26-مايو-2018

إيفانكا ترامب عند حائط البراق (Getty)

ليس لدي أدنى رغبة في جعل هذه الكتابة ذاتية ورخيصة، ولا ينبغي بأي حال أن تغادر ردة الفعل المأساوية على صفعات متتالية وجهها لنا دونالد ترامب، كآخر رئيس أمريكي جاء ليسلبنا حق الحياة ويمرق أنوف حكامنا في أبشع انتهاك للأنوف العربية مُذ خُلقت، كما أنها أيضاً وبصورة أخرى، كتابة عادية جداً، لعرض مجمل المصائب التي حلت بنا منذ صعود عائلتكم التي تشبه عائلة "بورجيا"، درج الكابيتول.

جاء دونالد ترامب ليسلبنا حق الحياة ويمرق أنوف حكامنا في أبشع انتهاك للأنوف العربية مذ خُلقت

دعيني أشكركِ أولاً على التمادي في فضح نواياكم، وهذا بالضبط يجعل مطاردتي العدمية لك نوع من الكفاح الوطني، وما من حاجة لشرح السبب، لأنني أدرك هول الفجوة التي تفصل بيننا؛ سيدة من صلب البرجوازية العريقة وكائن إفريقي يتطلع إليك بحقد دفين، لأسباب تبدو منطقية، على الأقل بالنسبة لي، ولا يهمني جمالك الذي زانته السُلطة شهوانية وغموض، لأنني أدعي، وأظن أن العسف في "تحررك"  المتحفظ، ليس محض فخ لاجتذاب الأضواء، أبداً، إنه تعبير هائل عن أسرة ترامباوية تلعب على المكشوف، وتحب الوضوح والتعري في كل شيء.

اقرأ/ي أيضًا: "النساء العاملات".. خذوا الحكمة من إيفانكا ترامب

دعيني أستعير رسالة سيدي عمر المختار إلى جزار فزان، الكولونيل جيراتسياني، وأقول لك: "نحن معكم إلى نهايتكم أو نهايتنا". ولا يمكن بأي حال أن نستسلم لكم جميعنا بغير مقاومة، خذو المليارات والأبقار الملكية، لكنكم لن تستطيعوا أبداً أخذنا بالمرة.

دعيني أعترف ببلاهة، أول الأمر أعجبت بوالدك ترامب، لكونه يشبه المرحلة، أنا لا أعرف ماذا يمكن أن نُسمي هذه الحقبة المجنونة من عصرنا الآخذ في العنف: نهاية الكون أم بداية الوعي بالصفعات؟ ولا أعرف كيف اعتلى ترامب مزاج الشارع الأمريكي اللا مبالي، وقد كان إلى وقت قريب، أعني والدك بالطبع، خارج اللعبة تماماً؛ مجرد مغامر بائس يمنح الناظر إليه انطباع بالسذاجة الأمريكية، أو بالأحرى، يشبه أقدارنا الهازئة، معبراً عن مصالح الرأسمالية المتوحشة بإفراط، ومحاط في الوقت عينه برجال بيض أغبياء، كما وصفهم المخرج الهوليودي الثائر مايكل مور في سابق تأملاته.

دعيني أذكرك بمصير ألاف التعساء على هذه الكرة الأرضية التي تتحكمون فيها، لجهة نضوب الموارد وقلة العمل، والنفايات السامة، وبسبب حروب بلادك الكونية، والارتباط الكاذب بقيم المجتمع الرأسمالي، على النقيض الإنساني، كما أنه لا شيء يعوض حياة أسرة اُستبيحت بالكامل، وأجساد هزيلة ميتة تلوذ بالبحر. ومن المُحزن حقاً أن نهجر حيواتنا وبيوتنا للعيش على امتداد جحيم "الدياسبورا"، وبنادقكم على صدورنا العارية المبتلة. أليس ثمة وقاحة في أن تقتلعوا أوطننا وتمنحوها للآخرين، سواء كانوا يهود أو حكام عرب، فالمصيبة واحدة وحتمية؟!

لا أريد أن أتفوه بعبارات بذيئة، رغم أنني منهك ومنتهك، فليس هنالك ما هو أصعب على المرء من أن يطارد جلاده

عندما قالوا لمظفر النواب: "أنت بذيء"، قال لهم: "أنا بذيء كهزيمتكم". لكنني لا أريد أن أتفوه بعبارات بذيئة، رغم أنني منهك ومنتهك، فليس هنالك ما هو أصعب على المرء من أن يطارد جلاده، ولا شيء يعادل استسلامنا لألاعيب البنك الدولي، وتحرير الأسواق إلى منتهى الفوضى، فتنقض علينا شركاتكم، وتفقرنا على فقرنا المدقع. 

اقرأ/ي أيضًا: جاريد كوشنر.. "حمامة السلام" وممول المستوطنات!

كنتُ كثيراً ما أراقب الاعلانات التفزيونية، وأر كيف تستدرجنا لأشياء تافهة، ليصبح الطلب عليها ملحاً وضرورياً، وتتخلق الرغبة في الحصول على منتجات بلا معنى، تنتقل منها الكماليات إلى بند الضروريات، في أبشع تجليات الراسمالية، حيث يزداد الفقراء فقراً، ويسقط أغلبنا فريسة لوحش دعائي بشكل كافٍ .

