16-أغسطس-2022
وضع حقوقي واقتصادي صعب بعد عام من حكم طالبان (Getty)

وضع حقوقي واقتصادي صعب بعد عام من حكم طالبان (Getty)

بعد عام من عودتها لحكم أفغانستان، يواجه حكم حركة طالبان تعقيدات عديدة. وفي حين سعت الحركة لتقديم نفسها بصورة مغايرة عن الصورة التي رافقتها خلال فترة الحكم الأول بداية التسعينات، فإن ملفات كثيرة لا تنفك تثير مخاوف المؤسسات الحقوقية بعد انسحاب أمريكي فوضوي، ترك البلاد أمام مستقبل مجهول.

في حين سعت الحركة لتقديم نفسها بصورة مغايرة عن الصورة التي رافقتها خلال التسعينات، فإن ملفات كثيرة لا تنفك تثير مخاوف المؤسسات الحقوقية

على الصعيد الأمني، شهدت أفغانستان تراجعًا ملحوظًا لأعمال العنف مقارنة مع السنوات الماضية، وهو ما أكدته تقارير بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدات إلى أفغانستان، على الرغم من أن عدد الضحايا المدنيين لا يزال مرتفعًا بسبب الهجمات الانتحارية من قبل العناصر المتشددة  في المناطق المأهولة بالمدنيين.

وعلى الرغم من تراجع العنف، وتعامل الحركة مع الملف الأمني بشكل صارم، إلا أن شبح تنظيم الدولة الإسلامية وفرعه في البلاد المعروف باسم "ولاية خراسان"، لا يزال يخيم على البلاد، بل إن التنظيم لم يتوقف خلال العام عن تصعيد هجماته ضد المساجد والأماكن الدينية والمراكز الحساسة، بالإضافة لمسؤولي الحركة ورجال الدين، فيما كانت آخر عملياته تلك التي أودت بحياة رجل الدين البارز رحيم الله حقاني، الذي قالت طالبان بأن مقتله "خسارة كبيرة جدًا لإمارة أفغانستان الإسلامية".

وعرف عن حقاني بأنه شخصية دينية مؤثرة وقريبة من الحركة على الرغم من عدم توليه أي منصب رسمي، وقد نجا من عدد من محاولات الاغتيال، واشتهر بانتقاده الشديد لتنظيم الدولة، بالإضافة لفتواه التي أثارت الجدل في البلاد بدعم تعليم الإناث، قائلًا "يجب أن تكون النساء والفتيات الأفغانيات قادرات على الوصول إلى التعليم. لا يوجد مبرر في الشريعة للقول بأن تعليم الإناث غير مسموح به. لا يوجد مبرر على الإطلاق"، مضيفًا "جميع الكتب الدينية نصت على أن تعليم الإناث مباح وواجب".

وسبق عملية اغتيال رجل الدين رحيم الله حقاني استهداف عدد من الأماكن والمساجد التي يردتيها مواطنون يعتنقون المذهب الشيعي. كما حدث خلال التفجير الانتحاري في مسجد في قندوز وأدى إلى مقتل العشرات من أبناء الطائفة الشيعية، بالإضافة للاعتداء على معبد للسيخ في العاصمة كابول. ووفق تقرير لبعثة الأمم المتحدة في أفغانستان فقد أسفرت الاعتداءات التي استهدفت المجموعات العرقية والدينية التي تنتمي إلى أقليات في البلاد عن مقتل سبعمئة شخص وجرح مئة وأربعين آخرين بين منتصف شهر آب/ أغسطس2021، ومنتصف تموز/ يونيو 2022.

على الصعيد الحقوقي والقضايا التي تخص المرأة، فعلى الرغم من وعود الحركة، فإن البلاد لم تعرف تحسنًا في هذا الاتجاه بل تراجعًا ملحوظًا. حيث ترى مؤسسات حقوقية أن وعود طالبان لم تكن سوى تسويق لصورة إيجابية عن نفسها في الخارج، إذ فرضت قيودًا مشددة على النساء والفتيات تتوافق مع تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، وصار ممنوعًا على المراهقات متابعة تعليمهن في المدارس الثانوية. فقد أغلقت الحركة المدارس الثانوية أمام الفتيات بعد سيطرتها على البلاد، وقررت فتحها في مارس/آذار الماضي، لتعود وتغلقها بعد ساعات من دون أن تتمكن الطالبات من إنهاء اليوم الأول من دروسهن.

كما أجبرت نسبة كبيرة من الموظفات الحكوميات على ترك أعمالهن. كذلك منعت النساء من السفر بمفردهن، وألغت وزارة شؤون المرأة، واستبدلتها بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ردًا على تلك الممارسات تظاهرت الكثير من الأفغانيات للمطالبة بحقهن في التعليم والعمل، وضد هذه القيود التي فرضتها طالبان، لكن سرعان ما تعرضن للقمع والضرب بأعقاب البنادق. كم تم اعتقال عدد منهن، وتم احتجازهن بمراكز سرية، ما أدى إلى توقف مظاهر الاحتجاج بشكل تدريجي، ولزمت المعتقلات الصمت بعد إطلاق سراحهن.

ويذكر أن زعيم حركة طالبان الملا هبة الله أخوند زاده قد وقع مرسومًا يتوجب فيه على النساء ارتداء البرقع في الأماكن العامة. وأوضحت طالبان أنها "تفضل أن ترتدي النساء البرقع، لكنها ستتسامح مع أشكال أخرى من الحجاب لا تكشف سوى العينين، بما تنص عليه أحكام الشريعة عندما يلتقين رجالًا من غير المحرمين".

سياسيًا، على الرغم من وعود طالبان بفتح حوار مع مناوئيها، إلا أن الأمر لم يتعد الدعوة لتشكيل لجنة للتواصل مع السياسيين السابقين لعودتهم للبلاد من دون ممارسة أي نشاط سياسي. وفي هذا الإطار تتضح رؤية الحركة في خطاب زعيمها خلال اجتماعه مع علماء الدين والزعامة القبلية الشهر الماضي، حيث قال إن "طالبان أعلنت العفو عن المسؤولين السابقين، لكن هذا لا يعني أن يكون لهم دور في الحكومة، إذ إن في ذلك خيانة لدماء الشهداء".

على الصعيد الاقتصادي، فاقم استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على أفغانستان من الأزمة، وترك البلاد على حافة الانهيار، ودفعت هذه الأزمة الاقتصادية الكثير من المزارعين للعودة لزراعة الأفيون على الرغم من حملات طالبان لاستئصال هذه الظاهرة، وقرارها  بحظر زراعته. حيث تم رصد العديد من الحالات لمزارعين عادوا إلى زراعة الأفيون اضطرارً لإعالة أسرهم وسط تفاقم الأزمة وعدم وجود بديل.

على الصعيد الإنساني، خلف الزلازل الذي ضرب البلاد المئات من القتلى والجرحى، لكن العقوبات المفروضة على البلاد عرقلت وصول المساعدات الإغاثية، ما زاد من سوء الأوضاع. وقد طالب مندوب روسيا في الأمم المتحدة بـ "ضرورة إيجاد مسارات واقعية لإلغاء تجميد الأصول المالية والخدمات المصرفية المشروعة لأفغانستان". وحث مجلس الأمن على ضمان ألا تعرقل العقوبات الحالية تقديم المساعدة الإنسانية أو الموارد الاقتصادية لأفغانستان.

 بالإضافة لذلك، فاقمت العوامل المناخية من الأزمة، فقد شهدت أفغانستان أسوأ موجة جفاف منذ ما يقرب من 30 عامًا، وأثرت على قسم واسع من مساحة البلاد. وتخشى الوكالات الإغاثية من محصول سيئ آخر هذا العام. وقالت الأمم المتحدة إن البلاد تمر بـ"أزمة من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية ذات أبعاد لا مثيل لها". وبحسب الأمم المتحدة، لا يتناول حوالي 95% من السكان البلاد الطعام بشكل كافٍ، وترتفع هذه النسبة إلى ما يقرب 100% بين الأسر التي تعيلها نساء.

كما أعرب برنامج الأغذية العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن قلقه إزاء وضع الأطفال في أفغانستان، وأعلنت الوكالات الإغاثية أن "معدل سوء التغذية الحاد مرتفع في 28 من بين 34 مقاطعة في البلاد، وأكثر من 3,5 مليون طفل بحاجة إلى علاج تغذوي". 

بحسب الأمم المتحدة، لا يتناول حوالي 95% من السكان البلاد الطعام بشكل كافٍ، وترتفع هذه النسبة إلى ما يقرب 100% بين الأسر التي تعيلها نساء

دوليًا لا تزال العقبة الأكبر أمام حركة طالبان هي الاعتراف الدولي، وإقامة علاقات دبلوماسية معها لكسب الشرعية الدولية. إذ تبدو علاقة طالبان مع العالم الخارجي محدودة ومحصورة في إطار ضيق، وهذا من شأنه أن يؤثر على وتيرة المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني، كما يجعل مسالة إعادة الإعمار أمرًا بعيد المنال.