعروف أيضًا باسم الحاج زين، حسين الشامي، أحد القادة المؤسسين، قاسم تاج الدين المتّهم مع حاتم بركات بغسيل أموال لصالح الحزب، بالإضافة إلى النائب محمد رعد والقيادي في الحزب وفيق صفا.
وفي آذار/ مارس 2025 أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأميركية خمسة أفراد وثلاث شركات مرتبطة بهم، بزعم تورطهم في شبكة لبنانية للتهرب من العقوبات، تدعم فريق تمويل حزب الله، تدير مجموعة متنوعة من المشاريع التجارية المربحة وشبكات تهريب النفط، غالبًا بالتعاون مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
اليمن.. كماشة الحوثيين
منذ انطلاق عملية "عاصفة الحزم" التي شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن عام 2015 بدأت الولايات المتحدة تضع الحركة تحت مجهر العقوبات، حيث شملت أفراد وكيانات مرتبطة بالحركة، وتنوعت ما بين تجميد أصول، حظر سفر، ومنع تعاملات مالية.
في 13 شباط/فبراير 2024 أدرجت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، جماعة الحوثيين في قائمة "الكيانات الإرهابية العالمية"، وهو ما سمح للخزانة الأميركية بفرض عقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بالجماعة، وفي كانون الثاني/يناير من العام التالي فٌرضت عقوبات على "بنك اليمن والكويت" الذي يعمل في مناطق سيطرة الجماعة، ويخدم نحو 70% تقريبًا من سكان اليمن، في إجراء هو الأول من نوعه الذي يستهدف بنكًا تجاريًا مملوكًا للقطاع الخاص.
وفي بيان كانت قد نشرته الوزارة الأميركية في ذلك الوقت بررت هذه الخطوة باعتماد الحوثيين على هذا البنك "للوصول إلى النظام المالي الدولي وتمويل هجماتهم المزعزعة للاستقرار في المنطقة"، مضيفة أن "الولايات المتحدة ملتزمة بتعطيل هذه القنوات غير المشروعة".
ثم أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة في آذار/ مارس 2025 شملت ثمانية من كبار القادة الحوثيين في اليمن بتهم تتعلق باستيراد الأسلحة وإرسال مدنيين يمنيين للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، من بينهم محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين المقيم في عُمان، ومهدي محمد حسين المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحركة.
وفي الثاني من نيسان/ أبريل الماضي قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان للمتحدثة باسم الوزارة تامي بروس إن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على ميسرين ماليين، وعاملين في مجال التوريد، وشركات تعمل ضمن شبكة دولية للتمويل غير المشروع تدعم الحوثيين، هذا بخلاف ثماني محافظ أصول رقمية قالت واشنطن إن الحوثيين يستخدمونها لنقل الأموال المرتبطة بأنشطة الجماعة.
ليبيا.. لوكيربي وأخواتها
فرضت الولايات المتحدة عقوبات رادعة عل ليبيا بسبب تفجير طائرة الركاب التابعة لشركة طيران "بان أميركان" أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي في اسكتلندا عام 1988، وأسفرت عن مقتل ركابها البالغ عددهم 243 راكبًا، واستمرت تلك العقوبات التي شملت تجميد أصول وحظر طيران وحظر استيراد النفط حتى عام 2003.
وبعد اندلاع الثورة الليبية في 2011 أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على ليبيا في آذار/مارس من نفس العام ردًّا على استخدام قوات القذافي القوة ضد المدنيين، وشملت تلك العقوبات حظر الأسلحة وتجميد الأصول المستهدفة وحظر السفر، والتدابير المتعلقة بمحاولات تصدير النفط بشكل غير مشروع.
وفي حزيران/يونيو من العام ذاته أدرجت الولايات المتحدة تسع شركات ليبية على اللائحة السوداء، على اعتبار أنها تتبع لملكية الحكومة الليبية التي تواجه ثورة شعبية ضد نظام القذافي، وتضمنت تلك العقوبات حظر التعاملات الأميركية مع الشركات التسع، ومن بينها البنك العربي التركي وبنك شمال أفريقيا الدولي في تونس والبنك التجاري لشمال أفريقيا في لبنان، وشركات تابعة لهيئة الاستثمار الليبية التي أنشئت عام 2006 لإدارة عوائد النفط.
كما فرضت الخزانة الأميركية في 6 آب/ اغسطس 2020 عقوبات مالية على عدد من الأفراد بدعوى إسهامهم في عدم الاستقرار في ليبيا من بينهم فيصل الوادي (وادي)، مشغّل السفينة "مرايا" وشركاؤه مصباح محمد وادي (مصباح) ونور الدين ميلود مصباح (نور الدين)، وشركة الوفاق المحدودة ومقرّها مالطا، فيما صنّف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية السفينة "مرايا" كممتلكات محظورة.