يبدو أنني مشوش بالفعل، وهو ما يجعلني أثير كل هذه الضجة حول العالم، كصحفي مشاغب، يريد أن يحصل على صديقة تمنحه سبقاً صحفاً، ويستعيدها للفرجة على ما اغترف زوجها جاريد كوشنر، وأنا كما ترين محض شبح أسود في مطر غزير، لا يهمه أن تُفضي رسائله كعاشق في الهزيع الأخير، فكل ما يهمني، أمام جهود ﻋﺪﻡ تصديقك، أنني لم أعد أكترث لضحكتك ﺍﻟﺘﻲ تظنين ﺃﻧﻨﻲ ﻻ ﺃﺩﺭﻙ ﻣﻐﺰﺍﻫﺎ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ، إلى حد بعيد جداً، يمكنني رفض الإملاءات والأكذيب بعد أن ﺑﺬﻟﺖُ ﺟﻬﻮﺩﺍً ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻟﻜﻲ ﻻ ﺃﻧﻬﺎﺭ.

هل قلت لك أن الجو مختنق اليوم في الخرطوم؟ ممطر ليلاً، وحار أيضاً مثل زفراتنا، هو طقس خريفي جاء قبل أوانه، وأشاع لون من البهجة على شارع النيل والبيوت والحدائق المفتوحة، كأن كل هذه الكآبة والضجر، لعنة تحفل بها الشمس. ولا يكتشف الناس حبيباتهم إلا عندما تشد الغيمة تنورتها القصيرة، نحن في بلد يمكن أن تجتمع فيها كل الفصول بيوم واحد، وترتفع أصوات المدافع والطيور وقنابل الموتر والقبائل الساعية للمجد، ومن ثم يغمرها الأسى وحوادث السير والغبار العالق، ولا يجرؤ شاعر أن يعترف بأي شيء.

دعيني أعترف أمام العالم، أنني أمقتك بالقدر الذي لا تطيقينه، مُنذ رأيتك في قصر اليمامة السعودي بذلك الفتسان المحذق الذي لم تعيّره جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكان مقابل رقصة واحدة بلهاء، مليارات الدولار حصلتم عليها، كأنها ذات لعبة القمار التي برع فيها والدك، والمرة الثانية وأن تنصبين جسدك على حائط المبكى، وبإجادة كسر الشخصية على نحو درامي. ساعتها أدركت أننا دفعنا ثمن تلك الخسارات، وخسرنا كل جولات الصراع  وفرطنا في كعب أخيل، ولذا جاءتنا الضربة من حيث لا نحتسب، ولذلك كانت مباغتة، وكانت مميتة.

نحن من ندفع ثمن سياسات والد إيفانكا وأسلافه في البيت الأبيض، فالحصار المفروض على السودان يتضرر منه الشعب وليس سكان القصور

شخصيًا تضررت من سياسة والدك وأسلافه في البيت الأبيض، ولا زالت بلادي عالقة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومحاصرة، دون أن تطال تلك العقوبات الرؤساء والحكومات. الحصار يخنق الناس العاديين، ولا يمكن أن يجرد حاكم إطلاقاً من قصوره وكنوزه، كأن لا ينام هانئاً على وسادة من الريش، أو يفقد حقه في السفر والعلاج. 

نحن من ندفع الثمن لوحدنا، صدقيني، وهو ما يمكن أن ينال منا بسهولة، وهذا على ما يبدو سبب كافٍ لكراهيتكم معاً، لا سيما وأنه من حقنا أن ﻧﺤﻠﻢ! ﻧﺤﻠﻢ ﺑﺄﻃﻔﺎﻝ ﻻ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻌﺪﻭﻯ ﻭﺍﻟﻜﺂﺑﺔ، والكوليرا، ﻭﺍﻟﻤﺮﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺸﺮﻳﺮﺍﺕ، والبراميل المتفجرة، ﻭﺣﻮﺍﺩﺙ ﺍﻟﺴﻴﺮ، ﻭﺑﺠﺪﺍﺭ ﻋﺎﺯﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﺎﺭﻳﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﺔ، ﻭﻧﺸﺮﺓ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺗﺰﻑ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺍﺋﺲ ﻭﺃﻏﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﺖ ﻓﻴﺮﻭﺯ.

إﻧﻨﻲ ﺃﺣﺎﻭﻝ ﻃﻮﺍﻝ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺃﻥ ﺃﺑﺚ ﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎً ﻟﻢ ﺗﺤﺘﻤﻠﻪ ﺿﻠﻮﻋﻲ، ﻫﻮ ليس ﺃﺑﺸﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﻜﺮ ﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻲ، ﻭﺃﺷﺪ ﺭﻋﺒﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻧﻨﻲ ﻣﺤﺎﺻﺮ بسببك ﻭﺧﺎﺋﻒ، ﻭﺃﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻀﻴﺎﻉ، ﻭﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮٍ ﺃﻛﺜر دﻗﺔ ﻣﺘﻌﺐ، ﻣﺘﻌﺐ ﺗﻤﺎﻣﺎً يا إيفانكا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قلب إيفانكا المحطم.. ماذا عن قلوبكن؟

4 تبعات كارثية لإعلان ترامب القدس عاصمةً للاحتلال الإسرائيلي