03-فبراير-2016

مقاتل من قوات المقاومة يطل على عدن (الأناضول)

عدن مصدومة، تتخبط في حيرتها بعد حربٍ لم تكُن بانتظارها، هذا ما يقرؤه الزائر لعدن بعد حرب مليشيات الحوثي وصالح عليها. قد تسمع نقاشًا في الباص، عن الإجراءات الأمنية، أو قد يسألك سائق التاكسي، عن رأيك في التفجير الأخير، و"تحليلك لما يجري في تعز؟" وفي أي مكانٍ قد تزوره، ستسمع عن تفجيرٍ أخير، أو حادث إرهابي، أو عمليات مداهمة، وستجدُ غالبًا من يناقشك عنه.

لم يفقد أهل عدن حاسة التضامن مع الضحايا رغم ما عاشوه، ورغم ارتفاع وتيرة التفجيرات الانتحارية في مدينتهم

رغم ارتفاع وتيرة التفجيرات الانتحارية والعبوات الناسفة في عدن، إلا أن قلق سُكان المدينة الذين لم يفقدوا حاسة التضامن مع الضحايا رُغم قسوة ما عاشوه، ليس بشأن التفجيرات والأعمال الإرهابية التي يعتقدون أنها لن تدوم طويلًا، بل يتركز، في أن يؤدي الوضع الهشّ إلى الانفلات والفوضى مع انتشار السلاح في أيدٍ لم تعتد حمله، والخوف من الاختراقات، الواقعيَّ منها وغير الواقعيّ، وتوظيفها لإثارة الفوضى وعودة قوات الحوثي وصالح في غزوةٍ جديدة! البعض يؤمن حقًا بهذا.. لذلك تسود نبرة التحذير والحرص في خطابِ الأغلبية هنا.

تستحوذ مجاميع المقاومة على مناطق مختلفة في عَدن، وتختلف هذه المجاميع في انتماءاتها، لكنها متأثرة إلى حدٍ كبير بخطاب الحراك الجنوبي، علينا أن نقول إن قطاعًا واسعًا من المقاومين من أبناء عَدن قد عادوا إلى منازلهم بُعيد الحرب، لكن البعض الباقي، مضافًا إليه، المقاومين من الحزام الجغرافي المُحيط بعاصمة اليمن الجنوبي سابقًا، والحكومة الشرعية حاليًا، ما زال مرابطًا في مواقعهِ، حتى تحقيق المطلب الأبرز للحراك الجنوبي: "فك الارتباط، وقيام دولة الجنوب"، وما يسبق ذلك من استحقاقات فردية وفئوية، تفرضها منّة هؤلاء على مجتمع لم يكن أقلّ منهم فداءً وتضحية!

ورُغم الدأب الذي تبذله القوى الفاعلة وما تبقى من المجتمع المدني في استعادة عَدن، أو لأقل محاولة تجاوز تداعيات المحنة التي مرت بها، تجد المدينة المفتقرة لمرجعيات وبُنى ما قبل الدولة، مختطفة لصالح الجاهز: يستعيد الإرث المتضعضع للقبيلة والعشيرة والمنطقة في الجنوب أنفاسه، ويظهر خطاب الفرز الجهوي والمناطقي، الشماليون هم المعنيون به، وأبناء تعز وإب على وجه التحديد، لكن تأثير هذا الخطاب على الوعي المديني لسُكان عدن، ما زال في الإطار الشكلي، ولم يتمكن بعد من إيجاد اختراق حقيقي في سلوك المواطن العدني، بل العكس هو ما يظهر في حالات كثيرة.

هذا الخطاب الوافد، ساهم كثيرًا في التحريض على سكان المدينة من "الشماليين"، وبالتحديد، القادمين من تعز وإب، يتساوى في ذلك المقيمون منذُ سنوات، أو أسابيع، فكل تعزيّ على وجه التحديد، هو مشتبهٌ به حتى يثبت العكس، لذلك، فإن أسهل إجراء يتخذ عندما يحدث عمل إرهابيّ، القبض على المارة والباعة والعمال الشماليين في مكان الحادث كمشتبهٍ بهم، يقضي العديد منهم أسابيع قبل أن يعرف ذووهم مكانهم، قد يُفرج عنهم بضمناء من أبناء عدن، لكنهم يظلون محلّ شُبهة واتهام.

يظهر في عدن الآن خطاب فرز جهوي ومناطقي، الشماليون هم المعنيون به، وأبناء تعز وإب على وجه التحديد

عند تعيين القياديين في الحراك والمقاومة الجنوبية، عيدروس الزبيدي وشلال شائع، في منصبين تنفيذيين، هما محافظ المحافظة ومدير الأمن، وقع الاثنان في اختبارٍ أخلاقيّ صعب، لمواجهة هذا الخطاب المتصاعد والخطير، والذي تبناه الحراك الجنوبي الذي يعتبر الاثنان قياديين بارزين فيه، حيث عمدا إلى طمأنة الناس، "من يقف مع المقاومة، مُرحبٌ به في عدن"، واقعًا؛ لا يبدو هذا سهلًا، لكنَّهُ لا يُشكل أولويّة في ظلِّ وضعٍ أمنيٍّ خطر بحسب تقييم كثيرين هنا!

في المقايل والملتقيات الاجتماعيَّة، يسيطر الشأن العام على النقاش، ستلحظ ارتفاعًا في مستوى الحدس والشعور بالواقع كرستهُ الحرب، لكن ستجد تفسيراتٍ مُختلفة، وبعضها غريب، لطبيعة ما يجري، هناك انغماس في الخصوصية الجنوبية على حساب تحليل الفرص والتهديدات بشكلٍ منطقيّ، وثمة تهويلٌ أيضًا لقوّة الخصم "مليشيا الحوثي وصالح"، ورعونة تفتقر للخُبث والدهاء، فغموضُ هذا الخصم، ووحشيته، يجعلُ وعي البعض مستفزًا وعاجزًا عن الفهم، قبل أن يُصبح يائسًا من ذلك.

يوازي ذلك، طوباوية نظريَّة لدى اللائذين برثاثة الأيديولوجيا من النخب المنكفئة، وبين هذا وذاك، تتصاعدُ فُرص المُزايدين، المستفيدين من رُهاب المُشككين ونزقهم الفَزِع، ومن طوباوية الحالمين بعيدًا عن مقتضيات اللحظة، ومع محاولة الحكومة الشرعيَّة "الغائبة" لفرض حضورها على المشهد، يُصبح هؤلاء، رقمًا صعبًا في صياغة حاضر المدينة التي أصبحت شواطئها خاليةً أو تكاد، وتنام في الثامنةِ مساءً.

اقرأ/ي أيضًا:

إنسان بلا ماركة لكنه باهظ التكلفة

الحرب مقابل السلام