04-أكتوبر-2018

كالا كاثا/سريلانكا

" يحق لي أن أحلم، أن أراقص هوسي بالشهرة، أن أصادر الماضي البائس وأدوس خلية المبادئ والشعارات المزرية وأمضي صوب العاصفة في مسلك دون تقاطع  ولن أظل منكفئة في ركن ناء أنتظر تقاطيع السماء حتى ينقشع الغيم و تطل نجمة سعدي...".

"أنت تخلطين الأمور يا عزيزتي، وخططك باطلة فالخديعة لا تدوم، في قلبك ينبت الصبار ومن خليط لاذع لتجاربك المريرة تهرعين ناحية الصواقع والخسارات".

ردت ريما مستنكرة بذهول عميق ما اقترفته رفيقة دربها من خطأ فادح وهي تصدح بكل هذا الهراء.

وهزت أسماء كتفها بعنفوان وكبر لتهدأ من انفعالها وتكتم صوت الحكمة الذي ما فتئت ريما تلقنه لها لكنها تأبى أن تنصاع لها رغم ما تكنه لها من محبة وهي التي لم تفارقها إلا قليلا منذ دراستها الجامعية بمعهد الصحافة وعلوم الاأخبار.

واستدركت قولها "كفّي عن محاضراتك الركيكة  فقد مللت نصائحك العقيمة وانظري حولك...العالم يتغير، لست أدري الى أين لكنه يبحر كما شاءت الريح دون بوصلة، لكن يكفينا الوصول إلى بر الأمان دون جزع ولا مواربة ولا تضحيات جسيمة... قد أصل قبل الأوان إلى عرش لا يطاله إلا المتفردون أمثالي أصحاب العقول المدبرة لخارطة الولوج الى الرفاهة والصعود السريع".

قالت ريما بإشفاق مرير: "حسنا ... اصعدي وإن شئت لا تنظري تحت أبدًا لكن تذكري أنك بهذا تخربين إنسانيتك وتكبلين ذاتك بأعذار مبهمة ورهان قاتل... في قسوة العلاقات قد نخطئ حتما لكن نظل على قيد الوعي لمواجهة هزائمنا و دحر الفشل، وإن تهربين إلى الظلمة والسراب". 

هرعت ريما صوب الباب وأطبقته بقوة تسبقها خيبة قذفتها للحظة في مصعد العمارة لتتوارى عن كومة أفكار ثورية بكل فسفورها متجمعة حول أسماء، فتاة الهوامش والتجارب المبتورة التي طالما جعلتها في مأزق، فظنت أنها ضحية مثل حمامة كسيحة قصوا ريشها من جناحيها فتراخت وجزعت من خفافيش الليل وغربان النهار فكادت تزهق أنفاسها تحت ركام الماضي وتتكور كجنين في طريق ينعق فيه بشر قساة منهمكون في مشية "الزومبي" لا هم أحياء و لا أموات ولكنهم مصاصو دماء وسجناء الصمت بعيون زائغة ترصد فريسة جريحة. 

لقد أضحت في السابعة وعشرين ربيعًا، ذات جمال مغلّف بالتمرّد، جامحة في رغباتها، ومتعددة الأقنعة تليق بذاتها المتوهمة للانتصار. إنها تصنع استشعارها لكل تفاعلات البشر المحيطين بها، لها شرف البدايات في كل علاقة ترنو إليها بتعطش لتجرفها مطامع وشهوات تغمغم في تجويف أحلامها اللامتناهية نحو المجد والثروة وهي التي ترعرعت يتمية في معقل الحياة لا أب ولا حبيب ولا إخوة تصافحهم  بقلب طري يحرك يده في رحم الدفء لتندلق لطافة الأرواح وحرارة النفوس الشبيهة لبعضها البعض.
حتى يوسف توءم روحها وأول حب واهم، كان يلبس قناعا دنيئا... تركها بمفردها وهو يحملق في أصابع حملت له رزمة أوراق نقدية مقابل الاكتفاء بعشقها له والتواري إلى وجهة غير مكشوفة دون سابق اعتراف بجلده المسخ والكشف عن وجهه الاحتياطي حين يفرغ من الجزء الأخير في صفقة عاطفية، ليمضغ بين أسنانه قلبه الذي أفرغه من سهو الخفق وألبسه جلد ثعلب سميك بوقار المكر. 
"اذهبوا الى الجحيم"  

أضحت تصرخ داخلها وتقهقه بفكي عاهرة، لم تعد مذعورة بالاقتراب من أجساد انفلتت من وقارها وسطوتها وصارت مطاردة بفتنة أنثى تعدلّ نظراتها نحو الصاعقة لتلهو بين أحضان المتعة والممرات المختصرة لأهدافها المرتفعة كبخار عالق في مرايا صورتها العارية من ملامحها المرهقة ليستوطن في خلايا هجينة زرعتها بملء عذاباتها.

 لو أنها تتخلص من كآبة روحها وهذا السأم المفاجئ كلما خانت غربتها وتملصت من ذاكرة مقلقة تحدث فيها تلك الشروخ و الشعور بالقيء وهي في جموحها تفرغ كل ما بجوفها لتعوض بشاعة الهزيمة وذلك التعفن المستلقي في كل مكان تلجأ اليه كجثة متغطرسة. 

تعكر مزاجها و ظهرت له تلك الرؤى الثائرة ...لن يربكها أي شأن أو هاجس ولا رادع لها أمام فيض أحلامها ونزواتها، فهي لم تعد تخشى رصاص المجتمع ولا تمت له بأي صلة منذ أن اعتلت عرش الخسارات. قد شحذت صمودها لحظّ جارف وكارثي لا يقيها حتى من نفسها إنما يشطرها بين شقوق المجهول فلا تلتمس النجاة أو الغرق. 
 

اقرأ/ي أيضًا: 

ضوء عبر المحيطات 

قمر هارب من الحرب