25-مارس-2019

عزمي بشارة: الإرهاب لا يتحدد بهوية الفاعل (التلفزيون العربي)

الترا صوت - فريق التحرير

 

 

في لقاء معمق عبر شاشة التلفزيون العربي، اليوم الإثنين، الخامس والعشرين من شهر آذار/مارس الجاري، وضمن الحلقة الثانية من المقابلة التي يجريها حول قضايا سياسية راهنة، قدم المفكر العربي عزمي بشارة، تحليلًا لصعود اليمين المتطرف في الغرب وأسبابه، مستشهدًا بالحادثة الإرهابية في نيوزلندا، التي راح ضحيتها عشرات المصلين المسلمين، كما عقب على  مرور عامين على بداية الأزمة الخليجية، مبينًا آفاقها ومآلاتها.

اعتبر عزمي بشارة أن النزعة العنصرية عند ترامب، تأخذ طابعين، واحد مغامر تدخلي تحريضي، وآخر انعزالي لا يرغب بالتدخل في الدول الأخرى، محاولًا التأقلم بين هذين العنصرين المتناقضين

بدأ الحوار الذي استمر لأقل من ساعة بقليل، بالحديث عن جريمة المسجدين في نيوزلندا، إذ اعتبر مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن ما حصل ليس جديدًا من ناحية وجود جماعات وخلايا شبيهة تدعو للتفوق العرقي، معطيًا أمثلة تاريخية عديدة على هذا النمط من الإرهاب. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه التيارات التي تكتمل فيها عناصر الفاشية، حسب وصفه، تنتهج نمط عمل جديد، مبني على السرية. وقارب بشارة هذا العداء للأعراق الأخرى، معتبرًا أنه امتاز بالعداء للإسلام والمسلمين تحديدًا، رغم أنه ليس عداء دينيًا، وإنما عرقي، وهو ما يوضحه بيان منفذ الجريمة الإرهابية، الذي رأى في نفسه أوروبيًا، لأنه يملك دمًا أوروبيًا.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس

حول علاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا النمط "الفاشي"، يقر بشارة أن معظم التحليلات قللت من شأنه في البداية، باعتباره شخصًا شعبويًا مهووسًا بالظهور والنرجسية، غير أنه تبين أن هؤلاء النرجسيين الذين يبدون غير مهمين في البداية، يصيرون خطيرين عندما يحوزون على سلطة. إذ تجسدت نرجسية رجل الأعمال متوسط الذكاء، في التأثير على علاقات خارجية ومصالح دول.

 وبوجود مستشارين مثل ستيف بانون وغيره، فإن ترامب وصل إلى تيار من الطبقة العاملة المتضرر، من التحولات الاقتصادية ما بعد الصناعية في الغرب، حيث ينشأ وهم في هذه الأوساط أن المشكلة متعلقة بالهجرة، أي أن المهاجرين هم السبب في ما حدث لهم. لذلك أصبح ترامب رمزًا لهذه الشرائح، كما أنها أصبحت حاضنة له.  وهذا ما يجعل الأمريكيين من أصل أفريقي يشعرون بالخطر الوجودي، بالإضافة إلى أن دعمه لتل أبيب، انقلب حتى على الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل أصلًا، بالتوازي مع ربط الإرهاب بشكل مباشر مع المسلمين والإسلام.

في مقابل ذلك، كرر بشارة موقفه من أن الإرهاب لا يتحدد بهوية الفاعل، أو دينه، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو بوذيًا. معتبرًا أن النزعة العنصرية عند ترامب، تأخذ طابعين، واحد مغامر تدخلي تحريضي، وآخر انعزالي لا يرغب بالتدخل في الدول الأخرى، محاولًا التأقلم بين هذين العنصرين المتناقضين. إذ يتدخل الرئيس الأمريكي على سبيل المثال، كما يرى بشارة، في الأزمة الخليجية، لكنه يتبنى موقفًا انعزاليًا إزاء قضايا كبرى، مثل الملف السوري وأفغانستان.

