09-أكتوبر-2020

عقوبات أمريكية قد تفاقهم الأزمة الاقتصادية الحادة في إيران (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات جديدة على الحكومة الإيرانية استهدفت بموجبها القطاع المالي للبلاد، متحديةً بذلك حلفاءها الأوروبيين الذين حذروا الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض من أن مثل هذه الخطوة الأحادية قد يكون لها أثار سلبية داخل إيران التي تعاني من تداعيات فيروس كورونا الجديد، مصحوبة بانهيار قياسي لسعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار في السوق الموازية بفقدانها ما يزيد عن 50 بالمائة من قيمتها منذ مطلع العام الجاري.

فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات جديدة على الحكومة الإيرانية استهدفت بموجبها القطاع المالي للبلاد، متحديةً بذلك حلفاءها الأوروبيين

وفي تحد للموقف الأوروبي الرافض لسياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها إدارة ترامب اتجاه إيران بشكل أحادي، قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين إن المصارف الـ18 المدرجة ضمن لائحة العقوبات الأخيرة تعكس التزام واشنطن "بوقف الوصول غير المشروع إلى الدولار الأمريكي"، لافتًا إلى أن الإجراءات الأخيرة "ستستمر في السماح للمعاملات الإنسانية لدعم الشعب الإيراني"، ومشددًا كذلك على أن العقوبات الأمريكية "ستستمر إلى أن تتوقف إيران عن دعم النشاطات الإرهابية وتضع حدًا لبرامجها النووية".

اقرأ/ي أيضًا: بعد رفض القرار أمميًا.. ترامب سيصدر عقوبات ضد من يخرقون حظر الأسلحة على طهران

من جهته اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الإجراءات الأمريكية الأخيرة بأنها محاولة من إدارة ترامب لـ"تدمير القنوات (المالية) المتبقية لنا (الإيرانيين) لتسديد ثمن الغذاء والدواء"، وذلك في خضم مكافحتها لتداعيات فيروس كورونا، واصفًا العقوبات بأنها "مؤامرة" هدفها "تجويع مجتمع بأكمله"، وأنها "جريمة ضد الانسانية"، قبل أن يضيف مهددًا بأن "الذين جمدوا أرصدتنا، سيواجهون العدالة".

وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل قد أوضح في كلمة أمام البرلمان الأوروبي بأن خروج واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني بإعادة فرض عقوبات مشددة على طهران، قد ساهم بانخفاض النائج المحلي بنسبة 8,5 بالمائة في العام الماضي، وسط توقعات بارتفاع النسبة إلى 10 بالمائة بحلول نهاية العام الجاري، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة إلى 16 بالمائة العام الماضي، وفقدان العملة المحلية الريال الإيراني 50 بالمائة من قيمتها خلال العام الجاري.

ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية فإن المصارف التي استهدفت في العقوبات الأخيرة، جاءت مدفوعةً بضغط فعّال من المسؤولين الإسرائيليين، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي منظمة حقوقية أمريكية غير ربحية متشددة تطالب بتغيير النظام الإيراني القائم، وبحسب العضو في المؤسسة بهنام بن طالب فإن الهدف من العقوبات قطع "نقاط الاتصال العديدة بين القطاع المالي الإيراني والنظام المالي الدولي"، وللتأكيد على وجود "أهداف يمكن ضربها، لزيادة الضغط الاقتصادي على طهران".

وفي إشارة على عدم وجود أي إمكانية للتواصل لتوافق بين إدارة ترامب والدول الأوروبية، جدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تأكيده على استمرار البيت الأبيض بـ"حملة الضغوط الاقتصادية القصوى" التي تنتهجها ضد إيران، طالما أنها "لا توافق على إتمام مفاوضات تعالج السلوك الضار للنظام"، لافتًا إلى أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ في غضون 45 يومًا.

وبحسب واشنطن بوست فإن إجراءات إدارة ترامب الأخيرة من المتوقع أن تمنحه دفعة كبيرة قبل انتخابات الرئاسة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وتشير الصحيفة في معرض تعليقها على الإجراءات الأخيرة إلى أنه في الوقت التي نجحت إدارة ترامب في إنهاك وتدمير الاقتصاد الإيراني، فإن إيران في المقابل فشلت في تحسين سلوكها أو حتى الحد من برنامج النووي الذي استمرت في تطويره.

