1. سياسة
  2. سياق متصل

عام على رحيل يحيى السنوار.. تحوّلات غزة بعد الحرب

16 أكتوبر 2025
يحيى السنوار
يحيى السنوار (Getty)
محسن القيشاوي محسن القيشاوي

تحلّ اليوم الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، الذي ارتقىخلال اشتباك مسلّح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح جنوبيّ قطاع غزة، بعد أشهر طويلة من المطاردة والملاحقة التي شنّها الجيش الإسرائيلي وأجهزته الاستخبارية.

وتأتي هذه الذكرى في ظروف مغايرة تمامًا لتلك التي سبقت استشهاده، إذ تشهد غزة هدوءًا حذرًا عقب توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار تمهيدًا لإنهاء الحرب، في إطار خطة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وشملت عملية تبادل للمحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين.

غير أنّ هذا الاتفاق لا يزال هشًّا، في ظلّ التهديدات الإسرائيلية والأميركية المتكرّرة باستئناف العمليات العسكرية، بحجة عدم التزام حركة حماس ببنود الاتفاق، ما يجعل المشهد الفلسطيني مفتوحًا على احتمالات جديدة بين تثبيت التهدئة وعودة التصعيد.

تأتي الذكرى الأولى في ظروف مغايرة تمامًا لتلك التي سبقت استشهاده، إذ تشهد غزة هدوءًا حذرًا عقب توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار تمهيدًا لإنهاء الحرب

اشتباك أنهى عامًا من الملاحقة

رغم الجهود الاستخبارية المكثفة التي بذلتها إسرائيل على مدى عام كامل لاغتياله بتهمة الوقوف وراء عملية "طوفان الأقصى"، فإنها لم تتمكن من الوصول إليه إلا مصادفةً خلال اشتباك مسلح في منطقة تل السلطان دون أن تكون تعرف هويته أو هوية رفاقه الذيم كانوا معه.

وقال الجيش إنه رصد ثلاثة مسلحين يتنقلون بين مبان وفتح النار عليهم، فإنسحب السنوار إلى مبنى منهار ورفيقيه إلى بناية أخرى، بعدما شاركوا في تبادل لإطلاق النار.

وفي أعقاب الحادث، استخدم جيش الاحتلال طائرةً مُسيّرة لتفتيش البناية التي وقع فيها الاشتباك، وأظهرت مقاطع مصوّرة نُشرت لاحقًا رجلًا ملثمًا يجلس جريحًا على أريكة داخل مبنى مدمّر، محاولًا رمي قطعة خشبية على الطائرة المسيّرة التي كانت تلاحقه.

لم يكن الرجل، الذي ظهر وهو يعاني من إصابة في يده، معروفًا في حينه بأنه يحيى السنوار. وبعد لحظات من رصده، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة ثانية باتجاهه، ما أدى إلى استشهاده على الفور.

وفي الوقت نفسه، اندلع تبادل لإطلاق النار داخل المبنى الذي تحصّن فيه عنصران آخران من المقاومة، أصيب خلاله جندي إسرائيلي بجروح خطيرة.

ولم تُعلن سلطات الاحتلال عن هوية السنوار إلا بعد إجراء فحوص الحمض النووي وتحليل الأسنان، للتأكد من هوية الجثمان.

تعاون استخباراتي أميركي إسرائيل

لم تقتصر ملاحقة يحيى السنوار على إسرائيل وحدها، بل امتدت لتشمل الولايات المتحدة التي دخلت على خطّ العملية في إطار حملة جديدة تهدف إلى مساعدة تل أبيب على إعلان ما تسميه "النصر الكامل" وإنهاء الحرب على غزة.

ووفقًا لمسؤولين أميركيين، فقد وسّعت واشنطن نطاق جهودها الاستخباراتية بحثًا عن السنوار، انطلاقًا من تقديرات تشير إلى أنه يختبئ في شبكة أنفاق عميقة تحت القطاع.

ولفتت مصادر مطّلعة إلى أنّ أجهزة المخابرات الأميركية واجهت صعوبات كبيرة في تحديد موقعه الدقيق، موضحةً أنّ تعقّبه تحوّل إلى "أولوية جديدة" داخل مجتمع الاستخبارات الأميركي. واعتقدت الإدارة الأميركية أنّ القبض عليه أو تصفيته كان من شأنه أن يمنح إسرائيل فرصة لإعلان النصر السياسي والعسكري، وبالتالي تبرير إنهاء الحرب المستمرة على غزة.

السنوار في مراسلاته

رغم ظروف المطاردة والاختباء التي عاشها، حافظ يحيى السنوار على قنوات تواصل نشطة مع قيادة الحركة في الداخل والخارج، عبر رسائل دورية وجّهها من مواقع سرّية داخل غزة.

