21-أغسطس-2015

حزب الله الحكومي مجرد مراقب هادئ للأزمات الإجتماعية (محمود زيات/ Getty)

عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط/ فبراير عام 2005، ونتيجة الواقع السياسي الجديد الذي فرضه هذا الاغتيال على المستوى الداخلي والخارجي، قرر حزب الله الدخول الفعلي إلى الحياة السياسية اللبنانية عبر مشاركته الرسمية في الحكومات المتعاقبة. هذا الدخول انطلق من ضرورة سد الفراغ الكبير الناجم عن الخروج السوري من لبنان، إضافة إلى عوامل متعددة ترتكز بشكل أساسي، وربما مطلق، إلى خلفيات وجودية واستراتيجية تحتم ضرورة المشاركة العملية في صناعة القرار.

يتأهب حزب الله لحظة الإعداد للبيان الوزاري وكل ما دون ذلك تفاصيل لا تستحق التوقف

عشر سنوات مرّت على مشاركة حزب الله في كل الحكومات المتعاقبة، عشر سنوات لم يقدّم خلالها الحزب أي مشروع حيوي لتحسين أي قطاع معيشي أو اقتصادي أو تربوي، أو أي قطاع أخر يعني المواطن اللبناني مباشرةً. كل تحركاته المؤثرة والفاعلة داخل الحكومة كانت تتعلق حصرًا بالملفات السياسية، من الاعتكاف إلى الاستقالة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة على خلفية ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مرورًا بالاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري على خلفية ملف شهود الزور، وصولًا إلى الدور الفاعل في تسمية الرئيس نجيب ميقاتي والدخول معه في حكومة "قضم الأصابع" على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

يتأهب حزب الله لحظة الإعداد للبيان الوزاري، كل ما يعنيه هي المعادلة "الذهبية" التي تشرّع عمل المقاومة وتؤمن لها الغطاء السياسي، وما دون ذلك تفاصيلٌ لا تستحق التوقف. بعد تمرير البيان مرفقًا بالمعادلة إياها، يدخل حزب الله ووزارئه في سباتٍ عميق، لا تُحركه سلسلة الرتب والرواتب، قامت قيامة النقابي حنّا غريب، لكن صوت الحزب صاحب القاعدة الشعبية الفقيرة، بقي خافتًا. مُنحت إفادات نجاح لجميع المتقدمين لنيل شهادات رسمية والحزب غائب. لا يكترث لأزمة الكهرباء ولا الماء ولا النفايات، دائمًا موقفه هو الصمت، أو المواقف المحايدة. ولا تعنيه الحالة المزرية للطرقات والمستشفيات والإدارات ومؤسسات الدولة، هو يتحرك فقط حينما يتعلق الأمر بمصالحه السياسية المباشرة، هذا ما أثبتته كل الوقائع. وإلا، أين المشاريع الكبرى المتوقعة من حزبٍ بوزن حزب الله، أحد أقوى أحزاب المنطقة، لا لبنان وحده؟

في السابع من أيار/مايو عام 2008 أدخل البلد برمته في جو من الحرب الأهلية على خلفية قرار حكومي بتوقيف شبكة اتصالاته. الوزير حسين الحاج حسن قام ببعض الإصلاحات في القطاع الزراعي، لكنها إصلاحات على الطريقة اللبنانية، تجاوزها لاحقًا وزراء آخرين، كوزير الصحة الاشتراكي، وائل أبو فاعور، الذي خلق موجة إعلامية حوله في وقت كانت جمهورية وليد "بك" جنبلاط تتعرض للمناوشات على أكثر من جبهة.

بناءً على ما تقدم، يتساءل الجميع عفويًا "لماذا لا يتحرك حزب الله من أجل الناس ومصالحهم، بينما يعارك ويصارع وينتصر حين يتعلق الأمر بمصالحه السياسية والاستراتيجية؟"، بالأمس القريب تعالت أصوات مماثلة داخل البيئة الحاضنة لحزب الله في غير مكان، لا سيّما عبر منصات التواصل الاجتماعي. البعض راح يتساءل "ألا يُمكننا أن نقاوم ونحن نتنعم بالكهرباء والماء والنظافة؟ لماذا لا يُقدم حزب الله مشروعًا تنمويًا ويقاتل من أجله حتى النهاية؟"، ليس على نمط ما عممته ثقافة سوق أوسلو والمنظمات غير الحكومية في الضفة الغربية المحتلة، بل من نقطة تعليل لماذا لا يُقدم حزب الله خططًا جدية ومشاريع مبتكرة لمعالجة أزمة الكهرباء والماء والنفايات وغيرها من الأزمات المزمنة؟ لماذا لا ينتفض حزب الله من أجل الناس؟
أهمية هذه الأسئلة أنها محقة، وأنها تنطلق من معرفة الناس، كل الناس، بالقدرات الهائلة لحزب الله في شتى الميادين، فعقب انتهاء حرب تموز/يوليو 2006، حين أظهر الحزب قدرات استثنائية في مشاريع إعادة الإعمار عبر مؤسسة "جهاد البناء" التي قدمت نموذجًا يُدرّس على الصعد كافة، هذا ناهيك عن نجاحات مُذهلة في ميادين مُعقّدة وحساسة وفي أصعب الظروف على الإطلاق.

بعد انتهاء حرب تموز عام 2006 أظهر حزب الله قدرات استثنائية في مشاريع إعادة الإعمار عبر مؤسسة "جهاد البناء"

في تحليل هذه المشهدية تحضر روايتان. الأولى تتحدث عن مشروع حزب الله العابر للحدود اللبنانية والمرتبط بالنفوذ الناعم لإيران في المنطقة، وبالتالي لا يشعر الحزب بضرورة التحرك الفاعل إلا حينما يرتبط هذا التحرك بتطورات ومتحركات دولية أو إقليمية أو محلية تصب في خانة استهداف هذا المشروع، بينما تقارب الرواية الأخرى هذا الابتعاد انطلاقًا من حساسيات وتوازنات دقيقة تحكم الحياة السياسية في لبنان، معتبرين بأن دخول حزب الله على هذا الخط دونه عقبات وخيمة مع الحلفاء قبل الخصوم لا سيّما على صعيد العلاقة الحساسة بالرئيس نبيه بري.

الأداء الحكومي.. صِفر مكعّب

إن أي مقاربة علمية ودقيقة لنشاط حزب الله الوزاري منذ دخوله الأول في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005 وحتى الحكومة الحالية، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك بأن الحزب ركز طوال عقد كامل على الجانب السياسي وأغفل الجوانب الأخرى. فعلى مدى عشر سنوات استلم الحزب حقائب العمل والزراعة والصناعة والطاقة ولم يُقدم عبرها أي بصمة إصلاحية تّذكر. كان الأمر، ولا يزال، أشبه بتسليم وتسلّم... لا أكثر ولا أقل.

في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأولى عام 2005، حمل الوزير طراد حمادة حقيبتي العمل والزراعة. بطبيعة الحال، عمر هذه الحكومة كان قصيرًا جدًا، وعملها اقتصر على تنظيم الانتخابات النيابية. مع انتهاء الانتخابات وتشكّل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام نفسه، حمل حزب الله حقيبتين وزاريتين مجددًا، "العمل" للوزير طراد حمادة و"الطاقة والمياه" للوزير محمد فنيش. من حيث الشكل، بدا واضحًا، توجه حزب الله إلى التمثّل بشخصيات سياسية بحتة، لا تكنوقراطية، على غرار السائد لبنانيًا في هذا الإطار، يمكن هنا فهم منطلقاته استنادًا إلى الحالة السياسية العامة آنذاك والتي كانت تفرض حضورًا من هذا النوع.

بعد بحث دقيق، يتبيّن بأن الوزيرين طراد حمادة ومحمد فنيش لم يقاربا، بأي شكل من الأشكال، أي موضوع غير سياسي، في الفترة الممتدة من تأسيس حكومة الرئيس السنيورة عام 2005 مرورًا بالاعتكاف وصولًا إلى الاستقالة. بعد اتفاق الدوحة، عاد حزب الله إلى المشاركة في الحكومة الجديدة للرئيس فؤاد السنيورة بحقيبة "العمل" التي تسلمها الوزير محمد فنيش هذه المرة. عمر هذه الحكومة كان قصيرًا، أيضًا، وتركزت مهمتها على تحضير وإنجاز انتخابات العام 2009، وبالتالي لا حاجة للتوقف عند تجربة الوزير محمد فنيش في وزارة العمل. وطبعًا، لا شيء يذكر.

تجربة الحاج حسن

الموقف الأبرز لوزير حزب الله هو عزوفه عن إطلاق يوم النبيذ اللبناني في فرنسا لأسباب دينية

بعد انجاز الانتخابات النيابية وتسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة عام 2009، أعاد حزب الله تسمية الوزير محمد فنيش لتسلّم وزارة دولة فيما كانت المفارقة في تسمية الوزير حسين الحاج حسن لتسلم وزارة الزراعة، الأمر الذي أعطى أشارة واضحة عن رغبة الحزب في محاكاة هموم الناس والانتقال من المشاركة السياسية فقط إلى مشاركة في معالجة الهموم الحياتية والمعيشية التي تلامس الجميع بدون استثناء.

