02-يوليو-2020

عزمي بشارة وكتابه

تُشير الإحصائيات الأخيرة إلى أنّ عدد الأقباط في مصر يتراوح بين (10 - 15) مليون، وقد تناولت العديد من الأدبيات موقع المصريين الأقباط في مصر من ناحية الدولة والمجتمع، منها ما عالج العلاقة بين المجتمع الإسلامي والمجتمع القبطي، وعلاقة الأقباط بالدولة ومشاركتهم السياسية، وأخرى ركّزت على العلاقة ما بين الكنيسة والدولة، كما بحثتْ العديد من الدراسات إن كان هناك صراع على الهوية أو فتنة طائفية في مصر.

يشيرُ عزمي بشارة أنّه التُفِتَ إلى السؤال عن ملف قبطي في مصر، جرّاء احتجاجات الأقباط عام 2010

وفي هذا النقاش، يأتي كتاب المفكر العربي عزمي بشارة "هل من مسألة قبطية في مصر؟(1) (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2012)، الّذي يبحثُ فيه إن كانتْ ثمّة مسألة/ ملف قبطي في مصر، وذلك من خلال تتبّع ملامح تصاعد الشعور بالغبن الطائفي لدى المصريين الأقباط، وموقعية الثورة المصرية في إعادة بناء العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر تحت مظلّة الهوية الوطنية.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة وكتاب "في نفي المنفى": الحرية مبدأ

وفي ذلك، تُراجع الدراسة الأدبيات المُتعلّقة بحال الأقباط في مصر، وتتناولُ تاريخ الأقباط في مصر منذ فترة محمد علي باشا، والعلاقة بين الأقباط والسلفيين، ومسائل الأحوال الشخصية (ص 7).

شرارة الفتنة الطائفية: حادثة قرية صول

يشيرُ بشارة أنّه التُفِتَ إلى السؤال عن ملف قبطي في مصر، جرّاء احتجاجات الأقباط عام 2010، والّتي وصلتْ جُذوتها مع تفجير قديسة القديسين في الإسكندرية، ومن ثمّ مع حادثة هدم كنيسة الشهيدين في قرية صول بمحافظة حلوان في آذار/ مارس 2011، وما تمخّض عنها من اعتصام وإدانات (ص 9).

يردُ في تقرير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات رواية لحادثة قرية صول في محافظة حلوان، والّتي تفاقمتْ إثر علاقة بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، أثارتْ الغضب العام مما أدى بعائلة الشاب إلى ترك القرية، لكن ابن عم والد الفتاة جاء إلى القرية لقتل الفتاة ووالدها دفاعًا عن شرف العائلة، فوقع اشتباك مسلّح بين الرجلين مما أدّى إلى مقتلهما، وكردّ فعل ذهبتْ عائلتهما في الرابع من آذار/مارس 2011 إلى كنيسة الشهيدين، بنيّة تكسيرها وحرقها. وفي حين أنّ هذه الحادثة -وما يرتبطُ بها من قضايا- عبارة عن طفو سياسات الهوية إلى السطح، والتحشيد حولها يبني جمهورًا طائفيًا، إلّا أنّه ظهرتْ العديد من التفسيرات، منها ما يرى أنّها محاولات إشعال فتنة طائفية من قبل "طابور خامس" و"ميليشيات الثورة المضادّة" لوأدِ ثورة 25 يناير، كما أشارتْ تقارير صحافية أنّ قيادات أمن الدولة هم من يقفون خلف هذه الأحداث الطائفية. وقد انتشرتْ أحداث العنف الطائفي بعد ذلك، ومنها الاشتباكات بين مواطنين مسلمين ومواطنين مسيحيين خرجوا احتجاجًا على حرق الكنيسة في وسط القاهرة، والّتي أسفرتْ عن مقتل 10 مواطنين وإصابة 110. واستمرتْ التظاهرات أمام مبنى التلفزيون عدّة أيام رافعةً شعار أن يكون القبطي مواطن درجة أولى. وحين تدخّل الرأي العام المصري وبرزَ دور الشعب مع حملة "في حب مصر" الرافضة للطائفية، اتّضحَ الإجماع ضدّ الفتنة الطائفية لدى الشعب المصري. وقد أصدرَ المجلس العسكري قرارات بمحاسبة مرتكبي جريمة هدم الكنيسة، والبدء بإعادة بناءها (ص 9-17).

