22-فبراير-2023
getty

العلاقات الإسرائيلية مع الخرطوم تشكل نافذة تواصل مع دول أفريقية أخرى (Getty)

تسارعت في الفترة الأخيرة وتيرة النشاط الدبلوماسي بين السودان وإسرائيل، فقد جرت زيارات متبادلة رفيعة المستوى  بين الطرفين، وذلك للمضي قدمًا في مسار التطبيع، والتحاق السودان بركب الدول الموقعة على اتفاقية أبراهام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال إقامة علاقة دبلوماسية كاملة مع دولة الاحتلال.

تسارعت في الفترة الأخيرة وتيرة النشاط الدبلوماسي بين السودان وإسرائيل، فقد جرت زيارات متبادلة رفيعة المستوى  بين الطرفين

وتجري مفاوضات استكمال التطبيع والعلاقات بين السودان ودولة الاحتلال في هذه الفترة، بين وزارة الخارجية الإسرائيلية، والمكون العسكري في السودان، وتحديدًا مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.

وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين زيارةً إلى الخرطوم بداية الشهر الجاري، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان. وأعلن مجلس السيادة بحث الطرفين إرساء علاقات مثمرة، وتعزيز التعاون مع إسرائيل في مجالات الزراعة والطاقة والصحة والمياه والتعليم، مع التركيز على المجالات الأمنية والعسكرية. 

وذكرت تقارير أن نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التقى بالوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم، على الرغم من نفى حميدتي صحة هذه الأنباء، مؤكدًا بأنه لا علم له بالزيارة. 

ويعتبر حميدتي من أبرز المسؤولين السودانيين الداعمين للتطبيع مع دولة الاحتلال. وخطوط الاتصالات بينه وبين الجانب الإسرائيلي بقيت مفتوحة على الدوام، ففي 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن طائرة خاصة هبطت في مطار الخرطوم  في شهر أيار/مايو من العام نفسه، وتعود الطائرة وفقًا للصحيفة الإسرائيلية إلى الضابط السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلي"الموساد" تال ديليان، الذي يمتلك شبكة شركات تكنولوجية، تختص في العمل على تقنيات التجسس. وكُلف طاقم الطائرة بتسليم أجهزة تجسس لقائد قوات الدعم السريع في السودان "حميدتي"، الذي تربطه علاقات وطيدة بجهاز المخابرات الإسرائيلي، الذي التقى بممثلين عنه في الخرطوم، ونقلت الأجهزة إلى دارفور. 

getty

وكان وفد من "الموساد"، زار الخرطوم في حزيران/يونيو 2021، والتقى قائد قوات الدعم السريع، وبعدها بأربعة شهور زار وفد عسكري سوداني مكون من الفريق حميدتي، والفريق ميرغني إدريس سليمان، مدير منظومة الصناعات الدفاعية السودانية، "تل أبيب" سرًا، والتقى بمسؤولين إسرائيليين. 

المضي قدمًا في مسار التطبيع

خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى الخرطوم، اتفق الطرفان على التوقيع الرسمي على اتفاق لتطبيع العلاقات في واشنطن بعد تشكيل حكومة سودانية مدنية خلال العام الجاري، وشدد كوهين خلال لقائه بالبرهان على أن إسرائيل ستساعد السودان بعد التوقيع على الاتفاق في كل المجالات. 

وفي 15 شباط/ فبراير 2023، زار وفد سوداني يتكون من عسكريين ومدنيين، برئاسة مسؤول ملف العلاقات مع إسرائيل اللواء متقاعد مبارك عبد الله بابكر، تل أبيب في زيارة غير معلنة، لمناقشة خطوات استكمال عملية التطبيع، بالإضافة لمباحثات تخص القضايا المتعلقة بالملف الأمني والعسكري.

التطبيع لم يكن وليد اللحظة

الاتصالات السودانية الإسرائيلية لم تكن وليدة لحظة استفراد المكون العسكري بالحكم، عبر الانقلاب العسكري، بل عبر فتح قنوات اتصال بين ضابط المخابرات الإسرائيلي رونين ليفي (ماعوز)، مبعوث بنيامين نتنياهو إلى أفريقيا، والملقب بـ"رجل الظل"، ومدير مخابرات النظام السابق ومستشار الرئيس السوداني السابق عمر البشير للأمن القومي عمر غوش، وتم التباحث حول إمكانية إقامة علاقات بين النظام السابق وإسرائيل، وكان أبرز تجليات تلك الاتصالات حادثة السماح لطائرة نتانياهو بعبور الأجواء السودانية، قادمًا من التشاد.