وفي آذار/ مارس 2024 جددت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على بعض الدول منها ليبيا، والتي شملت بحسب بيان صادر عن وزارة خارجيتها حظر التسليح، وتجميد بعض الأموال والأصول التي تعود للدولة الليبية، وحظر السفر لبعض الشخصيات.
السودان.. الإدراج على قوائم رعاية الإرهاب
يُعد السودان أحد أكثر بلدان المنطقة تعرضًا للعقوبات الأميركية، تلك العقوبات الممتدة منذ عام 1988 حين فٌرضت عليه سلسلة مطولة من العقوبات بسبب تخلفه عن سداد الديون، وصولًا إلى إدراجه على قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، وهو ما كان له صداه العكسي في إفقار واحدة من أكثر دول العالم امتلاكًا للثروات الطبيعية.
عقب استضافة الخرطوم لزعيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1991 أدرجتها واشنطن على "قوائم الإرهاب" عام 1993، ما دفع بن لادن حينها لمغادرة البلاد تحت وطأة الضغوط الأميركية المفروضة عليها، وفي الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1997 فرضت الإدارة الأميركية بقرار رسمي من الرئيس – آنذاك- بيل كلينتون عقوبات مالية وتجارية، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية له، وألزمت الشركات الأميركية، والمواطنين الأميركيين، بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع هذا البلد.
تجاوزت العقوبات الأميركية حاجز الاقتصاد وفقط، بل تمادت حتى الاستهداف العسكري، ففي 20 آب/ أغسطس 1998 قصف سلاح الجو الأميركي مصنع للأدوية في العاصمة، مملوك لرجل أعمال سوداني، بحجة تصنيعه أسلحة كيميائية، تبعه سلسلة من الاستهدافات الاقتصادية الأخرى.
وبعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 أبرمت الخرطوم اتفاقًا مع واشنطن للتعاون في "محاربة الإرهاب"، لكنه الاتفاق الذي لم يتخطى مساحة الورق المكتوب عليه، إذ أعقبه مباشرة موجة من العقوبات الأميركية من خلال تشريعات أصدرها الكونغرس أبرزها "قانون سلام السودان" الصادر عام 2002 والذي وربط العقوبات الأميركية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وفي عام 2006 فرض الكونغرس الأميركي عقوبات ضد "الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية"، فيما حظر الرئيس الأميركي وقتها، جورج بوش الابن، ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودانيين، شملت 133 شركة وثلاثة أفراد، زاعمًا أن سياسات حكومة السودان تهدد أمن وسلام وسياسة الولايات المتحدة، خاصة سياسة السودان في مجال النفط.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2012 جدد الرئيس باراك أوباما العقوبات الأميركية المفروضة على السودان، إلا أنه أعلن تخفيفها نسبيًا في 17 شباط/ فبراير 2015 بما يسمح للشركات الأميركية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية، وبرمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالإنترنت والولوج لشبكات التواصل الاجتماعي، لكن سرعان ما مددها مجددًا لمدة عام أخر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
ورفع البيت الأبيض بشكل جزئي العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم في 13 كانون الثاني/ يناير 2017، مبررًا ذلك بأنه نتيجة للتقدم الذي أحرزه السودان في مجال "مكافحة الإرهاب"، لكن رغم ذلك أبقت الإدارة الأميركية السودان على لائحة "الدول الداعمة للإرهاب" بما يعني استمرارية العقوبات.
إيران.. تقويض البرنامج النووي
تُعد إيران من أكثر دول المنطقة استهدافًا بالعقوبات الأميركية، والتي تنوعت ما بين اقتصادية وعلمية وعسكرية وسياسية، كان لها تأثيرها الواضح في فرض حالة من العزلة على الجمهورية الإسلامية، ولم تكتف واشنطن بفرض العقوبات بشكل شخصي بل لعبت دورًا كبيرًا في تجييش المنظمات الأممية، مجلس الأمن والأمم المتحدة، لتوقيع أكبر قدر ممكن من العقوبات على طهران.
كانت البداية في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 حين فرضت واشنطن عقوبات على طهران بموجب القرار التنفيذي رقم 12170 والقاضي بتجميد ما يقرب من 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية، منها ودائع بنكية وذهب وعدة ممتلكات أخرى، بسبب استيلاء مجموعة من الطلاب "الراديكاليين" على السفارة الأميركية في طهران واتخذوا من فيها رهائن.
واستمرت تلك العقوبات التي كانت تعتبر قاسية في ذلك الوقت حتى كانون الثاني/يناير 1981 حيث رفعتها الولايات المتحدة بعد التوقيع على اتفاقية الجزائر التي ساومت فيها أميركا على تحرير الرهائن مقابل العقوبات، وقبل رفعها بعام واحد فقط وتزامنا مع احتدام الحرب مع العراق التي اندلعت في أيلول/سبتمبر 1980 حظرت الولايات المتحدة بيع الأسلحة لإيران.
