23-فبراير-2021

عزمي بشارة وكتابه "في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟" (ألترا صوت)

أعاد المفكر العربي عزمي بشارة في كتابه "في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، طرح مصطلح "السلفية" في سياقٍ نقدي، بهدف تفكيكه وتدقيقه وتقديم فهمٍ عميق له، يتصدى للمفاهيم السطحية والاختزالية الشائعة حوله، لا سيما خلال العقدين الأخيرين.

يُفرّق بشارة بين السلفية والأصولية، ويرى في اعتبار الأخيرة مفهومًا متماهيًا مع السلفية، ومرادفًا للحركات الإسلامية أيضًا، ضلالًا معرفيًا وبحثيًا كبيرًا

ويحيل تفكيك المصطلح وتدقيقه، إلى معاني تتجاوز الفهم المبسط للسلفية، باعتبارها، وفقًا لأبسط تعريفاتها، عودة إلى الكتاب والسنّة ونبذ البدع والمحدثات، إذ يرى بشارة أن الحفر في هذا التعريف الموجز، يبيّن لنا أن السلفية ما هي إلا معطى تاريخي بحت، يُعبّر عن وجود سلفياتٍ سنية وشيعية متعددة، وليس سلفية واحدة، وأن هذه السلفيات نفسها، في الوقت ذاته، تنطوي على أخرى يمكن عدها سلفيات فرعية، أو حتى مدارس سلفية.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. عن راهنية الديمقراطية ومعضلة نظريات التحديث

"السلفية" بين التبسيط والترسيمات الجاهزة

يشير المفكر العربي في مطلع كتابه إلى الأخطاء الشائعة عند البحث عن معنى السلفية والإسلام، بل وحتى الإسلام السياسي أيضًا، بهدف فهم تنظيماتٍ تُحسب عليها، مثل تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة. ويتمثل الخطأ الأول في تجاهل حقيقة أنه من غير الممكن اشتقاق تنظيم مثل "داعش" من الإسلام، بـ "أل" التعريف، إلا في حال إسقاط تصوراتنا على وقائع وتواريخ مختلفة، وجمعنا تصوراتنا الاستجماعية هذه تحت تسمية "الإسلام السياسي".

ويؤكد هنا أنه لا يمكن فهم هذه التنظيمات، إلى جانب ما يرافقها عادةً من ظواهر مختلفة، بغير فهم السياق الاجتماعي والثقافي الذي تكونت وصعدت فيه من جهة، والصراع بينها وبين النظم السياسية في الدول الإسلامية ذاتها من جهةٍ أخرى، وليس بين: "الإسلام والغرب إلا بشكل استطرادي مبني في أيديولوجيا تلك التنظيمات على أن النظم الحاكمة تلك متماهية مع الغرب أو متكيفة معه، أو هي نظم الغرب" (ص 10).

يضاف إلى الأخطاء أعلاه، الانصراف عن الحفر في التاريخ الذي يرى بشارة أنه يأتي، غالبًا، بنتائج مخالفة، وأحيانًا مناقضة، للترسيمات الشائعة عنه، وهو خطأ وقعت فيه الدراسات الشرق-أوسطية المعاصرة، إذ تخلت عن الحفر التاريخي في المؤلفات الكلاسيكية الإسلامية، ذلك الذي قامت عليه دراسات المستشرقين، بغض النظر عن مدى سلامة استنتاجهم.

ويحيل هذا الخطأ إلى آخر يكمن في تجاهل ما أنجزته تلك الدراسات الاستشراقية الكلاسيكية، على اختلاف نتائجها ودقتها. وبحسب مؤلف "في المسألة العربية"، يتعلق الأمر هنا بمواصلة: "الجهل الحقيقي لبعض تلك الدراسات بالنصوص التاريخية، وبأصول المفاهيم التي يدرسونها. فالمستشرقون المعاصرون المضادون للاستشراق، في الظاهر وبحسب الادعاء، يجهلون المؤلفات الكلاسيكية الإسلامية ولا يقرأونها، بل وغالبًا لا يقرأ البعض منهم مؤلفات الباحثين العرب المعاصرين، إذ انتقلوا، غالبًا، إلى دراسات إقليمية موجهة إلى القراء الغربيين أو صناع القرار في الغرب أو لهم جميعًا" (ص 11- 12).

مثّل السلف عند المدرسة السلفية الإصلاحية نقطة انطلاق مرجعية للتقدم، على عكس المدرسة الوهابية التي اتخذت منهم نقطة عودة وانكفاء

يحدد بشارة اختلاف ما أنتجه المستشرقون الكلاسيكيون عمن جاء بعدهم بقوله إن ما قدمه الطرف الأول يتمتع بقيمة علمية مستقلة، في إطار تقديم خبرة أكاديمية لدوائر صناعة القرار المعنية بالشرق، على عكس نتاج الطرف الثاني، اللاحق، الذي أفرزته العودة إلى مختصرات أو ترسيمات جاهزة ونصوص منتقاة.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة عن دراسات الانتقال الديمقراطي.. مقارباتها وتقاطعاتها النظرية

وهنا، يبيّن المفكر العربي مشكلته مع الاستشراق، لجهة الحديث عن الإسلام عمومًا، والسلفية خصوصًا، بقوله: "إن الدراسات الاستشراقية محصورة معرفيًا بالنظرة النمطية، أو وجهة النظر التي تبني ثنائية شرق/غرب، على فوارق جوهرية معرفية، بل ممزوجة بالنزعة العرقية، والتي تخللت التاريخانية وعلوم الاجتماع واللغة والأنثروبولوجيا على الخصوص، أو ترى الإسلام (بـ "أل" التعريف)، كائنًا قائمًا بذاته، ومركبًا في الظواهر وثابت الجوهر، يحول المسلم إلى (كائن ديني) فحسب" (ص 12).

ولكن هذا الوصف لا يشمل جميع الدراسات الاستشراقية، إذ يؤكد بشارة على ضرورة التمييز بين الدراسات القائمة على التسطيح والتبسيط، في تناولها للسلفية، والدراسات الرصينة العلمية والمستقلة، مع التأكيد هنا على أهمية نقدها على الصعد المعرفية والمنهجية والبحثية المختلفة.

عن العلاقة بين السلفية والأصولية والمماهاة بينهما

يُفرّق صاحب "المجتمع المدني" بين السلفية والأصولية، ويرى في اعتبار الأخيرة مفهومًا متماهيًا مع السلفية، ومرادفًا للحركات الإسلامية أيضًا، كما قدّمته الأدبيات الشرق-أوسطية المعاصرة؛ ضلالًا معرفيًا وبحثيًا كبيرًا. فالأصولية، كما يبيّن بشارة، مفهوم مستورد من تسمية كنائس بروتستانتية عادت إلى أصول الدين لمواجهة الحداثة، أوجدته كُتيبات سجالية تضمنت معالجاتٍ فكرية الهدفُ منها الدفاع عن المسيحية وعقائدها، في مواجهة التحديات المختلفة التي تواجه البروتستانتية، مثل الشيوعية والليبرالية والداروينية وغيرها.

وتجري هذه العودة إلى الأصول، بحسب بشارة، في ظروف: "تغيرات اجتماعية كبرى، تتضمن رغبة في الحفاظ على الهوية، أو إعادة إنتاجها في مواجهة الجديد الذي ينتج عن التطور في حالات، أو لغرض التطور والتكيف مع المتغيرات من دون التنازل عن الأصول، بل بتطهيرها مما علق بها" (ص 14-15). إنها، بجملة أخرى، وبحسب تعريف مركز مشروع بحث الأصولية في الأكاديمية الأمريكية: "استراتيجيا أو استراتيجيات يحاول عبرها مؤمنون واقعون تحت الضغط أن يحافظوا على هويتهم المتميزة بوصفهم شعبًا أو جماعة" (ص 15).

