13-أغسطس-2017

عبد الحسين عبد الرضا

في مقابل ولادة البعض ليعيشوا، هناك من يولدون ليجعلوا الآخرين يعيشون. وهم بذلك يصبحون ضمائرَ تعبّر عن إنسانيتنا في تجلياتها وتحوّلاتها المختلفة، أكثر من كونهم مجرّد بشر يولدون ويعيشون ويرحلون في أيّام محدّدة.

حين ولد الفنّان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا عام 1939، كانت الكويت غارقة في عصر ما قبل النفط، فكان المتوقّع من مستقبله، كأيّ طفل كويتي، أن يكون عاديًا. وحين انخرط في التمثيل للمرّة الأولى عام 1961، من خلال مسرحية "صقر قريش"، التي عوّض فيها الفنّان عدنان حسين، وهو ما دفعه إلى أن يسمّي ولده البكر عدنان، كانت الكويت تتلمّس خطواتها الأولى نحو إرساء منظومة ثقافية وفنية وديمقراطية تحوّلت سريعًا إلى واحدة من مراكز الإشعاع العربي. وهو بهذا واكب مسيرة التحديث الوطني وساهم فيه، حتى صار من أيقوناته الفنية البارزة.

حين كان يعرض مسرحيته "سيف العرب"، تعرّض سيارة الراحل عبد الحسين عبد الرضا إلى إطلاق رصاص

لم تكن بدايات عبد الحسين عبد الرضا التعليمية والمهنية وواقعه العائلي يشيران إلى أنه يحمل مشروعًا فنيًا رائدًا. فهو السّابع في قائمة إخوته الأربعة عشر لأب عشق الملاحة البحرية وعشقته، وقد وُجّه إلى عالم الطباعة مبكرًا، فدرس فنونها وتقنياتها في مصر عام 1956، ثم في ألمانيا بداية ستينات القرن العشرين، وارتبطت عودته إلى الفضاء الكويتي بتأسيسه مطبعة سمّاها "مطبعة الأهرام". لقد كان ارتباطه بالحرف سابقًا على ارتباطه بالصّورة، ممّا رفعه باكرًا إلى مقام الفنّان المثقف. وانعكست تلك الخلفية الثقافية والمعرفية في أعماله الفنية كلّها، فكانت تجسيدًا لمشروع فني واعٍ بمنطلقاته وآفاقه وطبيعة اللحظة الكويتية والخليجية والعربية، التي خاطبها وسعى إلى أن يضحكها ويبكيها.

اقرأ/ي أيضًا: بنات بغداد.. التداوي بالمسرح

لم تكن السّخرية التي تبنّاها عبد الحسين عبد الرضا في أعماله المسرحية والتلفزيونية، خاصّة تلك التي كتبها بنفسه، مثل "الأقدار" و"سيف العرب" و"فرسان المناخ" و"عزوبي السالمية" و"30 يوم حب" و"قاصد خير"، مطية لكسب الجمهور من خلال إضحاكه، بل كانت أداة نقد وتغيير للذهنية العربية، وهي تتلقى مشاريع التحديث في النصف الثاني من القرن العشرين على مضض. فكان يأتي بالصورة السلوكية للإنسان العربي، ويفككها من خلال الضحك الأسود عليها حتى تصبح تلك الصورة النمطية والحاملة على الركود الحضاري سوداءَ في عين ونفس وذهن المتلقي.

وبقدر ما كان محبوبًا في دوائر الجمهور، بقدر ما كان مزعجًا لبعض الدوائر التي كانت ترى في مسعاه خطرًا على مشروعها السّياسي القائم على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه. فقد تعرّضت سيارة عبد الحسين عبد الرضا إلى إطلاق رصاص عليها، وهو متوجه إلى المسرح لعرض مسرحيته "سيف العرب". وهو بهذا كان فنانًا سياسيًا من غير أن يتولّى منصبًا سياسيًا، ما عدا منصبه البسيط في وزارة الإرشاد والأنباء، التي تقاعد منها عام 1979.

أهلّه جمال صوته إلى أن يكون سبّاقًا إلى إدخال فنّ الأوبرا إلى المشهد الخليجي، في واحد من أهمّ احتكاكات هذا المشهد بالفنون العالمية، مستفيدًا من رحلته الألمانية لدراسة فنون الطباعة وتقنياتها بداية الستينيات. وقد شجّعه نجاح التجربة، خاصة تلك التي خاضها مع الفنانة سعاد عبد الله، على أن يغنّي في أعماله المسرحية والتلفزيونية، بما أضفى عليها لمسة خاصّة. وليس هذا مجال سبقه الوحيد، فقد بادر عام 2006 بإطلاق قناة "فنون"، التي تعدّ أول قناة عربية متخصّصة في الكوميديا.

أهلّ جمال صوت عبد الحسين عبد الرضا إلى أن يكون سبّاقًا إلى إدخال فنّ الأوبرا إلى المشهد الخليجي

وتبقى مسرحية عبد الحسين عبد الرضا الأشهر "باي باي لندن"، التي كتب نصها بالتعاون مع نبيل بدران، واحدة من أهم المسرحيات العربية، التي لا تزال حاضرة منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، إذ قد يمكن تجاوزها لكن لا يمكن نسيانها.

اقرأ/ي أيضًا: دحو فرّوج: لنحرّرْ مسرح الطفل من سذاجتنا

عادة ما يتغوّل الفنّان واسع الشعبية على مشاركيه في الركح أو الخشبة، فيحاول أن يبتلعهم ويبرز قوّته من خلال إضعافهم. وهذا ما لم يفعله نجم مسلسل "درب الزلق" مع شركائه في الفضاء والعطاء، إذ كان يرى في تفوّقهم إضافة له. رأينا ذلك من خلال الأدوار التي جمعته بسعد الفرج وعبد العزيز النمش ومحمد جابر وعلي المفيدي وخالد النفيسي، الذي شكّل رحيله عام 2005 صدمة له، فكان ذلك مقدّمة للتقليل من الظهور.   

لقد أهل هذا الحضور المتميّز عبد الحسين عبد الرضا إلى أن ينال ما بين سنتي 1977 و2017 أربعة وعشرين تكريمًا وجائزةً ودرعًا ولقبًا في المشرق والمغرب العربيين. وإلى أن يتحوّل إلى مرجعية فنية عربية. وهو ما جعل الاستنكار شاملًا لدعوة بعض رجال الدّين السعوديين، منهم علي الربيعي، إلى عدم الترحم عليه، بعد رحيله في مستشفى بلندن في 11 آب/أغسطس 2017، بحجّة انتمائه إلى المذهب الشّيعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عمر المعتز بالله.. مسرح صنع في مصر

قناديل ملك الجليل.. أصل الفلسطيني حصان