ثم فٌرض على طهران عقوبات ثانية في عهد الرئيس رونالد ريغان عام 1987، وبعد الإعلان عن البرنامج النووي الإيراني عام 1995 فضلًا عن دعم حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أصدر الرئيس الأميركي وقتها بيل كلينتون أمرًا تنفيذيًا في آذار/مارس من نفس العام تضمن حظر الاستثمارات الأميركية في قطاع الطاقة الإيراني، تلاه أمر تنفيذ ثاني حمل رقم 12959 في 6 آيار/ مايو 1995 حظر التجارة مع إيران والاستثمارات الأميركية على أرضها.
أما الموجة الثالثة من العقوبات ففٌرضت في كانون الأول/ديسمبر 2006 بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1737 ، ويتحفيز أميركي مباشر، وذلك بعد أن رفضت إيران أن تمتثل لقرار المجلس رقم 1696 الذي طالبها بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم، حيث استهدفت الولايات المتحدة استثمارات النفط والغاز والبتروكيمياويات، وصادرات منتجات النفط المكرر، وصفقات العمل مع الحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى فرض قيود على المعاملات البنكية والتأمينات (بما يشمل البنك المركزي الإيراني)، والشحن، وخدمات استضافة مواقع الويب للأغراض التجارية، وخدمات تسجيل اسم النطاق. مددت قرارات المجلس اللاحقة تلك العقوبات.
وفي 31 تموز/ يوليو 2013 صوت أعضاء مجلس النواب الأميركي لصالح تشديد العقوبات على إيران بواقع 400 صوت مع في مقابل 20 صوت ضد، غير أنه في 2 نيسان/ أبريل 2015، توصلت مجموعة 5+1 إلى اتفاق مبدئي مع إيران يتضمن رفع العقوبات المفروضة عليها مقابل فرض قيود على البرنامج النووي في غضون عشرة سنوات، وبالفعل اُعتمدت الاتفاقية المعروفة إعلاميًا بخطة العمل الشاملة المشتركة في 18 تشرين أول/ أكتوبر 2015. ونتيجة لذلك رُفعت عقوبات الأمم المتحدة عن إيران في 16 كانون الثاني/ يناير 2016.
لكن سرعان ما تبدل الحال بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران في الثامن من آيار/مايو 2018، وفي أيلول/ سبتمبر 2019 أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها فرض عقوبات على أي دولة تتعامل مع إيران أو تشتري منها نفطًا، وذلك بعدما أثير عن نية بعض الدول الأوروبية الالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران.
وفي شباط/فبراير 2020 وُضعت إيران على القائمة السوداء الخاصة بمجموعة العمل المالي، وفي آب/أغسطس من نفس العام حاولت إدارة ترامب تمديد حظر بيع الأسلحة لإيران ولكن بلا جدوى، ما دفع واشنطن لفرض بعض العقوبات الجزائية المنصوص عليها في الاتفاق النووي بشكل منفرد رغم انسحابها منه في 2018.
تُعد إيران من أكثر دول المنطقة استهدافًا بالعقوبات الأميركية، والتي تنوعت ما بين اقتصادية وعلمية وعسكرية وسياسية
تركيا.. عقاب التناغم مع الروس
حاولت الولايات المتحدة من خلال سلاح العقوبات الضغط على أنقرة بسبب علاقاتها المتنامية مع موسكو، وهي العلاقة التي ارتأت فيها واشنطن تهديدًا مباشرًا لمصالحها وتقويضًا لجهودها الضاغطة على روسيا لتقزيم دورها ونفوذها الإقليمي والدولي.
ففي عام 1975 حظرت الولايات المتحدة توريد السلاح لتركيا بسبب الغزو التركي لقبرص عام 1974 ما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين، فيما تراجعت الولايات المتحدة عن هذا القرار تدريجيًا في 1978، ثم عاودت واشنطن فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، عام 2018، بسبب اعتقال القس الأميركي أندرو برونسون، وهو ما أدى حينها إلى تدهور الليرة التركية، تراجع ثقة المستثمرين، ولم تٌرفع تلك العقوبات إلا بعد إطلاق سراحه .
كما علقت الولايات المتحدة في 2019 بيع الأسلحة من طراز طائرات (F-35) ، ردًا على شراء تركيا منظومة الدفاع الروسية S-400 وهي العقوبات التي لا تزال سارية إلى حد ما حتى اليوم، ولذات السبب فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة بموجب قانون "CAATSA" على هيئة الصناعات الدفاعية التركية ومسؤوليها في عام 2020.
وبسبب الاتهامات التي وجهتها الولايات المتحدة لتركيا بمساعدة روسيا في تجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليها فرضت واشنطن قيودًا تجارية ومالية محدودة على البنوك التركية عام 2023، ما اعتبر حينها نوعًا من الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الولايات المتحدة على أنقرة بسبب علاقتها بموسكو.