لا يمكن اعتبار العلاقة بين السلفية والوهابية علاقة ماهوية، كما تشيع التبسيطات الرائجة، وإنما هي، وكما يوضح بشارة، علاقة إشكالية تمامًا

وعند المقارنة بين هذا المفهوم، والمفهوم الكلاسيكي الراسخ لـ "الأصولي"، يتضح أنهما مفهومان متعارضان تمامًا، لأن "الأصولي"، بما هو مفهوم قادم من خارج العلوم الاجتماعية كما يبيّن بشارة، يُنسب إلى علم أصول الفقه أو أصول الدين، وهو مصطلح يقوم على الاستقلال والرأي في ضوء الأدلة والأصول، وليس على الاتباع وإعادة إنتاج التقليد، مما يعني أن مفهوم "الأصولي" الراسخ في الفكر الإسلامي، يختلف تمامًا عن مفهومه في الاستخدام المعاصر والرائج لمفهوم "الأصولية".

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة يجيب: هل من ملفٍ قبطي في مصر؟

سلفية أم سلفيات؟

يتسم تاريخ مفهوم السلفية بالتعقيد الذي راكمته عوامل وأسباب مختلفة، منها عدم التوافق، أو الإجماع، على تحديد معنى السلفية ذاتها: "هل السلفية مرحلة زمنية مباركة وفق تعبير محمد سعيد رمضان البوطي، لا مذهب إسلامي؟ أم هي مذهب فقهي واعتقادي في وقتٍ واحد؟ أم هي مذهب اعتقادي فحسب؟ أم هي نزعة موجودة في شتى الاتجاهات المذهبية الإسلامية حنبلية وغير حنبلية؟" (ص 16).

تُحتم هذه التساؤلات الحديث عن سلفيات مختلفة لا سلفية واحدة، وتشير أيضًا إلى الالتباس القائم في معنى مصطلح السلفية الذي كان، بحسب تعبير بشارة، أشد التباسًا في معناه حتى من الأصولية، قبل أن يستقر فيما بعد على تعريفٍ يراه ضيقًا نسبيًا، لكونه يختص بتيار ديني مذهبي اعتقادي محدد، ويستوعب، خصوصًا خلال العقدين الأخيرين، من الظواهر التي تُسمى سلفية، ما يجعله أكثر ضيقًا وأشد التباسًا.

ويَعتبر بشارة أن هذا التعريف الذي يُقدّم السلفية كمفهوم يعني التزام القرآن والسنّة وحدهما، والاستناد إلى سيرة الرسول وأقواله وأفعاله والسلف الصالح، تعريفٌ مجمل. فإذا كان المعيار في ما يُنسب إلى السلف هو ما أجمعوا عليه، فإن ما أجمعوا عليه أساسًا فيه خلاف: "إجماع من؟ القرون المفضلة كلها أو ما يكثفه حديث (أهل القرون)؟ أم الصحابة وحدهم من دون التابعين وتابعيهم؟ وإذا قيل القرون المفضلة كلها، فهناك خلاف في تحديد معنى القرن: أهو مئة عام؟ أم هو الجيل؟" (18).

يمكن إذاً اعتبار انصراف السلفيين عن التدقيق في معنى السلف وما يعتبرونه محل إجماعهم، وتجاهلهم لحقيقة الخلاف القائم فيه، وتفضيلهم للإطلاقات العامة، مثل: قال السلف، وفعل السلف، وهذا هو منهج السلف؛ من أهم أسباب الالتباس القائم في تحديد معنى السلفية والتبسيطات الرائجة حولها.

تتفق التيارات السلفية، غالبًا، على أن انقسامها ليس عقديًا وإنما متعلقًا بقضايا الاستراتيجيا، مما يعني أن الخلاف سياسيًا وليس عقديًا

ويمكن أن نضيف إلى هذه الأسباب، استخدام مصطلح السلفية للتدليل على المحافظة والارتداد إلى السلف أحيانًا وللتدليل على الحفاظ على الهوية في أحيانٍ أخرى، إلى جانب ترويج الدراسات العربية والشرق-أوسطية، أو ما يصفه بشارة بـ "السوق البحثية لدراسات الإسلام"، أن المصطلح يخص نمط تدين متزمت في الجزيرة العربية، بينما هو في واقع الأمر ليس خاصًا بها فقط، وإنما يشمل العالم الشيعي أيضًا، مما يعني أنه ليس سنيًا فقط، بل شيعي أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة "في الإجابة على سؤال: ما الشعبوية".. مصادر المفهوم ومساراته

أشاعت الأسباب أعلاه، بتعزيزها للالتباس القائم في معنى السلفية، تبسيطاتٍ مختلفة، ربطت بعضها بين السلفية والأصولية، كما رأينا سابقًا، وأشاعت بعضها علاقة ماهوية بين السلفية والسلفية الوهابية التي يرى بشارة أنها، خلافًا لسلفية أهل الأثر القدامى من "أهل الحديث"، أو "أهل السنة والجماعة"، في القرن الثالث وما بعده، وكذلك خلافًا لسلفية ابن تيمية في أواخر القرن السابع والربع الأول من القرن الثامن الهجريين؛ تميزت بمماهاتها بين السلفية والحنبلية، فهي: "سلفية ما بعد أحمد بن حنبل التي أعادت تخيل أحمد بن حنبل وجعلته هو نفسه حنبليًا، كما فعلت أشعرية الأشاعرة بعد أبي الحسن الأشعري، والشيعة الأمامية بعد الإمام السادس جعفر الصادق وسلسلة الأئمة" (ص 16-17).

ويلفت المفكر العربي الانتباه هنا إلى أن "المتخيّل"، ضمن هذا السياق، لا يعادل بالضرورة شيئًا زائفًا مختلقًا، بقدر ما يعادل عملية إعادة تركيب المفهوم أو إعادة بنائه أيضًا، بحيث يكون فيه: "مفهومًا جديدًا، ويسهم في صناعة معناه من جديد، غير أنه يحيل على تجذر في ما سبقه على غرار ديناميكية الأفكار في تاريخ الفكر، تمد لها جذورًا في ما سبقتها، لتأصيل نفسها" (ص 17).

وعلى عكس ما أُشيع حول العلاقة بين السلفية والوهابية من تبسيطاتٍ قدّمتها على أنها علاقة ماهوية، يرى بشارة أنها في واقع الأمر علاقة إشكالية، إذ تمثل الوهابية فيها: "استعادة تخيلية لنسخة محددة من السلفية هي السلفية الآثارية أو الحنبلية "وحين نقول الحنبلية فنحن نعني حنبلية ما بعد أحمد بن حنبل؛ هذه الحنبلية التي أعادت الوهابية تخيله وبَنَت أقواله وأخباره أو ما نسب إليه، وهي أخبار لا تخلو من تعارض وتعدد، فغدا مذهب الحنابلة مذهبًا عقديًا وفقهيًا في آنٍ معًا" (ص 19).

يميز صاحب "ثلاثية الدين والعلمانية في سياق تاريخي" أيضًا، بين السلفية الوهابية والسلفية الإصلاحية، وأساس هذا التمييز، أو دافعه، هو تأييد السلفية الإصلاحية، أو بعض وجوهها، مثل محمد رشيد رضا، للسلفية الوهابية باعتبارها تيارًا أو حركة إصلاحية تحارب البدع والشوائب والمحدثات والعادات المنتشرة في التدين الشعبي، مما يضعها، افتراضيًا، في مسار التيارات الإصلاحية التي تُقرّ بمعارضتها لتلك العادات، انطلاقًا من فكرة أن في كل إصلاح ديني عودة إلى أصول الدين وإلى السلف الصالح، بهدف تنقية الدين مما علق به من شوائب تعد دخيلة عليه، بدعٌ وضلالات.

اتسم تاريخ مفهوم بالسلفية، كما يبيّن بشارة، بالتعقيد الذي راكمته عوامل مختلفة، منها عدم التوافق على تحديد معنى السلفية ذاتها

وعلى الرغم من التقاء السلفية الوهابية مع الإصلاحية في هذه المسألة، إلا أن الخلاف بينهما، كما يوضح بشارة، قائم في المسألة ذاتها أساسًا، إذ إن النموذج الوهابي للسلفية، وعلى عكس نموذجها الإصلاحي، جاء منغلقًا على ذاته ولم يتجاوز: "المذهبيات الفقهية بل ذوّب فهمه السلفي للإسلام في مذهبية فقيهة-اعتقادية، هي المذهبية الحنبلية المتخيلة، فتمذهب بدوره من حيث يدعي تجاوز المذهبيات الفقهية" (ص 25-26).

