01-نوفمبر-2020

النَّاقد والمفكِّر المغربي عبد الفتاح كيليطو

هنا فصل من جديد النَّاقد والمفكِّر المغربي عبد الفتاح كيليطو "في جوٍّ من النَّدم الفكريّ" الصادر حديثا عن منشورات المتوسط.


حين كنا تلاميذًا كان معلمونا ينصحوننا، بخصوص تمرين الإنشاء، أن نراجع ما كتبنا بهدف استدراك ما قد يكون فيه من أخطاء لغوية، قبل أن نسلمه لهم للتصحيح. كنا نعتبر الخطأ شيئًا عرضيًا، مردُّه إلى الإهمال ويكفي قدر من التركيز لتلافيه. مراجعة سريعة وتنتهي مهمَّتنا، هكذا كنا نرى الأمر. أما اليوم فإنني أعيد النظر في ما كتبت عشرات المرات، ولا أتوقف إلا وفي ذهني أنني إن أعدت القراءة سأكتشف هفوات جديدة. خلافًا لما كنت أعتقد في صغري، اتضح لي أن الخطأ ليس شيئًا يحدث أو لا يحدث. إنه على العكس المكون الأساس للكتابة، معدنها وطبعها.

عبد الفتاح كيليطو: "تبدو كتاباتي عندما أعيد قراءتها نصوصًا مريضة يتعيَّن علاجها، مع يقيني أن العلاج لا نهاية له"

أن تكتب معناه أن تخطئ. تساءل رولان بارت عن السكرتيرة المثالية التي لا ترتكب أخطاء حين تقوم برقن نص من النصوص، وأجاب: ليس لها لاوعي.

اقرأ/ي أيضًا: مقدمة كتاب "الكتابة بالقَفْز والوَثْب".. حاضر متحرِّك

في البدء كان الخطأ، أو المرض، على الأقل إذا صدقنا ما جاء في مسرحية جول رومان، كْنُوكْ. كنوك طبيب مزيَّف، مشعوذ قدم إلى إحدى القرى لتعويض طبيبها الرسمي. ماذا حصل؟ يدخل عنده شخص يشكو من وعكة طفيفة فيخرج من العيادة منهارًا بعد أن أقنعه كنوك بأن داءه عضال وحالته ميؤوس منها. والأدهى أنه سيفلح في النهاية حتى في إقناع الطبيب الرسمي بأنه أيضًا مريض. المرض والحالة هذه هو الأصل، والعافية مجرد فرع، مجرد خطأ. هكذا تبدو كتاباتي عندما أعيد قراءتها نصوصًا مريضة يتعيَّن علاجها، مع يقيني أن العلاج لا نهاية له.

هنا ربما ندرك تعريفًا للنص الأدبي. إنه ما لا يفتأ يُعالج، بكل معاني الكلمة. قد يقضي المرء عمره يصحح قصيدة، وقد يموت وفي نفسه شيء منها، يموت وهو يعتقد أنها ليست تامة كاملة. هل سينتهي الأمر عند وفاته؟ هل سيقتنع قرَّاءه بما أنجز؟ نعم إذا كانوا يقدرونه. ومع ذلك سيَوَدُّون "تصحيحه" بصفة أو بأخرى، ليتسنى لهم الإتيان بجديد، لإبداع ما يميزهم. وغير بعيد عن هذا أليست الترجمة عملية تصحيح للنص الأصلي؟ هكذا يغدو تاريخ الأدب تاريخ مراجعة متواصلة.

يمكن تمثيل هذا الأمر بالإحالة على علامة كتابية تغيب عنَّا أحيانًا أهميتها، وهي النقطة الفاصلة. هذه العلامة، كما لاحظت مرارًا، غائبة عن الكتابة العربية، الأدبية منها والصحفية، على عكس علامة التعجب التي يكثر استعمالها، ولا يُكتفى بعلامة واحدة، بل تخط ثلاث مرات. يرى البعض وعلى رأسهم ريجيس دوبري، أن النقطة الفاصلة هي جوهر العمل الأدبي، مكونة الأساس وحجر الزاوية فيه. ذلك أنها تُنهي الجملة دون أن تنهيها، تختمها، وفي آن تجعلها تتطلَّع إلى شيء زائد، إلى إضافة وتكملة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رياض الصالح الحسين.. اللغة كمعادل وحيد للحياة

إمبراطورية الإشارات