على هذا النحو، فقد شجع ترامب صعود حركات اليمين الشعبوية والانفصالية في أوروبا وبريطانيا. وهو في ذلك، سعى إلى تشكيل تيار عالمي شعبوي ويميني، مثل تحريضه على إيقاف ألمانيا لاستقبال اللاجئين.

في هذا السياق، فإن تصاعد هذه الأنماط العنصرية في الغرب، جعل حتى الليبراليين ينتبهون أن الأفراد يعيشون داخل جماعات، ويستقون أخلاقهم منها. وهنا يرى الدكتور بشارة ضرورة إدراك ذلك دون الانزلاق إلى الهوياتية العنصرية.

لذلك، يستغل اليمين التشديد على الهوية الأوروبية، في مقابل وجود مهاجرين، من خلال التأكيد على أنماط حياة خاصة تميزهم عن الوافدين، بالإضافة إلى أن هذا الخطاب اليميني، ينبني على أن هناك "لبرلة زائدة"، مع استغلال النقمة على أنماط التحديث المرتبطة بالتصدير وانتشار أسواق الخدمات، وهو ما يجعل خطابهم يتضمن تقاطعًا بين النقمة الطبقية، وبين اعتبارات هوياتية.

مع ذلك، يستبعد بشارة أن هذا النمط الشعبوي سيتحول إلى تيار أغلبية في أوروبا، مستشهدًا ببدايات ردة الفعل على سياسات ترامب وأمثاله، مشيدًا في هذا السياق بردة فعل رئيس وزراء نيوزلندا إزاء العملية الإرهابية، ويرجع ذلك إلى وجود تراث معاناة طويلة مع النازية والقومية المتطرفة.

بخصوص تحليل الشعبوية كرد فعل على ما يقال إنه "إرهاب إسلامي"، رأى مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن الرد سهل على هذا الادعاء، حيث لم تحدث أي عملية إرهابية في نيوزلندا قام عليها مسلمون من قبل، كما أن هناك نماذج من عمليات شبيهة وقعت قبل داعش، وكذا فإن النازية نفسها وُجدت قبل الاصطلاح على "الإرهاب الإسلامي"، لكن المشكلة أن هؤلاء لا يريدون ردًا عقلانيًا، لأنهم يحملون رؤى عنصرية وحسب، ويبحثون عن العدو أو عن الآخر، الذي يكون مرة اليهود ومرة المهاجرين ومرة المسلمين.

في مواجهة ذلك، يجب على العداء للإسلام أن يُجرم، ويفترض من اللاجئين الوقوف مع التيار الديمقراطي المنفتح في أوروبا، الذي يحارب العنصرية ويناضل من أجل حقوقهم، وحريتهم في العبادة، حسب رأي بشارة. وبالتالي فإن عليهم الاندماج في الديمقراطيات الأوروبية، بدون اللجوء إلى التقوقع والانعزال، لأن ذلك يصب في مصلحة اليمين المتطرف.

في السياق عينه، أشار بشارة إلى أن بعض الأطراف المعادية للإسلاميين في العالم العربي، وزعماء الثورة المضادة، عملوا على الاحتفاء بهذه الأصوات اليمينية الشبيهة، من خلال تبنيهم سردية معادية للإسلام، مشيرًا إلى لقاء ابن سلمان برجال دين يهود معادين للمسلمين، بالإضافة إلى احتفاء بعض أوساط اليسار العربي بشخصية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتطلع اليمينيون في الغرب إليه كزعيم أبيض وطني معاد للآخر. وهذه نماذج تبدو متناقضة، لكن ما يجمعها هو العداء لحقوق الإنسان والتعايش بين العلمانيين والمتدينين.

