22-أبريل-2020

هنا القدس العربية (من الويب)

قد يكون من المفيد لباعة شركة فورد وعربات النقل خاصتهم المعروفة بـ"ترانزيت"  توظيف اسم منتجهم وتداوله صحفيًا. لكن لا بأس، هذه المرة فقط، لا تصالحًا مع أهل مراكمة فائض القيمة وإعادة إنتاجه ومراكمته، بفهم نقد الاقتصاد السياسي الماركسي الكلاسيكي الخالص، إنما لضرورة ما استدعاها هدير الترانزيت. خاصة أن تلك العربة الشاسعة بحجمها الكيوبمتري وشراسة أداءها الممهورة بنغمة محرك الديزل شديد الشحرجة حققت ما حققته في وعي جيل بحاله هنا في فلسطين المحتلة باستمرار، لكن ليس أبدًا. حتى أن أي عربة نقل/فان كثيرًا ما يطلق عليها كنية ترانزيت، بغض النظر عن صانعها ونوعها.

أن تكون سائق فورد ترانزيت، هذا يفرض شجاعة من نوع نادر، ومواجهة مع السلطة الاستعمارية في فلسطين يتبدى ما تيسر من ترجماتها في أرض الممارسة والنزال، وإلا فلن تفلح

بدأ إنتاج هذه الطبعة من عربات النقل متعددة الأغراض عام 1965 بتدخل فرنسي فرض ضرورات غير أمريكية على طابع المنتج. كما يمكن أن تكون مركبة نقل عمومي، بضائع، أو حتى منزلًا متنقلًا، لا بأس بخصوص مقصد الغرض ومفاده من اقتناءها وقيادتها، فالمقاصد كثيرة هنا، وليست خيرية بالضرورة.

أما عن "المقاصد الخيرية" في القدس المحتلة، فهذا مشفى يستحق التوقير وإبداء سلام حقيقي للقائمين عليه، خصوصًا في حقبة الفارس كوفيد التاسع عشر، بتعبير الناجي منه أبو غابي. وما تفعله سلطات الاحتلال وورثة فاشية تيدي كوليك في قدس الأقداس التي لنا، بل لا تفلعه للدقة، في التعاطي مع ملف الوباء في القدس تحديدًا. فلا يخفى الاستلهام الاستعماري لبطانيات المجرم كريستوفر كولمبوس  والجنرال كورتيز لدى قيادة التطهير العرقي الصهيوني المستمر في هذا الملف. لربما تكون هذه لفتة كافية لتذكير جهاز السلطة الفلسطينية بتقصيراته  في سداد مستحقات المقاصد والسانت جون وأخواتهن من مشافي القدس العربية.

في ثمانينات القرن 20 اتسع تداول هذه العربة في فلسطين المحتلة، بداية لخدمة مرتزقة جهاز حرس الحدود الإسرائيلي، على وجه التحديد في مدينتي القدس والخليل، وأيضًا جهاز شرطة الاحتلال. بشكل مواز لهذا التداول بدأ تسربها إلى السوق الفلسطيني، لتحل في محل ترميز تفوق على غائيتها الاستعمالية حتى، مشتبكًا مع وقائعها الاستعمارية وضروراتها. كيف ذلك إلى حد ما؟!

أن تكون سائق فورد، هذا يفرض شجاعة من نوع نادر، ومواجهة مع السلطة الاستعمارية يتبدى ما تيسر من ترجماتها في أرض الممارسة والنزال، وإلا فلن تفلح. في باب الوفاء لروح شهيد نادر بمساره، معتز زواهرة، الذي يحضر مشهد مغادرته من خلف عجلة "الضبط والسيطرة" بالترانزيت للاشتباك، بالحجارة والمولوتوف مع مرتزقة الاحتلال أينما ظفر ساحة مواجهة مفتوحة معهم، حتى خلال ساعات العمل/النقل الرسمية ابتغاء للخبز. هكذا تترجم أولوية الكرامة والحرية على الخبز حتى بقوة ضرب مثل لا تتوقف عند الراحل معتز زواهرة فقط الذي استمر بتكرار المشهد حتى تلقى الضربة القاضية في المباراة غير النهائية.

تحضر قوة ضرب المثل الترانزيتية في مئات مشاهد الاشتباك بالمفكات والسكاكين والهراوات والأيدي في ساحة موقف المصرارة وباب البريد وحولها مقابل باب العامود/دمشق في القدس، بين قادة الترانزيت ومرتزقة الاحتلال، شرطة وضريبة دخل ورجال أمن، كلهم في سلة واحدة.

من يعلم أن المناضل حمدي قرعان، لطالما اشتهر بكنية حمدي الفورد، لشدة تعلقه وطول سنوات قيادته لهذه المركبة، يعلم أيضًا أن حمدي الفورد عندما استهل كاتم الصوت ليضع في رأس السفاح رحبعام زئيفي ما استحق من طلقات لم تغب عنه عربة الترانزيت، بل أنه نشر بعضًا منها هنا وهناك حول فندق حياة ريجينسي في القدس لغايات التحوط والفرار بعد إتمام مأثرته.

ختامًا، لا بد عن الإشارة إلى اللذة المشتهاة كواسطة بين المعرفة والإرادة التي يحققها ضجيج حشرجة محرك ديزل الترانزيت وقهقته المتصاعدة، خاصة قبل عصر "التيربو" وصفيره، في رؤوس وأمزجة متنوعة كثيرة في فلسطين حتى رفقة ضربات إيقاع أغنيات المزراحيم. هذه الإشارة تتبدى وتترجم عند مشاهدة واجهة الترانزيت كيف أطلت هذا الصباح على حاجز الكونتينر، الذي يقطع أوصال الضفة الغربية شمالًا وجنوبًا بالتزام حرفي بعقيدة زئيف جابوتنسكي وستاره، بعفوية مألوفة وإصرار على إتمام المهمة النضالية. لتقف عجلة الفورد ترانزيت فقط  من أجل قول أنها مستمرة، تمامًا كما روح مقاومة الشعوب. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحاجة للوجه ذو الندبة

القدس.. عاصمة المولوتوف العرب