29-مارس-2018

تعرف المغرب هذه الأيام جدلًا ساخنًا حول قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث (Getty)

بعد جدل المساواة في الميراث بين النساء والرجال في تونس، يأتي الدور على المغرب الذي يعيش هذه الأيام جدلًا ساخنًا حول قضية المواريث، وذلك بعد أن أطلق مثقفون مغربيون، بينهم كتاب وجامعيون وفنانون وإعلاميون وباحثون في التراث الإسلامي، عريضة تطالب بإلغاء نظام الإرث عن طريق "التعصيب" من قانون المواريث المغربي، الخطوة التي أثارت غضب المحافظين في البلاد.

وقع أكثر من 100 مغربي ما بين مثقفين وكتاب وفنانين وإعلاميين وباحثين، عريضة تطالب بإلغاء نظام التوريث عن طريق التعصيب

والتعصيب هو قاعدة في فقه المواريث، تنص على أن كل وارث ليس له نصيب مقدر، وإنما يأخذ كل المال عند الانفراد أو ما تبقى من التركة عند وجود صاحب الفرض (أصحاب النصيب المقدر سلفا من الإرث)، ويسقط إذا لم يبق له شيء يقابله الإرث بالفرض، ويكون الإرث بالتعصيب للقريب الذكر، مثل العم وابن العم وابن ابن العم، ويقول البعض إن هذه القاعدة لا أساس لها في القرآن.

اقرأ/ي أيضًا: المساواة في الإرث بالمغرب.. جدل وتكفير

أصحاب النداء الموقعون على العريضة ومن بينهم شخصيات بارزة مثل الوزير السابق الحسين الوردي، والكاتب محمد الأشعري، والناشطة الحقوقية خديجة الرياضي، والأستاذ الجامعي محمد الطوزي؛ عللوا دعوتهم بكون قانون المواريث الحالي "يعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبًا مقدّرا معلومًا يسمى (فرضًا)، ما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام و أبناء عم، وإن بعدوا".

ويرى مؤيدو العريضة، أن التوريث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه، حيث كان النظام الاجتماعي نظامًا قبليًا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة، إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها. بعكس العصر الحالي، حيث تغيّر السياق الاجتماعي وأصبحت الأسر المغربية في الغالب نووية، بل صارت النساء يساهمن في إعالة أسرهن، و في أحيان كثيرة يكنّ المعيلات الوحيدات.

وفي تدوينة على فيسبوك، أوضح محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في التراث الإسلامي وأحد الموقعين على العريضة الداعية لإلغاء قاعدة التعصيب في المواريث، أن "التعصيب المقصود بالنداء والعريضة، لا يشمل كل أنواع التعصيب، بل يهم حالات التعصيب التي يقع فيها على المرأة ظلم بيّن لا يمكن الاستمرار في قبوله، ولا التبرير له باجتهادات قديمة تغيرت كل السياقات المحيطة بها تغيرًا جذريًا وكبيرًا"، ثم شرع في تحديد هذه الحالات.

وفيما استقبل البعض هذه المبادرة بشكل إيجابي واعتبرها "خطوة إلى الأمام في طريق إنصاف المرأة المغربية"، عارضها قطاع واسع، تحديدًا من التيار الإسلامي الذي رأى فيها محاولة لإلغاء "حد من حدود الإسلام"، حيث علّق الشيخ السلفي حسن الكتاني على المطالبين بتعديل إلغاء نـظام الإرث في الشق المتعلق بالتعصيب، قائلا: ''هؤلاء القوم مُصرّون على الخوض فيما لا يعنيهم، وأصبح واضحًا أنهم يسيرون على نهج العلمانيين من الغرب ويفعلون ما يقال لهم ويرددون صدى الطبل الذي يطبل في أوروبا''.

من جهة أخرى، يذهب قسم ثالث إلى أن هذا النقاش من أصله لا يناسب المرحلة الحالية، التي تحفل بأولويات أكثر حاجة للنقاش فيها مثل الفقر والقهر والجهل الذي تعيشه البلاد. وفي هذا السياق تقول المدونة الصحفية مايسة سلامة الناجي في منشور لها على فيسبوك: "نعم النضال لأجل المساواة في تقسيم إرث ثروات الوطن أولى من نضال التعصيب والمساواة في الإرث العائلي"، مضيفة: "سيأتي وقت سنناقش الإرث، ولكن حين نناقش الثروات ونسترد منها حقوقنا وصحتنا وتعليمنا وتنوير عقولنا".

وتصاعد جدل المساواة في المواريث بالمغرب، على إثر تقديم أسماء لمرابط -باحثة في مركز الأبحاث والدراسات النسائية في الإسلام، التابع لما يعرف باسم الرابطة المحمدية لعلماء المغرب- استقالتها بعد أن دعت خلال كلمة لها في ندوة بالرباط إلى تعديل مدونة الأسرة فيما يخص المواريث، مطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل في الإرث. وهو التصريح الذي جرّ عليها هجمة شرسة من الوسط الديني أجبرها على الرحيل من هذه المؤسسة الدينية الرسمية.

قوبلت عريضة إلغاء التعصيب في الميراث، بمعارضة قطاع واسع من المغربيين، خاصةمن أوساط التيار السلفي

وإلى حد الآن لم يدخل نقاش الميراث قبة البرلمان المغربي، رغم احتدامه على مستوى الرأي العام، فيما اكتفت وزارة الداخلية بتنبيه مصالحها، من أجل رصد وتتبع التفاعلات الصادرة حول موضوع المساواة بين الجنسين في الإرث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

موقف هادئ من المساواة في الميراث بين الجنسين

مشاكل الميراث تهدد بيوت الجزائريين