ففي الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2023، كشفت وسائل إعلام عربية عن رسالة مطوّلة وُصفت بـ"المهمة" بعث بها رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار إلى المكتب السياسي للحركة وإلى رئيسه الراحل إسماعيل هنية. وجاء في الرسالة أن كتائب القسام "تخوض معركة شرسة وغير مسبوقة ضد جيش الاحتلال، كبّدته خسائر فادحة في الأرواح والمعدات".

وأكد السنوار في رسالته أن "القسام هشّمت جيش الاحتلال، وهي ماضية في مسار تهشيمه ولن تخضع لشروطه"، داعيًا القيادة السياسية إلى التحرك العاجل لاحتواء آثار الحرب وتعزيز صمود السكان في غزة، مشيدًا بتضحياتهم وصمودهم قائلاً إن "الشعب الفلسطيني قدّم نماذج نادرة في البطولة والمروءة والتكافل".

وكانت تقارير قد أشارت إلى أن السنوار، قبل تولّيه رئاسة المكتب السياسي للحركة، بعث برسائل مماثلة إلى مسؤولي حماس في الخارج، طمأنهم فيها على ثبات المقاتلين في صفوف "كتائب القسام" وعلى سير المعارك وفق الخطط الموضوعة. 

ونقلت وسائل إعلام أميركية عنه قوله في إحدى تلك الرسائل: "لا تقلقوا، الإسرائيليون في المكان الذي نريدهم أن يكونوا فيه"، مؤكدًا أن القادة والمقاتلين في وضع جيد ويستعدون لهجوم محتمل على رفح جنوب القطاع. كما أوضح أن ارتفاع أعداد الضحايا في غزة سيؤدي إلى زيادة الضغط على إسرائيل لوقف القتال، وذلك وفق تقرير نُشر في شباط/فبراير الماضي.

وفي حزيران/يونيو 2024، كُشف عن رسالة أخرى بعث بها السنوار إلى الوسطاء العرب المشاركين في مفاوضات صفقة التبادل، شدّد فيها على أن حماس لن توافق على أي اتفاق سلام ما لم يتضمّن وقفًا دائمًا لإطلاق النار. وأكد السنوار في رسالته أنّ الحركة "لن تتخلى عن سلاحها، ولن توقّع على أي اقتراح يتضمن ذلك الشرط".

حياته

ولد يحيى السنوار في مخيم خانيونس للاجئين الفلسطينيين، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1962، وتنحدر عائلته من مدينة المجدل ــ عسقلان التي دُمّرت بالكامل وهُجّر سكانها على يد العصابات الصهيونية خلال نكبة عام 1948.

تلقى السنوار تعليمه في مدارس المخيم حتى أنهى مرحلة الثانوية، ليلتحق بالجامعة الإسلامية حيث تحصّل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.

شارك خلال مرحلة دراسته الجامعية في النشاط الطلابي بالجامعة، حيث كان عضوًا في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية لمدة خمس سنوات، وشغل منصب أمين للجنة الفنية، واللجنة الرياضية، ونائبًا لرئيس مجلس الطلبة، ثم رئيسًا للمجلس ثم نائبًا للرئيس مرة أخرى. كما ترأس "الكتلة الإسلامية"، التي كانت نواة تأسيس حركة حماس، إذ ظهرت قبل تأسيس الحركة بحوالي 10 أعوام.

وبالموازاة مع نشاطه الطلابي واكب السنوار العمل الوطني ضمن إطار الحركة الإسلامية التي كان لها نشاطًا بارزًا في بداية الثمانينات في القطاع، فتم اعتقاله لأول مرة عام 1982 من قبل الاحتلال بتهمة القيام بـ"أنشطة تخريبية"، ووضع رهن الاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر.

تأسيس أول جهاز أمني لحماس

بعد خروجه من المعتقل، واصل يحيى السنوار نشاطه المقاوم، فشارك في تأسيس أول جهاز أمني للحركة عام 1983، والذي عرف باسم "أمن الدعوة"، وكان يرأسه الشيخ أحمد ياسين.

ثم تطور نشاطه فيما بعد ليشارك في تأسيس جهاز الأمن والدعوة "مجد" عام 1985، قبل سنتين من انطلاقة حركة حماس، الذي أنشئ لتعزيز الجانب الأمني للمقاومة الفلسطينية، وكلف الجهاز بملاحقة عملاء الاحتلال في قطاع غزة. وكان للسنوار رأي بأن تحصين المجتمع من الداخل، وكسر الاحتلال لا يتم قبل القضاء على أدواته في الداخل الفلسطيني.

ولتطبيق هذه الفكرة، قاد يحيى السنوار مجموعة من الكوادر الأمنية داخل الجهاز، ولاحق بنفسه عددًا من العملاء وأجرى تحقيقات معهم. ومع مرور الوقت، أصبحت "مجد" النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لدى حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة. وانتقلت فيما بعد لملاحقة ضباط جيش الاحتلال واستخباراته.