عن الأزمة الخليجية

أما بخصوص الأزمة الخليجية، فإن بشارة رأى أن المشكلة بنيوية، وأن مجلس التعاون الخليجي غير قادر على حل الخلافات بين دوله، بالإضافة إلى منطق الوصاية والإملاءات التي حاولت دول حصار قطر فرضها، حيث بدأت الأزمة بقرصنة وكالة الأنباء القطرية وتلفيق تصريحات لأمير البلاد، بالإضافة إلى نمط شبيه بأنماط الحصار في القرون الوسطى، الذي تفرضه دول تسعى إلى ترويج صورة حديثة عن نفسها أمام الغرب.

فيما أكد المفكر العربي أن السياسات الخارجية القطرية، لم تتطرق للسعودية، وعلى العكس فكان هناك مسايرة وأخذ بعين الاعتبار لحساسيات مجلس التعاون الخليجي، في الإعلام القطري على سبيل المثال. وأرجع القرار الأساسي في الحصار إلى السعودية والإمارات، حيث إن ما حصل هو نشوء محور جديد يسعى إلى إخضاع قطر، يجمع الرياض وأبو ظبي، بعد صعود ولي العهد محمد بن سلمان، الذي رجح بشارة أن يكون بدفع من الإمارات والإدارة الأمريكية.

فيما يتعلق بالأكثر تأثيرًا بين الحليفين، رأى بشارة أن الإمارات استطاعت فرض رؤيتها التي تتبنى عقيدة سياسية تدعم الاستبداد في المنطقة، وهو المنطق الذي تأثر به ابن سلمان. ورغم أن فكرة حصار قطر كانت قائمة، لكن صعبة، فقد أصبحت ممكنة مع صعود الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، التي أعطت ضوءًا أخضر لأبوظبي والرياض للقيام بهذه "الخطوة المجنونة".

في سياق الحصار عينه، فإن هذه الخطوة التي ليس لها أي سبب عقلاني، سعت إلى فرض إملاءات سياسية على الدوحة، وهو ما يجعلها ترفض ذلك، رغم رغبتها بالمصالحة. مع ذلك، فإن الحصار دفع إلى جو زهو وانتشاء بالصمود، والتماسك الوطني، والعلاقة بين المقيمين والمواطنين، والإدارة الدبلوماسية للأزمة في قطر.

مستشهدًا بفشل الحرب على اليمن، أوضح عزمي بشارة  كيف أن النزعة نحو المغامرة والاستهتار والنمط الاستبدادي، جعل محمد ابن سلمان يدفع الثمن، ويلاقي تنديدات دولية

بالحديث عن السعودية، يبين مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنها تمر بمرحلة تحول، حيث إن النمط الذي كان يحكمها والقائم على تراتب عائلي، أو إقطاع سياسي، آل إلى نظام ملكية مطلقة، عادًا أن المشكلة تكمن في نظامها الأوتوقراطي ونزوع المغامرة والمزاجية لدى ولي العهد محمد بن سلمان، مشككًا بالإصلاحات، التي يتم تغليفها بقمع للمصلحين أنفسهم، والتي لا تتضمن أي لبرلة، لأنها بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان والمشاركة السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: حول القدس بإيجاز شديد

مستشهدًا بفشل الحرب على اليمن، أوضح بشارة أيضًا كيف أن النزعة نحو المغامرة والاستهتار والنمط الاستبدادي، جعل محمد ابن سلمان يدفع الثمن، ويلاقي تنديدات دولية. مع ذلك، فإنه ما زال ينحو نحو مزيد من القمع، ملغيًا حتى هامش التفاوض الذي كان متاحًا في السعودية.

ومع محاولات السعودية التدخل في شؤون الدول التي تشهد حراكًا ديمقراطيًا مثل تونس، فإن الإدارة السعودية لم تتعلم الدرس، وتسعى دائمًا إلى محاربة الديمقراطية والتغيير، فيما بين بشارة أن هناك تراجعًا تكتيكيًا في السياسة السعودية، بسبب الضغوط الدولية، دون تغيير حقيقي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة.. تعرية ديمقراطية إسرائيل المتناقضة

ما وراء حملة الإعلام الإماراتي والسعودي ضد عزمي بشارة؟