وبدأت طهران بخرق بنود الاتفاق النووي الإيراني منذ أيار/مايو 2018، بعدما أعلنت إدارة ترامب انسحابها أحاديًا من الاتفاق الموقع مع الدول الست، ووفقًا لوكالة الطاقة الذرية فإن طهران أصبحت تمتلك ما يقدر بـ10 أضعاف الكمية من اليورانيوم المخصب المحدد لها امتلاكها ضمن الاتفاق النووي، كما أن الجماعات المسلحة المنضوية ضمن منظومة الحشد الشعبي العراقي الموالية لطهران صعّدت في الآونة الأخيرة من هجماتها الصاروخية ضد القواعد العسكرية التي تضم القوات الأمريكية.

وفيما يبدو أنه رد على العقوبات الأمريكية الأخيرة، وإشارة غير مباشرة على توجه طهران لعقد صفقات تجارية مع بكين، كشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة عن أن ظريف سيقوم بزيارة إلى بكين اليوم الجمعة يلتقي خلالها عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، من المتوقع أن تتضمن بحث العلاقات الثنائية وأحدث التطورات الإقليمية والدولية بين البلدين.

إلى ذلك، وكما كان متوقعًا قوبلت الإجراءات الأمريكية الأخيرة اتجاه إيران بانتقادات أوروبية لما يُتوقع منها منع طهران من الحصول على الأغذية والأدوية بشكل رئيسي، حيثُ أعرب مسؤول أوروبي كبير عن وجود قلق ومخاوف لدى دول فرنسا وبريطانيا وألمانيا من أن تؤدي العقوبات الجديدة التي تجمد الأصول المالية الإيرانية في الخارج إلى تفاقم في أزمة نقص سيولة العملة الأجنبية التي تعتمد عليها طهران في استيراد المواد الأساسية من الدول الأخرى، في ظل تقارير تتحدث عن استيراد طهران للمواد الطبية والحبوب بقيمة 3.5 مليار دولار العام الماضي.

وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن التقديرات تتحدث عن وجود ما يزيد عن مائة مليار دولار متواجدة في مصارف عالمية لصالح المصرف المركزي الإيراني، من بينها خمسة مليارات دولار في العراق، وثمانية مليارات أخرى في كوريا الجنوبية، و20 مليار دولار لدى اليابان، والتي كشف عنها محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي بقوله مؤخرًا: "في الوقت الراهن فإن عشرات المليارات من الدولارات من احتياطيات البنك المركزي (الإيراني) مجمدة في دول بسبب الخوف من الجرائم الأمريكية".

وتأتي العقوبات الأمريكية الأخيرة في إطار الأمر التنفيذي رقم 13902 الذي وقعه ترامب في كانون الثاني/يناير 2020، ويهدف من خلاله لفرض المزيد من الضغوطات على الحكومة الإيرانية لدفعها للعودة إلى طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة، وذلك من خلال استهداف قطاعات التعدين والبناء والصناعات الأخرى، إضافة للقطاعين المالي والعسكري، مما أثر على حركة التحويلات المالية بالدولار من وإلى داخل إيران.

كما كان متوقعًا قوبلت الإجراءات الأمريكية الأخيرة اتجاه إيران بانتقادات أوروبية لما يُتوقع منها منع طهران من الحصول على الأغذية والأدوية بشكل رئيسي

وكانت إدارة ترامب قد أعلنت تمديدها العقوبات الأممية المفروضة على طهران بشأن حظر مبيعات وشراء الأسلحة الشهر الماضي، محذرةً من استعدادها "لاستخدام سلطاتها الداخلية لفرض عواقب على هذه الإخفاقات وضمان أن لا تجني إيران مكاسب حظر الأمم المتحدة لهذا التحرك"، مشيرةً إلى أن تفعيلها لبند العودة إلى الحالة الأصلية يعيد فرض جميع العقوبات تقريبًا على إيران، بما فيها تلك التي سبق أن أبطلتها الأمم المتحدة وضمنها حظر الأسلحة.