ولم يقتصر عمل يحيى السنوار و"مجد" على ملاحقة ضباط الاحتلال وعملائه، بل شاركوا في محاربة ظواهر الفساد، خاصة تجارة وترويج المخدرات. 

الاعتقال الأطول

وبسبب نشاطه المقاوم، وضعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية السنوار تحت دائرة المراقبة، ليتم اعتقاله مجددًا عام 1985 بتهمة المشاركة في تأسيس "مجد"، ويحكم عليه بالسجن لمدة 8 أشهر.

ومع بروز دوره في العمل المقاوم، لاحقته أجهزة الاحتلال مرة أخرى ليتم اعتقاله عام 1988 للمرة الثالثة، وتصدر محكمة إسرائيلية في 20 كانون الثاني/يناير 1988 أحكامًا ثقيلة بحقه، فقضت بسجنه بـ4 مؤبدات، بالإضافة إلى حُكم بالسجن لمدة 30 عامًا. وكانت التهم الموجهة له، هي المشاركة في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس، والذي عُرَف باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، وتحوّل لاحقًا لاسم كتائب الشهيد عز الدين القسام خلال الانتفاضة الأولى بداية التسعينات.

وفي مرحلة السجن، لم يتوقف يحيى السنوار عن دوره الوطني، فكانت له نشاطات عديدة داخل السجن، أبرزها مشاركته في الإضرابات عن الطعام التي قام بها المعتقلون الفلسطينيون في أعوام 1992 و1996 و2000 و2004، لتحسين ظروفهم. كما تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس داخل السجون الإسرائيلية.

الخروج إلى الحرية

في عام 2011، أُفرج عن السنوار بعد قضائه 23 عامًا في سجون الاحتلال ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، التي جرت بين حركة حماس وإسرائيل، والتي أطلق بموجبها سراح 1027 أسيرًا وأسيرةً مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته كتائب عزالدين القسام في شرق رفح قبل 5 سنوات، خلال عملية مشتركة مع ألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام. والذي عجز الاحتلال عن الوصول إليه، رغم شنّه حربين على قطاع غزة عامي 2008، و2009 في محاولة لإطلاق سراحه.

رئاسة المكتب السياسي في غزة

بعد الإفراج عنه، عاد السنوار لممارسة نشاطه السياسي داخل حركة حماس، وشارك في انتخابات الحركة الداخلية عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي في قطاع غزة. كما تولى مسؤولية الملف الأمني داخل حركة حماس. وفي عام 2013، أوكلت إليه مهمة قيادة الملف العسكري للحركة المرتبط بجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام. ولدوره البارز داخل الحركة، انتخب رئيسًا للمكتب السياسي بقطاع غزة، في 13 شباط/فبراير 2017.

برحيله، فقدت حماس مهندس توازنها مع إسرائيل، بينما تركت الحرب غزة أمام دمارٍ واسع وتحولاتٍ سياسية كبرى

قيادة الحركة

في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، أعلنت حماس اختيار رئيس مكتبها السياسي في غزة، يحيى السنوار، لرئاسة المكتب السياسي.

وقالت الحركة في بيانها، إنه: "بعد مشاورات ومداولات معمقة وموسعة في مؤسسات الحركة القيادية، قررت حركة المقاومة الإسلامية حماس اختيار الأخ القائد يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة، خلفا للقائد الشهيد إسماعيل هنية".

التحوّل الذي أعاد رسم خريطة المنطقة

ورغم مرور عام على استشهاده، يبقى يحيى السنوار حاضرًا في الذاكرة الفلسطينية كشخصية محورية أعادت تعريف العلاقة بين العمل السياسي والمقاومة المسلحة داخل حركة حماس. فقد كان العقل المدبّر وراء عملية "طوفان الأقصى" التي شكّلت نقطة تحوّل في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وأحدثت ارتدادات إقليمية واسعة غيّرت موازين القوى في الشرق الأوسط.

وبرحيله، فقدت الحركة أحد أبرز مهندسي تحولها الاستراتيجي خلال العقد الأخير، إذ كان من وضع أسس التوازن الجديد بين غزة وإسرائيل. غير أنّ الحرب التي تلت عملية "طوفان الأقصى" تركت غزة أمام تحولات جذرية، من دمار واسع ومأساة إنسانية إلى إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، في انتظار ما ستؤول إليه مرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار، وما إذا كانت ستقود إلى تسوية جديدة أم إلى جولة أخرى من الصراع.

كلمات مفتاحية
مظاهرة في لندن

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

إيران

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية

جون هيرلي

نبرة أميركية حازمة في بيروت.. واشنطن "تحاصر" حزب الله ماليًا

تغيّرت نبرة واشنطن في بيروت، وباتت أكثر حدّة من ذي قبل

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية