24-يوليو-2016

من برشلونة "قاطعوا إسرائيل" (الأناضول)

لم يعد مستوى الحديث عن كيفية التعاطي مع وجود دولة إسرائيل فوق أرض فلسطين شاغلًا للسواد الأكبر من الأوساط الرسمية العربية، على الأقل منذ أن طويت صفحة المقاطعة لتفسح المتسع لصفحة أخرى سمتها التطبيع الرسمي وافتتاح سفارات وقنصليات ومكاتب تمثيل إسرائيلية في عديد من العواصم العربية، ابتدأت منذ كامب ديفيد مع أنور السادات وقبله تمهيدًا ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية المرحلي "النقاط العشر"، غير المعفي من التمهيد للقبول العربي الرسمي بدولة إسرائيلية فوق 78% من أرض فلسطين الانتدابية وبعض مما جاورها من أراض سورية ولبنانية شمالًا وبعض الجزر السعودية إلى الجنوب.

 التعرض لشأن التطبيع يأتي بسبب وفد سعودي، لا يمكن اعتباره إلا رسميًا، وحلوله على الضيافة الدبلوماسية والبرلمانية الإسرائيلية بقيادة اللواء السعودي السابق أنور عشقي ولفيف من الأكاديميين ورجال الأعمال والمخابرات السعودية، طبعًا على الرغم من شعار أن "قانون المملكة يجرد كل زائر سعودي لإسرائيل من جنسيته" فهؤلاء الزوار في تل أبيب بالأصالة عن الرياض لا عن أنفسهم، وما هم إلا مترجمون لحديث تركي الفيصل الأخير عن أمنياته بالصلاة في مسرى النبي العربي بعد إعادة المبادرة العربية إلى مسارها!

لا يمكن أخذ سياقات الزيارة السعودية، ومن قبلها المصرية، لتل أبيب إلا ضمن مفاعيل تجذير التطبيع مع إسرائيل وتوسيع دائرته

اقرأ/ي أيضًا: كيف يساهم "مناهضو التطبيع" في تفتيت الإجماع ضده؟

حل الوفد السعودي بتل أبيب انطلاقًا من نوافذ عدة وباب واحد لا يحيد عن عنوان تجذير التطبيع أكثر، إحداها إعادة ترويج المبادرة العربية للسلام، أي مشروع "حل" المسألة الفلسطينية وفق مشروع مقترح منذ القمة العربية في بيروت 2002، إيمانًا بإمكانية "إحياء العظام وهي رميم". كما لا يخفى أن نافذة أخرى من نوافذ الزيارة تدور حول السعي وراء أحد أهم وأقدم المفاتيح الإقليمية، أي المسألة الفلسطينية، بخاصة بعد الملاحظة السعودية لمآلات فشل الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته المنتخبة وترسيخ شرعيتهما بقرار من المعارضة قبل الموالاة انتصارًا للدولة التركية لا لمن يديرها بالضرورة، وبعد الصلح الروسي التركي والإسرائيلي التركي مؤخرًا، تنبهت الممكلة أن شيئًا يجب القيام به، وعدم الاكتفاء بتهدئة الأجواء مع المنافس الإقليمي التركي، وإشعالها في تصعيد التقاذف مع ايران على قاعدة أن العدو "إيران وليس إسرائيل"، المسألة التي يفترض أن يقع القرار في تحديد أولوية العداء ضمنها لمصالح شعوب المنطقة، والسعودي من ضمنها، فمن المستحيل أن يكون التصدي للأدوار السلبية والعدائية الإيرانية في مواضع تدخلها العديدة والعميقة في الأقطار العربية ودورها المكمل للدور السعودي الأصيل في التحشيد الطائفي وتوظيفه السياسي بمزيد من التقارب، بل التطبيع، مع إسرائيل.

ليس من المستعجب أن تتلقف إسرائيل فرصة مماثلة، أي زيارة علنية سعودية إلى تل أبيب، ما السيناريو الأفضل الذي ينتظره بنيامين نتنياهو كي يكرر القول أنه مستعد لمد الأيدي لكل الأصدقاء في سبيل مكافحة الإرهاب. وبالحديث عن الإرهاب يتسع التأويل، ويمسي من المفهوم كيف تستطيع الماكينة الإعلامية الإسرائيلية وضع الداعشي والفلسطيني في سلة الخطر عينه على موائد المتلقي الغربي ما دام المبرر العربي متاحًا بالمجان. ما يؤشر على أبعاد تصريحات النواب الإسرائيليين الذين أعربوا عن رغبتهم بتلقي دعوة مماثلة إلى الرياض، بالتأكيد الأمر لا يتعلق بالسياسات الإقليمية فقط أو الدبلوماسية الثنائية، بل مؤشرات بورصة تل أبيب وميزانية الجيش الإسرائيلي تطلب ذلك أيضًا، خاصة في الحين الذي تستثمر السعودية ملايين الدولارات في مشاريع أمنية وزراعية تكنولوجية تنفذ على أراضيها إما عبر شركات أمن واستشارات إسرائيلية أو يديرها خبراء عسكريون متقاعدون من جيش الاحتلال.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. التطبيع مع إسرائيل في "برلمان الغبرة"

لكن الدبلوماسية الإسرائيلية لم توفر فرصة تطعيم الجولة بمزيد من التعالي العنصري والاحتقار للعرب قاطبة، ربما تأسيسًا على لاوعي "إن نفعت الذكرى"، فكانت إحدى ثنايا بروتوكول الزيارة تتوقف عند لقاء الإعلامي وعضو الكنيست الإسرائيلي يئير لبيد، الوريث العلني لكره العرب، بل حتى واليهود العرب وكل ما هو "شرقي" عن والده طومي لبيد الإعلامي والبرلماني السابق أيضًا، الذي حقق شهرة واسعة عبر مسيرته في المجال العام في تطرفه وعنصريته لصالح "أشكنازيته"، لكن كل هذا الإرث لم يمنع لبيد الابن من إبداء الإعجاب من فصاحة عشقي العبرية، فها هو أحد الأغيار ينطق بلسان عبري فصيح في حضرة لبيد. هنا يفسح المجال لبعض الترف والتمارين السوسيولوجية عندما يحضر الإلحاح المفاهيمي لمصفوفة القهر والسيطرة ضمن الجبهة الثقافية.

رجعة إلى المفهوم

يمكن تعريف التطبيع لناحية الدبلوماسية على أنه عودة العلاقات في مختلف القطاعات بين دولتين كانتا قبل ذلك في حالة حرب أو عداء أو انقطاع للعلاقات بينهما، أو لم تتمتعا بأية علاقة من قبل. أما فلسطينيًا فمهما اتسع الاجتهاد يبقى ضمن جدران حقيقة أن التطبيع مع إسرائيل، العربي تحديدًا، ما هو إلا مكافأة الجلاد ومصافحة السجان، بل وشرعنة لتقتيل فلسطين والفلسطينيين.

لا يكون التصدي للتخريب الإيراني الإقليمي بالتقارب مع إسرائيل

هذا ما حاد عنه موقف قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، بشكل أساسي تصريحات جبريل الرجوب، التي على عادتها أمام زيارات مماثلة، تستكفي بالتأكيد على أن زيارة السجين لا تشكل اعترافًا بالسجان أو أن ظروف الفلسطينيين خاصة ويجب مراعاتها من طرف الإخوة العرب، لكن ماذا لو كانت الزيارة أساسًا للسجان وبدعوة منه، وربما يلقي المدعو بطرف عين أثناء مروره على السجين وربما لا، اقتداء بما قام به قبل أسابيع وزير الخارجية المصرية سامح شكري الذي شكلت زيارته عتبة لمزيد من التلاصق السعودي الإسرائيلي عبر بوابة وساطة الانقلاب العسكري في القاهرة.

اقرأ/ي أيضًا: 

تونس.. جدل تجريم التطبيع يتجدد

طرد عكاشة من البرلمان وألعاب مقاومة التطبيع

مباراة السعودية فلسطين.. بين رفض التطبيع ورعايته