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة في الإجابة على سؤال "ما العمل؟" إزاء صفقة ترامب-نتنياهو

ويبيّن المفكر العربي أن أساس الاختلاف بين هذين النموذجين، يكمن في أن المدرسة الوهابية لم تبغض التقليد من منطلق أنها دعوة إلى الاجتهاد والتجديد ضد التقليد، وإنما من منطلق التعصب للماضي المتخيّل، وللدين البسيط كما تصورته، بل إنها اعتبرت أيضًا أن كل تجديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، إلى جانب معارضتها ووقوفها في وجه كل اجتهادٍ لا يتفق مع اجتهادها، وهو ما يعتبره بشارة موقفًا متناقضًا، واجتهاد ضد الاجتهاد.

السلفية الإصلاحية، وعلى عكس الوهابية تمامًا، تدعو إلى رؤية تتراوح بشكلٍ جدلي بين حماية الإسلام في لجة التقدم الحديث، وبين التوافق مع التقدم والتطور. وهي بذلك عودة إلى السلف ليس من حيث: "العودة إلى النصوص أو قضايا محددة فحسب، بل أيضًا إلى روح السلف بانفتاحهم وجهوزيتهم للتطور والاجتهاد. وتعني العودة إلى السلف التخلص من الانحطاط والخرافة والأسطورة، وفتح باب الاجتهاد للتقدم نحو المستقبل" (ص 27).

وبينما يمثل السلف عند المدرسة الإصلاحية نقطة انطلاق مرجعية للتقدم، فإنهم عند الوهابية نقطة عودة وانكفاء وإعادة إنتاج الإسلام الأول الصحيح المتخيّل. وهذا بالضبط ما يميز، جوهريًا، السلفية الإصلاحية عن السلفية الوهابية أو النجدية.

وفي سياق التمييز بين السلفيات، يتساءل بشارة عما هو مشترك بين سلفية علال الفاسي على سبيل المثال، وهي سلفية إصلاحية، وبين سلفية مقبل بن هادي الوادعي، بما هي سلفية وهابية، قبل أن يأخذ هذا السؤال إلى حيزٍ أشد اتساعًا: "ما المشترك بين سلفية الكواكبي والفاسي وكذلك رشيد رضا من جهة، وسلفية أبي قتادة الفلسطيني وأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية من جهةٍ أخرى؟" (ص 30).

يقول بشارة إن السلفية ما هي إلا معطى تاريخي بحت، يُعبّر عن وجود سلفياتٍ سنية وشيعية متعددة، وليس سلفية واحدة

تعود كلتا السلفيتين، بحسب بشارة، إلى إسلامٍ نقي مفترض أو متخيّل، ولكنهما عودتان لا يجمعهما جامع بحسب تعبيره، والسبب أن السلفية الأولى، الإصلاحية، ربطت عودتها إلى روح الإسلام النقية بتخطي عوامل التخلف واللاعقلانية في الحضارة الإسلامية، فيما تعود السلفية الثانية، الوهابية، إلى ظاهر النص فقط، وروح أخرى غير روحه ومقاصده الشرعية التي تقرأها من منظور "ماضوي" وليس من منظور "الماضي"، فتقوم بانتقاء نصوص: "تؤكد هذه الروح، وتنعزل فيها عن التطور والتقدم والمجتمع الحديث، أو لكي تنطلق منها في عملية انتقام دموي من الحداثة مجتمعاتٍ ودولًا، بل من الحضارة والمدنية عمومًا" (ص 31).

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "الثورة والقابلية للثورة": نظرية علمية لثورات الربيع العربي

وإذا كانت التيارات السلفية، على اختلافها، تجتمع على فهم مشترك للعقيدة، عبر التشديد على فهمها لعقيدة التوحيد، ورفض تحكيم المنطق البشري والعقل في تفاصيل العقيدة، فإنها تختلف في ما بينها في تطبيق أحكام الدين على القضايا والإشكاليات الحديثة والمعاصرة، لا سيما وأن التيارات تتفق، غالبًا، على أن انقسامها ليس عقديًا بل متعلق بقضايا الاستراتيجيا، مما يعني أن الخلاف، في جوهره، وكما يبيّن بشارة، سياسي وليس عقديًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عزمي بشارة.. نحو نظرية عربية في دراسة الطائفية

عزمي بشارة.. في تفكيك داعش