تنتمي الغالبية القبطية في مصر إلى الكنيسة الأرثوذكسية المرقسية القبطية، وهي كنيسة وطنية مُستقلة

ويرى بشارة في كتابه "ثورة مصر: من الثورة إلى الانقلاب" أنّ في هذه المرحلة – مع آذار/مارس 2011 – تبيّن "الوجه الآخر لغياب الدولة، وهو تعويم توترات اجتماعية قائمة في المجتمع المصري"، ومع أنّ أجواء الثورة فرضتْ نفسها على الجميع، إلّا أنّ انحسار قيم وثقافة الثورة وسوء تصرف المجلس العسكري، أدّت إلى حضور المسألة الطائفية في مصر (2).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: "الجيش والسياسة" مدخلًا لفهم الدولة الوطنية العربية

من محمد علي باشا إلى حسني مبارك: الأقباط في تاريخ مصر الحديث

ظهرَ لفظ "القبط" من قبل العرب كتوصيف لسكّان مصر المحليّين، والّتي سُميت "دار القبط"، وتجدُ اللفظة أصلها في المفردة اليونانية "إيجبتوس" الّتي أُطلقت على مصر ووادي النيل، لكن مع اعتناق غالبية السكّان للإسلام، أصبحتْ قبط/ أقباط تُشير إلى المصريين المسيحيين، ويَرفضُ الأقباط وصفهم بالأقلية الدينية، كونها تسمية أيديولوجية، كما أنّ عددهم كبير (6 – 10) ملايين نسمة؛ أي ما يعادل سكّان أقطار كاملة، وبمعيار المواطنة فهم جزء من الأكثرية المصرية والعربية. وتنتمي الغالبية القبطية في مصر إلى الكنيسة الأرثوذكسية المرقسية القبطية، وهي كنيسة وطنية مُستقلة، مع وجود أتباع للكنيسة الكاثوليكية في روما، وأتباع للمذهب البروتستانتي. ويبلغُ عدد الكنائس في مصر 2524، منها 1319 كنيسة قبطية أرثوذكسية (ص 19- 20).

تميّزتْ فترة محمد علي باشا (1805-1848) بكونها نقلة نوعية في تعامل الدولة والمجتمع مع الأقباط، فمع بناء الدولة المصرية ككيان سياسي ظهرتْ فكرة المواطنة، وقد أزال محمد علي مظاهر التمييز الّتي كانت مفروضة على الأقباط، والقيود على ممارسة الطقوس الدينية، وسمحَ ببناء الكنائس وساهمَ من خزينة الدولة، كما أنّه اتّخذَ مستشارين منهم، وألغى الجزية الّتي فُرضتْ عليهم منذ منتصف القرن السابع، وأدخلهم سلكَيْ القضاء والجيش، وفرضَ عليهم الخدمة العسكرية كترجمة للمواطنة (ص 21-22).

وكذلك الأمر في عهد الخديوي إسماعيل (1863-1878)، فقد زادتْ أوضاع الأقباط تحسّنًا بزيادة عدد من يتبوّأَ مناصب في الدولة، ومنهم من حصل على رتبة "الباشوية"، وتولّى اثنان من الأقباط منصب رئاسة الوزراء، كما ترسّختْ مواطنة الأقباط في الدولة. ويُعلّق بشارة على توصيف الأقباط لعهد الخديوي بـ"العصر الذهبي"، أنّ ذلك ينطبقُ على النّخب القبطية لا الفئات الاجتماعية الدُنيا الّتي عانتْ من التهميش الاجتماعي-الاقتصادي (ص 22-23).

وبعد ثورة تمّوز/ يونيو 1952؛ أي في عهد جمال عبد الناصر، تعاطت الطبقة الاجتماعية الدُنيا من الأقباط مع الثورة بإيجابية، أمّا النخبة فاختلف موقفها أيديولوجيًا ومصلحيًا ولم تتصرّف ككتلة متجانسة، إلّا أنّه في البداية برزَ هاجسٌ لدى الأقباط من كونه لا يوجد قبطي في مجلس قيادة الثورة، وبأنّ نظام عبد الناصر متحالفٌ مع الإخوان المسلمين، إلّا أنّه بعد الاصطدام بينهما تبدّد ذلك الهاجس، رغم أنّه لم يؤدِ إلى تحسّن مكانة الأقباط السياسية. ورغم توظيف عبد الناصر للدين، إلّا أنّ سياسته الاشتراكية كانت وطنية عامة، لكن مع إلغاء الأحزاب السياسية في كانون الثاني/ يناير 1953، لم يعد سهلًا على الأقباط الوصول إلى المجلس النيابي، وقد حاول عبد الناصر حلّ هذه الإشكالية بإدخال مادة دستورية تسمحُ بتعيين عشرة أعضاء في المجلس، إلّا أنّ هذا الحل زاد من إبعاد الأقباط عن المجلس بتمييزهم معاملتهم عن الشعب المصري، وإظهار تعيينهم كنوع من "المكرمة"، مما ساهم في تبلور هوية قبطية سياسية (ص 23-27).

في عهد جمال عبد الناصر، تعاطت الطبقة الاجتماعية الدُنيا من الأقباط مع الثورة بإيجابية، أمّا النخبة فاختلف موقفها أيديولوجيًا ومصلحيًا ولم تتصرّف ككتلة متجانسة

أمّا في عهد محمد أنور السّادات -الّذي مثّل قطيعةً مع المرحلة الناصرية- فبدأت التوتّرات تظهر بالنسبة للأقباط، فقد عمدَ في سياسته على استخدام التيار الديني "الأصولي" للتخلّص من التيار الناصري واليساري، كما جعل من الإسلام دين الدولة ومصدر التشريع، وقيّد بناء الكنائس بـ"الشروط العشرة"، كما في فترته عادَ مفهوم "أهل الذمة" إلى النقاش الإسلامي الفقهي بخصوص وضع الأقباط القانوني في الدولة والمجتمع، وتمّ استبعاد الأقباط من القوائم الانتخابية للحزب الوطني، وكذلك مشكلاتهم الاجتماعية-الاقتصادية من برامج الأحزاب (ص 27-29).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس

وفي عهد محمد حسني مبارك، فمقارنةً بفترة السادات، فسياسة مبارك إيجابية في التعامل مع الأقباط، حيث سُهّلت إجراءات بناء الكنائس، واعتمدُ عيد الميلاد المسيحي كعطلة رسمية، وأصبحتْ قيادات الدولة العليا تتدخل لحلِّ مشكلات الأقباط. ومع هذا الانفتاح النسبي، إلّا أنّ الممارسات الإلغائية الساداتية ظلّتْ حاضرة، فالمشاركة السياسية اقتصرتْ على سياسة تعيين النوّاب، وتعيين الوزراء كان في الوزارات غير السيادية (ص 29-30).

مصادر الشعور بالغُبن لدى الأقباط

تتعدّدُ مصادر الشعور بالغبن والشكوى لدى القوى الاجتماعية والسياسية القبطية، من حيث نظام التعليم، بناء الكنائس وترميمها، ومسألة المواطنة. أولًا، في جانب التعليم، يتحفّظُ الأقباط على: إغفال حقبة طويلة من التاريخ القبطي في المنهاج التعليمي، وتجاهل الديانة المسيحية في المقررات المدرسية، مقابل حضور النصوص الدينية الإسلامية في مادّة اللغة العربية، تقليل مدّة التجنيد العسكري لحفظة القرآن وعدم استخدام المبدأ ذاته لحفظة الكتاب المقدّس، وتغيير تحيّة العلم الوطني في المدارس إلى صبغة إسلامية (ويرى بشارة أنّه ادّعاء غير صحيح). (ص 35-36)

ثانيًا، في جانب بناء الكنائس وترميمها، فيحكم عملية بناء الكنائس قانون عثماني لعام 1865، يشترطُ على غير المسلمين الحصول على رخصة من رئيس الدولة لبناء أماكن العبادة، إلّا أنّ عهد مبارك شهدَ تسهيلاتٍ، آخرها مبدأ قانوني عام 2010 يُشيرُ إلى عدم الرجوع إلى أي جهة فيما يتعلقُ بعمليات الترميم، لكن المبدأ لم يُنفّذ، وظلّتْ التفرقة مُستمرة من قبل الدولة بين بناء المساجد والكنائس (ص 37-39).

