02-مايو-2018

خليفة حفتر في عودته لليبيا بعد رحلته العلاجية (عبدالله دوما/ أ.ف.ب)

لم يكن  من سبيل أمام الجنرال الليبي الانقلابي خليفة بلقاسم حفتر، سوى الظهور مجددًا، وتكذيب الروايات التي راجت عن موته سريريًا، حتى لا يترك، على الأقل، هو وأعوانه بالخارج، فرصة للشعب الليبي، بأن يلتقط أنفاسه ويستكمل فصول الثورة التي رفعت شعارات الديمقراطية والحرية.

ربما قد يعني الغموض الذي اكتنف مصير حفتر، أن حلفاءه في مصر والإمارات كانوا قد قرروا التخلي عنه أو استبداله قبل أن يتراجعوا مجبرين

وظهر اللواء خليفة حفتر (75 عامًا) نهاية الأسبوع الماضي، في مقطع فيديو وهو يهبط من سلم الطائرة بمطار بنغازي بعد رحلة علاجية في باريس، بينما أحاط به أنصاره وجنرالاته، قبل أن يلقي كلمة قصيرة يطمئنهم فيها بأنه بخير. 

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: ميليشيا حفتر تختطف وتعذّب سودانيين في ليبيا

وركز حفتر في كلمته على محاربة ما أسماها بـ"الجماعات الإرهابية"، داعيًا للاصطفاف حول قواته. لكنه تجنب الإشارة إلى الثوار الليبيين والقوى السياسية الفاعلة التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي، وصنعت الثورة، ما يعني أنه يريد أن يستأنف دوره الانقلابي تحت دعاوى وحدة الأراضي والجيش الليبي، دون أن يكون مؤهلًا للقيام بذلك الدور، كما يرى المراقبون.

لم يعد خافيًا أن خليفة حفتر أداة طيّعة في يد الحكومتين الإماراتية والمصرية، ويحاول أن يستنسخ تجربة المشير عبد الفتاح السيسي في الانقضاض على الديمقراطية، إلا أنه يجابه عصف رياح من الداخل، ترفض كل أشكال الوصاية الخارجية.

المثير في الأمر، أن جهة ما سربت خبر إصابة حفتر بجلطة في الرأس، لا يستطيع بعدها العودة لممارسة حياته الطبيعية، وتعدى الحديث ذلك إلى مناقشة السيناريوهات المحتملة بعد غيابه الأبدي عن المشهد الليبي ومصير قواته. وطيلة أيام الغموض الذي اكتنف مصيره، لم يتبرع هو ولا الدول التي تدعمه في الخفاء أو في العلن، بمعلومة عن حقيقة وضعه الصحي. وتُرك الباب مواربًا لإثارة الجدل حول مرحلة ما بعد حفتر، وهو ما قد يعني أن فخًا مخابراتيًا نُصب لسبب ما، أو ربما لأن حلفاءه في مصر والإمارات شعروا بعدم جدواه في تحقيق أجندتهم، وقرروا بالفعل تغييبه أو استبداله، لكنهم تراجعوا في اللحظات الأخيرة خشية أن يفقدوا مرة وللأبد، موطأ القدم الوحيد الذي أتاحه لهم حفتر في الجماهيرية الليبيبة.

ليس ثوار ليبيا والقوى الحية وحدها التي تُعنى بتحركات وجرائم خليفة حفتر، وإنما حتى حكومات الجوار في السودان وتشاد وحتى المغرب، تعاني من آثار حروبه التي لا تنتهي، عوضًا عن دعمه العسكري للحركات السودانية المتمردة التي تقاتل إلى جانبه، كما هو الحال مع قوات مني أركو مناوي وعبد الواحد محمد نور وحركة العدل والمساوة. وتشير كثير من التقارير إلى أن حفتر يدعم  بعض حركات دارفور بالأسلحة لزعزعة الاستقرار في السودان، وتقاتل هي إلى جانبه، فيما تبادلت معه الخرطوم الاتهامات أكثر من مرة.

ليس ثوار ليبيا والقوى الداخلية وحدهم من يعانون جرائم حفتر، وإنما حتى دول الجوار، كالحال في السودان حيث يدعم حفتر متمردي دارفور

ورغم موجة العداء المتطاول بين حفتر وحكومة الرئيس السوداني عمر البشير، كشفت تقارير صحفية عن زيارة سرية قام بها وفد عسكري من قوات خليفة حفتر إلى السودان مؤخرًا، وذلك بوساطة مصرية إماراتية. 

اقرأ/ي أيضًا: أساطير الحرب والسلاح و"الأيادي الخفية" في دارفور

وقالت صحيفة الشرق الأوسط السعودية، إن الوفد، الذي ضم اثنين من كبار قيادات قوات حفتر، من بينهما عبد السلام الحاسي، قائد غرفة عمليات الكرامة التابعة لقوات حفتر، زار الخرطوم، والتقى مسؤولين أمنيين وعسكريين لبحث تحسين العلاقات الثنائية، وللتفاهم لحل ما وصفته بنقاط الخلاف العالقة بين الطرفين.