وفي نفس السياق، يبرز تقرير لموقع "أسباب" أن مسار تطبيع الحالي بين السودان وإسرائيل بدأ في شباط /فبراير 2020، عندما التقى رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان مع رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سرًا في العاصمة الأوغندية كامبالا، لمحاولة لفك العزلة الدولية بعد الانقلاب العسكري، حيث ربطت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، بالتطبيع العلني مع إسرائيل. 

ومن خلال المضي في تلك العلاقات، عبر الشق الاقتصادي والتجاري، أعلن ترامب في  23 تشرين أول/ أكتوبر 2020،  عن بداية مسار تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، الذي توج لاحقًا برفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب. 

وفي كانون الثاني/يناير 2021، وقع السودان على إعلان اتفاقيات أبراهام برعاية أمريكية، بعد ضمانات تلقاها قادة الجيش السوداني بمنحهم حصانة من "المسؤولية القانونية عن الأفعال التي ارتكبت في عهد الرئيس السابق عمر البشير".

وبعد الإعلان، لم تنقطع زيارات الوفود الأمنية للتنسيق في عدد من الملفات، أبرزها توقيع وزير الخارجية الإسرائيلي حينما كان وزيرًا للاستخبارات مع وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم، في الخرطوم كانون ثاني/ يناير 2021، على اتفاقية للتعاون الاستخباري بين الطرفين. ومن أبرز الملفات التي ناقشها الوزير الإسرائيلي، الوصول إلى أرشيف جهاز المخابرات السوداني حول نشاط الفصائل الفلسطينية في السودان.

ويسعى قادة الجيش السوداني من خلال تقديم تلك الخدمات  إلى تعزيز أسهمهم لدى الدول الغربية، وجاءت خطوة التطبيع بالتوازي مع توقيع الاتفاق الإطاري، رغم رفض المكون المدني زيارة كوهين الأخيرة للسودان. لذلك، من المحتمل أن يتم دعوة السودان للمشاركة في اجتماع منتدى النقب 2 في المغرب، الذي سيعقد في المغرب الشهر المقبل. 

التطبيع يعزز الانقسام

بالمقابل، اندفاع العسكر في السودان في الترتيبات الأمنية والاقتصادية الإقليمية مع إسرائيل، ستتأثر بالتطورات المحلية في السودان، في ظل استقرار سياسي هش، ورفض شعبي، وسياسي عبرت عنه القوى الإسلامية والوطنية لمسار التطبيع، وهو ما يضع قيادة الجيش السوداني أمام تحديات داخلية صعبة، ستكون عائقًا لتحويل هذا المسار إلى خطوات ملموسة على الأرض. لذا، فمن  المتوقع أن تظل العلاقات مع إسرائيل محصورةً في الجانب الأمني، وسيبقى هذا الملف، عنوانًا للتوتر والانقسام السياسي الداخلي في السودان. 

يشار إلى أن السودان وقع فعليًا في 5 كانون ثاني/ يناير 2021 على الانضمام إلى اتفاقية أبراهام للتطبيع بحضور وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين، لكن الخرطوم لم تصل إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، رغم إعداد المسودة الأولى لهذه الاتفاق، والتي وصلت إلى وزير العدل السوداني السابق وصديق إسرائيل نصر الدين عبد الباري، ورغم استمرار المحاولات، من قبل حكومة نفتالي بينت ويائير لبيد التوصل إلى اتفاق، لكنها فشلت نتيجة الانقلاب في السودان.

وتشكل زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للسودان، محاولةً لتجاوز عدم إعجاب عبد الفتاح البرهان بشكل العلاقة الذي اقتصر على التواصل من خلال الموساد، وذلك بعد الانقلاب السودان. وكما أشرنا فإن التطبيع تلقى دفعةً قويةً مع تعيين الخبير في شؤون السودان رونان ليفي، مديرًا عامًا وزارة الخارجية الإسرائيلية.

عسكر السودان والتطبيع الأفريقي

يشير موقع "أسباب"، إلى أن زيارة كوهين الأخيرة للسودان، أظهرت شخصية تلعب دورًا محوريًا  في جهود إسرائيل  لبناء علاقات واسعة وعميقة مع البلدان الإفريقية، وهو ضابط المخابرات، والمعين حديثًا كمدير عام بوزارة الخارجية الإسرائيلية رونين ليفي (ماعوز)، حيث شارك الأخير في جهود التقارب بين "إسرائيل" وإفريقيا في السنوات الأخيرة. 

ومن أهم الملفات التي عمل عليها، التقارب مع  المغرب وتشاد والسودان. حيث يقف ماعوز في قلب فريق السياسة الإفريقية، ويتمتع بثقة نتنياهو الكاملة لإحياء سياسة خارجية غير محدودة، مع الدول الأفريقية. كما يعمل ماعوز خلف الستار بعيدًا عن الأضواء، ويركز على عمل إسرائيل في المجال الأمني لإحياء علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة الإفريقية.

getty

يقول الموقع "من هذه الزاوية، لا تأتي الخطوة الإسرائيلية نحو السودان فقط ضمن مسار اتفاقيات أبراهام، ولكنها تتكامل أيضًا مع تحرك استراتيجي واسع ونشط تجاه إفريقيا"، فقد تزامنت زيارة كوهين للخرطوم مع افتتاح الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، سفارة لبلاده في تل أبيب.

بالإضافة لذلك، يخطط رئيس غينيا بيساو عمر المختار سيسكو إمبالو، لزيارة إسرائيل في شهر آذار/مارس 2023، وتكمن أهمية الزيارة في المنصب الذي يشغله إمبالو كرئيس للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وفي إطار نفس الجهود ، ستفتتح شركة طيران إل عال الإسرائيلية خط رحلة لاغوس – أبوجا – تل أبيب في 9 آذار/مارس، مع احتمال أن يشارك وزير الخارجية النيجيري جيفري أونياما في مراسم الاحتفال بالحدث. 

كما تتواصل المفاوضات مع مالي منذ عدة أشهر لتطبيع العلاقات، حيث يسعى العسكر الذين يحكمون البلاد بقيادة الرئيس المؤقت العقيد أسيمي غويتا، لافتتاح سفارة في "إسرائيل" مقابل الحصول إلى أنواع معينة من المعدات العسكرية. 

كما تعمل إسرائيل على إحياء علاقاتها مع موريتانيا، التي قطعت في 2009. وعلى تعزيز روابطها مع دول أفريقيا الوسطى، ففي 1 شباط/فبراير، سافر الدبلوماسي الإسرائيلي إيدو مؤيد، سرًا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية لتسليم رسالة شكر من نتنياهو إلى الرئيس فيليكس تشيسكيدي، على تصويته ضد القرار الفلسطيني بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 كانون أول/ديسمبر، الذي دعا محكمة العدل الدولية إلى تحديد ماهية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس.

السودان وقع فعليًا في 5 كانون ثاني/ يناير 2021 على الانضمام إلى اتفاقية أبراهام للتطبيع بحضور وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين، لكن الخرطوم لم تصل إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، رغم إعداد المسودة الأولى لهذه الاتفاق، والتي وصلت إلى وزير العدل السوداني السابق وصديق إسرائيل نصر الدين عبد الباري

وعلى الرغم من أن مساعي تل أبيب لنيل صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي قوبلت بمقاومة حادة من قبل بعض الدول الأفريقية، كان أبرز معالمها طرد الوفد الإسرائيلي من الاجتماع الافتتاحي لقمة دول الاتحاد الأفريقي التي انعقدت في أديس أبابا بداية الأسبوع الجاري، إلا أن خطوات إسرائيل النشطة تجاه دول القارة تحرز تقدمًا، وهو ما تجلى مؤخرًا في تراجع نسبي لدعم دول القارة للقرار الفلسطيني في الأمم المتحدة ضد الاستيطان، على الأقل من خلال الامتناع عن التصويت.