06-أغسطس-2018

يرفض عباس صفقة القرن ويتودد لللقائمين عليها (Getty)

اتخذت السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، موقفًا غريبًا يوم الإثنين، 6 آب/أغسطس الجاري، عندما أعلنت عن دعمها الكامل للسعودية، في خطوتها المثيرة للجدل بقطع العلاقات مع كندا، عقب تصريحات للدولة الأمريكية الشمالية تدين سلوك الرياض تجاه الناشطين الحقوقيين، وتطالب بوقف اعتقالهم. فيما شجب رئيس السلطة الفلسطينية عباس بلهجة غير مسبوقة هذه التصريحات، واعتبرها تدخلًا سافرًا، على الرغم من أنها لم تكن أكثر من إعلان تضامن مع ضحايا الاعتقالات التعسفية في المملكة من الجانب الكندي.

تتودد السلطة الفلسطينية للسعودية رغم أنها المهندس الأبرز لصفقة القرن برعاية إدارة ترامب

وكانت السعودية، قد طردت السفير الكندي مساء الأحد من بلادها، وأعطته مهلة 24 ساعة فقط لمغادرة المملكة، فيما استدعت مبعوثها لكندا، بعد أن صرحت أوتاوا أن الانتهاكات والاعتقالات بحق الناشطين الحقوقيين في السعودية يجب أن تتوقف.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية تطرد سفير كندا.. طيش ابن سلمان يصل أمريكا الشمالية

ويبدو موقف عباس مفاجئًا على عدة أصعدة. فبالإضافة إلى كونه تدخلًا غير مدروس في شأن خارجي، لم تمر ساعات قليلة بعد عليه، يجر السلطة والقضية الفلسطينية إلى مآزق دبلوماسية ليست مضطرة عليها، وعطفًا على كون هذا الموقف تماشيًا مرفوضًا مع انتهاكات حقوق الإنسان والرأي، التي لا تنفك منظمات أممية ودول كبرى تدينها، فإن الأهم أن هذا الموقف يتزامن مع دور سعودي يقول مسؤولون في السلطة نفسها إنه فعال في تسيير صفقة القرن، واستثناء أي دور فلسطيني، بما في ذلك أي دور للسلطة الفلسطينة فيها.

وكان واضحًا خلال الأشهر الماضية، أن مشروع تسوية المسألة الفلسطينية، تحت اسم صفقة القرن، الذي يعكف على إعداده حليف السعودية وأحد أكثر المقربين منها في واشنطن، مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر، يسير في اتجاه إقناع دول عربية، بمساعدة السعودية وبعض حلفائها في المشرق العربي، للعب دور بديل عن السلطة الفلسطينية.

ورغم أن عباس يجاهر أنه قد قرر بالفعل إنهاء الوساطة الأمريكية في عملية السلام، ويرفض اللقاء بأي من القائمين على "صفقة ترامب" منذ أشهر، ومع أنه لم يتعاط مع زيارات كوشنر إلى المنطقة، فإنه لا يزال يتبنى مواقف غير مفهومة من السعودية، مثل موقفه من خلاف الرياض وأوتاوا.

ولا ينفك المسؤولون الفلسطينيون يدينون الصفقة الأمريكية، باعتبار أنها تستهدف وجود السلطة الفلسطينية بشكل عام، ومحمود عباس بشكل خاص. وكان صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، قد قال في شهر حزيران/يونيو الماضي، أن ليس لديه أدنى شك في هدف "صفقة القرن" الأمريكية. معتبرًا "أن هدفها هو إسقاط القيادة الفلسطينية واستبدال محمود عباس". وأضاف أنه على يقين من أن الأمريكيين يخططون للقضاء على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بحيث تذهب الأموال المخصصة للاجئين مباشرة إلى الدول المضيفة لهم. وهو ما اعتبره مخططًا من أجل القضاء على مشكلة اللاجئين، وحق العودة، وتحويل المسؤولية الأممية على عاتق الدول المضيفة.

وهو ما أكدته بالفعل تقارير إعلامية هذا الأسبوع، بعد أن تم الكشف عن مراسلات كوشنر. إذ إنه لم يعد خافيًا أن هناك مشروعًا من أجل تصفية الوكالة، بتنسيق مع دول عربية منها السعودية. مع ذلك فإنه لا يبدو أن السلطة الفلسطينية تأخذ الدور السعودي على محمل الجد، كما أنها لم تعارض مساهمته في الصفقة.

وقد أدان مسؤولون في السلطة الفلسطينية الدور السعودي في التنسيق لصفقة القرن، حيث سبق وأن اقترحت الرياض أن يتم إقصاء القدس من أي تسوية، مقابل جعل بلدة أبو ديس بديلًا، حسب ما أوضحت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في وقت سابق. لكن ما تخشى منه السلطة أكثر من أي شيء آخر على ما يبدو، يتعلق بدورها الجديد ما بعد الصفقة، ومستقبل غزة ودور حماس فيها.

وقد قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في 26 حزيران/يونيو الماضي، إن السلطة الفلسطينية تتخوف "مما يسميه المسؤولون الفلسطينيون مؤامرة إسرائيلية وأمريكية وسعودية ومصرية، هدفها فصل غزة عن الضفة الغربية وتقديم حل اقتصادي لغزة مع تعزيز وجود حماس، وبالتالي تجنب المفاوضات الدبلوماسية حول مستقبل فلسطين".

اقرأ/ي أيضًا: جاريد كوشنر.. "حمامة السلام" وممول المستوطنات!

بدوره، صرح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، في غير مرة، أن السعودية لعبت دور الوسيط بين الولايات المتحدة والسلطة بخصوص صفقة القرن، كاشفًا أن إدارة محمد ابن سلمان هي التي أعلمت المسؤولين الفلسطينيين بتفاصيل الصفقة.

كانت السلطة الفلسطينية سباقة مع البحرين إلى دعم الخطوة السعودية في قطع العلاقات مع كندا، وهو ما رأى فيه مراقبون موقفًا متهورًا

وبين مجدلاني أن خلاصة الاستنتاجات مما نقله محمد بن سلمان، تبين أن هدف الصفقة هو إنشاء تحالف إقليمي تشارك فيه إسرائيل من أجل احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة". ما ظهر كإشارة إلى المحور السعودي الإماراتي.

كانت السلطة الفلسطينية سباقة مع البحرين إلى دعم الخطوة السعودية في قطع العلاقات مع كندا، وهو ما رأى فيه مراقبون موقفًا متهورًا. إذ إن وصف تصريحات دولة غير عدو بأنها "تدخل سافر" غير مفهوم، إلا في سياق استرضاء السلطات السعودية، وهو ما أكدته لهجة التصريحات المنشورة باسم الرئاسة الفلسطينية على أية حال. أما التناقض بين رفض السلطة الفلسطينية لصفقة القرن، وتقربها المستمر من أبرز منسقي هذه الصفقة، أي السعودية، فإنه يكشف عن اختلال فج في موازين عباس وإدارته. إذا لا يبدو أنه يرفض التسوية بشكل كامل، ولكنه يرفض بعض المعطيات المتعلقة بنفوذ حماس في غزة، ولذلك فإن السعودية التي تصنف حماس كحركة إرهابية، قد تبدو وسيطًا فعالًا في تغيير هذه البنود.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد بن سلمان.. صعود سريع لأمير طائش يهدد البلاد والمنطقة!

السعودية ومسلسل التطبيع.. متى سيرفرف العلم الإسرائيلي في الرياض؟