تسمية الحاج حسن حملت أكثر من رسالة، في الشكل، يمكن تصنيف الرجل حينها في خانة الـ "تكنوقراط". وفي المضمون: حسين الحاج حسن شخصية عصامية كادحة أتت من بيت متواضع، ومن منطقة البقاع الشمالي التي تعاني حرمانًا وإهمالًا مزمنًا، من قبل الدولة اللبنانية ولا سيّما تجاه القطاع الزراعي الذي يُعد المورد الأساسي، وربما الوحيد، لآلاف البيوتات والعوائل.

على الرغم من هذه المعطيات، فإن التجربة العملية للوزير حسين الحاج حسن في وزارة الزراعة لم تكن لامعة. ربما ساهم الرجل بشكل كبير في تغيير صورة وزراء حزب الله، لكنه لم يترك أي بصمة تذكر في وزارة الزراعة التي حملها في حكومة الرئيس سعد الحريري، ثم في حكومة الرئيس ميقاتي. يمكننا هنا أن نراجع تجربة الوزير وائل أبو فاعور ومحمد جواد خليفة في وزارة الصحة وأيضًا، تجربة علي حسن خليل في وزارة المالية، يمكننا أن نتوقف عند تجربة جبران باسيل في وزارتي الاتصالات والطاقة. جميعهم، حتى الأخير، تركوا بصمة واضحة، بغض النظر عن طبيعة البصمة وتقييمها على مستوى الإيجابيات والسلبيات. حسين الحاج حسن كان نظيفًا، لكنه تسلّم وزارة الزراعة وسلمها بلا ضجيج.

ولا بأس من العودة إلى برنامج العمل الخاص بـ"استراتيجية النهوض بالقطاع الزراعي" من العام 2010 وحتى العام 2014، وهي الفترة التي تولى فيها الحاج حسن مسؤولية وزارة الزراعة، ليتبيّن بأن غالبية ما ورد في هذه الاستراتيجية بقي حبرًا على ورق. ربما، والحالة هذه، لا يتذكر أحدٌ من اللبنانيين أي تصرف للحاج حسن في وزارة الزراعة، عدا عزوفه الشهير عن المشاركة في إطلاق "يوم النبيذ اللبناني في فرنسا" وذلك لأسباب دينية.


نوع ما من القطيعة

انتقل حزب الله إلى المشاركة في الحكومة الحالية، أي حكومة الرئيس تمام سلام 2014. ترك الوزير حسين الحاج حسن وزارة الزراعة واستلم وزارة الصناعة بناءً على الاتفاق بمداورة الحقائب. اليوم وبعد مرور عام ونيّف على تشكيل الحكومة يبدو حزب الله وكأنه غير موجود وغير معني على الإطلاق بكل ما يحدث. ليس مطلوبًا أن يضارب لبنان على فرنسا في صناعة الطائرات، أو على اليابان في صناعة الإلكترونيات. لكن السؤال الوجودي دائمًا، لماذا يكون الفارق الذي يحدثه حزب الله في السياسة أكبر من وزن الفارق التنموي أو الإداري. 

دخول حسين الحاج حسن إلى السراي شكّل بارقة أمل في البداية. كان الرهان قائمًا على انخراط حزب الله الفاعل في الأزمات غير السياسية. والحزب يحظى بصيتٍ نظيف في هذه المسائل، على خلاف الحلفاء، بدءًا من حركة أمل، وانتهاءً بالتيار الوطني الحرّ أخيرًا. ولكن، وبعد التجربة في ثلاث حكومات متتالية، تبيّن بأن الحاج حسن لم يكن سوى محاولة خجولة للانفتاح على الملفات المعيشية والحياتية.

أخيرًا، تحوّل الحاج حسن إلى "فنيش" آخر. تحوّل معهما حزب الله الحكومي، إلى مجرد مراقب هادئ للأزمات الاجتماعية التي تعصف بلبنان. وحين يُعبّر عن رأيه في أي من الملفات المطروحة يبدو موقفه سياسيًا صرفًا. المجتمع؟ الاقتصاد؟ الفقراء؟ كل هذا مؤجل، بعد تحرير القدس، لكن بعد الانتهاء من معركة الزبداني.