ثالثًا، في مسألة المواطنة، ينتقدُ بشارة الاتجاه القبطي الّذي يغيبُ عنه فهم المواطنة، ويحاول تأسيس تاريخ مصري خالص خاص بالأقباط ومنفصلٌ عن الإسلام والعروبة، كما ينتقدُ الأوساط الكنسية والقبطية واللوبيات القبطية في الولايات المتحدة، من حيث غياب مسألة "مواطنة مصرية متساوية في ظل نظام ديمقراطي" عن أجندة عملها. وفي هذا الإطار، يُحمّل بشارة بعض المسؤولية للدولة فيما يتعلّقُ بالاستقطاب والمواجهات الطائفية، كون ذلك يُمثّل فشلًا لها في تحقيق مبدأ المواطنة، مما جعلَ الأفراد يلجؤون إلى كيانات أخرى (ص 41-44).

إلى جانب تعثّر الدولة في بناء هوية مصرية، جاءت قيادة الكنيسة للأقباط بوصفهم مِلّة لتجعلها شريكة مع تيارات أخرى في الدولة بمنع نشوء ثقافة المواطنية المصرية

وفي المقابل، فإنّ آراء المُفكّرين الإسلاميين بعدم جواز انعقاد الولاية لغير المسلم -وهو موقف غير واع بالديمقراطية وأسس المواطنة- يؤجّج مواقف طائفية، مع الإشارة إلى وجود اتجاهات فكرية لا تُمانع من تولّي غير المسلم رئاسة الدولة (مثل راشد الغنوشي)، وكما يُمثّل التحول التاريخي في مصر بعد الثورة فرصةً للإخوان المسلمين لمراجعة مواقفهم من المسائل المدنية، فإنّ إعادة التشكيل السياسي تُتيح فرصةً للأقباط بمراجعة موقفهم من الإخوان تحت إطار الديمقراطية (ص 45-48).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. الحفر في الثورة المصرية (1- 2)

الوضع الاقتصادي والقانوني للأقباط

فيما يتعلّقُ بالوضع الاقتصادي للأقباط، فهم يتوزّعون ويندمجون -كما باقي المصريين- على الطبقات الاجتماعية والفئات السكانية المختلفة. وهم بحسب بيان للحكومة المصرية عام 2007، يملكون ثلث الثروة القومية رغم أنّهم يمثّلون 10٪ من إجمالي السكّان، إلّا أنّ بشارة ينتقدُ عملية التقسيم هذه، كونها "عملية منافية لتعريف الثروة القومية ولأي فهم علمي للاقتصاد بشكل عام، فضلًا عن أنّ هذا الفصل معادٍ لمفهوم الأمّة والمواطنة"، كما أنّ هناك العديد من الوظائف الحكومية غير مُتاحة للمواطنين الأقباط، وتمثيلهم في قطاعات الإعلام والقضاء والجيش والشرطة والبعثات الدبلوماسية لا تتجاوز 2٪ (ص 32-34).

ويرى بشارة أنّه إلى جانب تعثّر الدولة في بناء مواطنة حديثة وهوية مصرية مُشتركة، فإنّ لعب الكنيسة لدور قيادة الأقباط بوصفهم مِلّة، جعلها شريكة -عن قصد أو غير قصد- مع تيارات أخرى في الدولة بمنع نشوء ثقافة المواطنية المصرية. وفيما يخصُّ الأحوال الشخصية، فإنّ القانون المصري ينصُّ على تنظيم الأحوال الشخصية وفق الشرائع الدينية المُتّبعة، إلّا أنّه في حال وجود مُسلم كطرف في منازعة أحوال شخصية، فإنّ الشريعة الإسلامية هي الّتي تُطبّق، كما لا يُمكن أن يُعقد زواج المُسلمة -أو يستمر في حال أسلمتْ- من غير المسلم. ولا يوجد لغير المسلمين في مصر تقنين رسمي للأحوال الشخصية (ص 50-52).

الأقباط والسّلفية

مثّل تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية في كانون الثاني/ يناير 2011، حدثًا استثنائيًا، وأدى إلى توجيه الأقباط نقدًا للدولة تفاقم عبر السنوات، وخروج تظاهرات قبطية ضدّ الحكومة لا ضدّ "طائفة الأكثرية"، كما ازداد تكاتف المسلمين والأقباط ضدّ النظام الحاكم، كما تمّ اتّهام النظام بأنّه من يقفُ خلف التفجير (ص 53-54).

وقد استنكرت القيادات السّلفية في مصر هذا التفجير، إلّا أنّ ما يصدُر من العلماء السلفيين من فتاوى وحديثهم عبر القنوات التلفزيونية الإسلامية يُشكّل مادة دسمة للاستقطاب والاندفاع الثقافي ضدّ الأقباط، وقد أغلق النظام مجموعة قنوات متهمةً إياها بالتحريض الطائفي، كما تردُ فتاوى سلفية ضدّ الأقباط، منها تحريم إلقاء السلام عليهم وتهنئتهم، وفرض دفع الجزية، وفي ذلك موقف الشيخ السلفي أبو إسحق الحويني. ويرى بشارة أنّه ربما يكون مردُّ التّشدد الديني لدى رجال الدين هو التّوجّس من العلاقات الاجتماعية القوية بين المواطنين العابرة للأديان الّتي تُزيل التمايز الديني، مما يؤدي إلى فقدان ولاء الأفراد لهم، ويُدلل على ذلك محاولة بعض رؤوس التيار السّلفي في مصر، في استغلال تفجير كنيسة الإسكندرية للترويج للفكر السّلفي، لا نقده أو مراجعته (ص 62-69).

ليس الأقباط أقليّة تطلبُ التسامح معها، بل هم مواطنون أصليّون، لا يجبُ أن يقعُ عليهم أي تمييز

ويستنتجُ صاحب كتاب "الطائفة، الطائفية، الطوائف المُتخيّلة" بأنّ ثمّة "ملف قبطي مفتوح في مصر"، بحاجة إلى معالجة جدّية، وذلك يبدأُ بالاعتراف بها، بوصفها قضية مركّبة تقعُ بين هوية الدولة والتعامل مع الأقباط مع أقليّة، إذ أنّهم ليسوا أقليّة تطلبُ التسامح معها، بل هم مواطنون أصليّون، لا يجبُ أن يقعُ عليهم أي تمييز، وحل ذلك يكون بإعمال مبدأ المواطنة تحت إطار الديمقراطية (ص 70). وهو الأمر الّذي يؤكّد عليه باحثون آخرون، بأنّ ما يسمى "القضية القبطية" تتعلّقُ بالأساس بتصوّرات الديمقراطية والمواطنة، وذلك يكون بفرض مواطنة يُكرّسها الدستور للمجموعات المُهمّشة بما في ذلك: الشيعة والنوبيون والبهائيون والصوفيون(3).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. في تفكيك داعش

كما أنّه إلى جانب نقد الدولة الّتي بتعاملها مع قضايا المصريين الأقباط بوصفهم فئة دينية، يُكرّس مفهوم الأقليّة، فإنّ اللوم يقعُ أيضًا على المُجتمع، لأنّه المُطالب بتحقيق التّعددية (4).

وبناء على الاستنتاج بأنّ هناك ملفًا قبطيًا مفتوحًا في مصر، تنبعُ الحاجة إلى دراسات تبحثُ بموضوعية حال الأقباط في فترة كلٍ من الرئيس محمد مرسي والتّحولات الّتي طرأت خلالها على العلاقة بين الأقباط والدولة من جهة، والأقباط والمسلمين من جهةٍ أخرى، ومن ثمّ حالهم في فترة النظام المصري الحالي، الّتي تشهدُ نوعًا من التهادن بين الدولة والكنيسة، الأمر الّذي يُمكن وصفه بوجود تباين في الموقف السياسي ما بين المواطنين الأقباط والكنيسة، وذلك في إطار منع سياسات الهوية والمسألة الطائفية من الصعود إلى السطح مرّةً أخرى، لما يسببه ذلك من إعاقة للنضال الديمقراطي والحقوقي المشترك.

 

هوامش

1- عزمي بشارة، هل من مسألة قبطية في مصر؟ (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).

2- عزمي بشارة، ثورة مصر: الجزء الثاني: من الثورة إلى الانقلاب، ط 1 (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016).

3- يُنظر: سلمى موسى، "الكنيسة القبطية في مصر وثورة 25 يناير: نقطة تحوّل"، عُمران، المجلد 2، العدد 7 (2014)، ص 131-150. 

4- يُنظر: مي مسعد، "التّميز القبطي واستبعاد الدّولة في مصر"، عمران، المجلد 1، العدد 1 (2012)، ص 189-212.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب عزمي بشارة عن الطائفية.. تأصيل فريد في مختبر تاريخي حيّ

عزمي بشارة.. في تشريح الإرهاب