وقالت الصحيفة، نقلًا عن مصادرها، إن "الزيارة تمت على خلفية التقارب، الذي تم مؤخرًا بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير، ما ساهم في نجاح الوساطة المصرية لتقريب وجهات النظر بين حفتر والخرطوم".

وأضافت الصحيفة أن من بين الشخصيات السودانية التي التقاها الوفد العسكري الليبي "رئيس جهاز المخابرات السودانية الفريق صلاح قوش، بالإضافة إلى قيادات من الجيش السوداني"، رافضة الإفصاح عما إذا كان الوفد العسكري الليبي قد التقى الرئيس السوداني عمر البشير. وبالرغم من تلك التقارير التي تحدثت عن زيارة جنرالات من قوات خليفة حفتر للخرطوم، وربما حفتر نفسه زار الخرطوم سراً، إلا أن الصحف السودانية لم تشر إلى ذلك التقارب ولا تلك الزيارة.

المحلل السياسي والخبير في مجال حقوق الإنسان، عبد الناصر سلم، وصف الحقبة التي تلت سقوط القذافي وظهور قوات حفتر، بـ"الفوضى"، وقال سلم لـ"ألترا صوت"،إنه "حاليًا لا توجد حكومة مركزية في ليبيا"، مضيفًا: "لا يستطيع خليفة حفتر السيطرة على الأوضاع في ليبيا نسبة للقاعدة القبلية الضعيفة التي تتكون منها قواته، بجانب الدعم الخارجي الذي يحظي به لمواجهة المكونات السياسية والعسكرية الأخرى".

وأشار إلى أن القوات المتمردة السودانية، "وجدت في خليفة حفتر الحضن المناسب بعد سقوط القذافي"، قائلًا: "حركات دارفور تقاتل إلى جانب حفتر، وهو يوفر لها الدعم العكسري واللوجستي،  وقد ساعدته في احتلال الهلال النفطي".

واعتبر ناصر سلم، أن الدعم الذي يجده حفتر من دول عربية، في إشارة إلى مصر والإمارات على وجه الخصوص، مقابل إجهاض الثورة، والحملة على الجماعات الإسلامية. وأضاف: "هو يريد أن يحكم ليبيا بصورة شبيهة بالقذافي، لكنه لا يملك جيشًا قوميًا ولا يحظى بتعاون المكونات الاجتماعية الداخلية".

وأكد سلم على أن الأمريكيين "يسعون لاستقرار المناطق النفطية فقط، بينما فشل الأوروبيون بعد القذافي في إعادة الدولة إلى سابق عهدها"، مشيرًا إلى أن "أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا في غاية السوء، وتحديدًا في المناطق الشرقية التي تسيطر عليها قوات حفتر".

ولم تكن شخصية حفتر الانقلابية وليدة ساعات ما بعد الربيع العربي، وإنما حاول من قبل الانقلاب على العقيد القذافي، وبعد فشله، هرب إلى الولايات المتحدة، وذلك بعد أن كان أحد قادة جيشه وأسراه في الحرب مع تشاد. 

وبعد الثورة الليبية، والإطاحة بالقذافي، قرر الثوار إنهاء مطامع حفتر في قيادة الجيش، أو ليبيا الجديدة التي لا مكان فيها للرصاص والنياشين، وبالفعل تمت ترقيته إلى رتبة المشير وأحيل للتعاقد، لكن تلك نهاية أسوأ مما كان يتمناه، فظهرت عليه نزعات السيطرة والانتقام من الثوار.

حفتر ظاهريًا عكسري ينتمي للجيش القديم وباطنيًا يريد حلق لحية الثورة التي توهمها وفي أغلب الأحيان حصان خشبي تمتطيه قوى خارجية

ويحاول الجنرال الليبي خليفة حفتر، التنقل بخفة بين المحاضن الجغرافية والسياسية. في الظاهر هو رجل عسكري ينتمي للجيش القديم، وفي الباطن يريد أن يحلق لحية الثورة كما توهمها، وفي كثير من الأحيان، أو أغلبها، هو مجرد حصان خشبي تمتطيه قوى خارجية، ولا يخفي تمثله بالمشير عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري، لكنه وبقدر ما صنع تحالفاته في السر والعلن، ومع ذلك يصعب تخيله لاعبًا محوريًا في مستقبل ليبيا الجديدة بعد اليوم، أو الزعم بأنه يحظى بتأييد شعبي، أكثر من كونه جنرلًا انقلابيًا يمشي بحذائه الثقيل فوق حقل من الألغام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تلاعب دبلوماسي وعسكري.. ماذا يُجهّز السيسي لليبيا برعاية أبوظبي؟

رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا