04-مايو-2017

احتجاجات سابقة للصحفيين في مصر (صورة أرشيفية/ الأناضول)

تجمع المئات متجاوزين الحصار الأمني المضروب حول مبنى النقابة في شارع عبد الخالق ثروت؛ شباب متحمس يرفض ما يعتقد أنه انتهاك للحريات العامة، بعد اقتحام قوات الأمن مقر نقابة الصحفيين للمرة الأولى منذ إنشائها في 1941 وإلقاء القبض على اثنين من الصحفيين، رافعين هتافات ولافتات تعلن القرارات وتطالب بإقالة وزير الداخلية المصري، واعتذار السيسي والإفراج عن الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا.

الحريات العامة وحرية الصحافة بشكل خاص تراجعت في مصر منذ صعود نظام السيسي للحكم خاصة مع تواصل اعتقال صحفيين

وبعد عام، بات المشهد يتلخص في كهرباء مقطوعة، وأمن النقابة يمنع غير الأعضاء من الدخول، ولا إحياء للذكرى. وصرنا بين مشهدين: الأول لمجلس نقابة يتمرد على الدولة والثاني لمجلس جديد يضيّق على الصحفيين أنفسهم، وهامش حريات يتراجع، وخسائر تلو الأخرى لمعسكر أنصار ما عرف بـ"اجتماع 4 مايو"، والفرق واضح جليّ بين الحالين. 

اقرأ/ي أيضًا: اقتحام نقابة الصحفيين.. جريمة سيساوية جديدة

الحريات بعد عام من الأزمة

في أيار/ مايو الجاري، وبعد عام من التجمع الأكثر تمردًا للصحفيين منذ صعود نظام 30 يونيو 2013 للسلطة، تشير المؤشرات العالمية لقياس حرية الصحافة لانتصار السيسي ونظامه ورجاله، على من حاول معارضته. فالحريات العامة وحرية الصحافة بشكل خاص تراجعت في مصر مرتبتين وفقًا لمؤشر حرية الصحافة الذي تعده مؤسسة مراسلون بلا حدود، واحتلت مصر بذلك المركز 161 من بين 180 دولة.

وأشار التقرير إلى أن عددًا من الصحفيين معتقلون للآن ومن بينهم، المصور الصحفي محمود أبو زيد، المعروف بـ"شوكان"، والذي يقع قيد الاعتقال التعسفي منذ ثلاث سنوات، والصحفي المستقل إسماعيل الإسكندراني المعتقل منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بالرغم من صدور حكم بالإفراج عنه، وصحفيين آخرين.

التراجع لم يكن على مستوى مؤشر حرية الصحافة فقط ولكن الواقع على الأرض يشير لسيطرة رجال أعمال، تابعين لجهات أمنية، على الإعلام والصحف من خلال شراء وإنشاء منصات إعلامية تسوق النظام الحالي دون أدنى معارضة.

احتجاجات السنة الماضية لصحفيين مصريين بعد اقتحام نقابتهم واعتقال زملائهم (محمد الشاهد/أ.ف.ب)

خسارة معركة الانتخابات

من أبرز الهزائم التي مني بها معسكر "اجتماع 4 مايو" خسارة يحيى قلاش النقيب السابق، خلال أزمة الاقتحام، وخالد البلشي، مقرر لجنة الحريات وعضو المجلس وقتها للانتخابات الأخيرة والتي جرت في آذار/ مارس الماضي، بالرغم من نجاح عمرو بدر والذي كان القبض عليه سببًا رئيسًا في الأزمة، إلا أن صعود عبد المحسن سلامة عضو الجبهة المعارضة لقرارات "4 مايو" وأعضاء آخرين لعضوية المجلس يعد من أبرز الهزائم التي وجهت لمؤيدي "4 مايو".

ووصل الأمر بسلامة، الذي عمل على إقصاء المعارضين له، من المراكز القيادية في مجلس النقابة الجديد إلى رفض إحياء ذكرى اجتماع الجمعية العمومية "4 مايو" بحجة وجود أعمال صيانة في طوابق نقابة الصحفيين، ومنع النقيب والسكرتير العام الجديد الصحفيين غير النقابيين من الدخول للنقابة، في محاولة لإفشال إحياء الذكرى.

نظام السيسي كان يعمل بشكل مباشر على مواجهة مؤيدي 4 مايو من أعضاء مجلس النقابة ووجهت النيابة العامة ليحيى قلاش، نقيب الصحفيين وقتها، وعبد الرحيم علي وخالد البلشي، من مجلس النقابة، تهمة إيواء مطلوبين أمنيًا، وظلت القضية تدار في ساحات المحاكم لشهور وتلقى الثلاثة في البداية حكمًا بالحبس ثلاث سنوات خففت بعدها لعام واحد مع إيقاف التنفيذ في نهاية آذار/ مارس الماضي.

يحيى قلاش نقيب الصحفيين المصريين السابق وعبد الرحيم علي وخالد البلشي (أ.ف.ب)

يسيطر رجال أعمال، تابعين لجهات أمنية، على الإعلام والصحف في مصر من خلال شراء وإنشاء منصات إعلامية تسوق للنظام الحالي

قصة اجتماع 4 مايو

تبدأ القصة مع لجوء عدد من التيارات السياسية والشبابية لنقابة الصحفيين للتظاهر أمامها رفضًا لتوقيع النظام المصري في نيسان/ أبريل 2016، على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية المعروفة بـ"اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير".

وتصاعدت الأحداث حينها بصدور قرار من النيابة العامة بضبط وإحضار الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بتهمة نشر أخبار ضد الاتفاقية وأعلن بدر والسقا الاعتصام في النقابة لحين حل الأمر قانونيًا باعتبار الضبط والإحضار متعلقًا بقضية نشر.

وفي الأول من آيار/ مايو، اقتحمت قوات من وزارة الداخلية النقابة، ألقت القبض على السقا وبدر، ودعا يحيى قلاش إلى اجتماع للجمعية العمومية في 4 أيار/ مايو و دعا رؤساء تحرير الصحف إلى اجتماع آخر في نفس اليوم. وأصدر الاجتماع بموافقة الصحفيين نحو 18 قرارًا من ضمنها منع نشر اسم وزير الداخلية والاكتفاء بنشر صورته كنيجاتيف، وكسر حظر النشر في قضية الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، وطلب اعتذار رئاسة الجمهورية، باعتبار الرئيس هو المخول بحكم سلطاته الدستورية.

نقيب الصحفيين المصريين السابق يحيى قلاش (محمد الشاهد/أ.ف.ب)

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. نقابة الصحفيين في عهدة الدولة من جديد؟

قبل وبعد التعليمات الأمنية

الإعلاميون الكبار ممن عرفوا بعلاقتهم المتشعبة مع الأجهزة الأمنية، عقب الاقتحام، كانت أغلبيتهم متعاطفة ومؤيدة لمجلس النقابة، على ما يبدو قبل صدور تعليمات أمنية للبعض منهم، ولم يكن تعاطفًا عاديًا بل هجومًا على وزارة الداخلية.

ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار، نفى أي معرفة للسيسي بالأمر وأكد أن الرئاسة غير راضية عن الاقتحام، وقال خالد صلاح، على موقع تويتر إن "الاقتحام خطوة غير مسبوقة تاريخيًا" فيما فتح عمرو أديب النار على وزارة الداخلية وقال "المشهد رهيب"، وانتقد خيري رمضان الاقتحام قائلًا "لا يمكن السكوت عنه"، فيما قالت لميس الحديدي "الاقتحام غياب للعقل السياسي للدولة"، والإعلامي وائل الإبراشي كان الأكثر هجومًا وقدم العزاء لكل الصحفيين في اقتحام نقابتهم.

بالطبع تبدل الحال بعد ذلك وبدلًا من استمرار انتقاد الداخلية تحول هؤلاء لانتقاد مجلس النقابة لإيواء "مجرمين هاربين"، وفي أعقاب اجتماع 4 مايو، شكلت الجهات الرافضة جبهة عرفت بـ"جبهة تصحيح المسار" وعقدت اجتماعًا في مبنى جريدة الأهرام العريقة، وشارك فيه عدد من الصحفيين المقربين من جهات أمنية من بينهم صلاح منتصر ومكرم محمد أحمد وخالد صلاح واحمد موسى ومحمد عبدالهادي علام وعبد المحسن سلامة، والذي انتخب فيما بعد نقيبًا للصحفيين، بالإضافة  إلى خمسة  أعضاء من مجلس النقابة الذي سبق ووافقوا علي قرارات اجتماع  4 مايو، وكانوا في مقدمة الصفوف وهم "محمد شبانة، وخالد ميري، وعلاء ثابت، وإبراهيم أبو كيلة، وحاتم زكريا"، وطالبت الجبهة بجمع توقيعات لعقد جمعية عمومية طارئة وسحب الثقة من النقيب والمجلس.

واعتبرت الجبهة أن المطالب الـ18 تصعيدية وغير مبررة، مع التأكيد علي أن بيان النيابة العامة أكد على صحة إجراءات القبض من داخل النقابة، كما دافعت لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب عن موقف وزارة الداخلية وأحقيتها في اقتحام النقابة لحصولها علي قرار من النيابة العامة.

اقرأ/ي أيضًا: 

حتى لا نفقد نقابة الصحفيين المصرية

مسلسل فصل الصحفيين في مصر.. العرض مستمر!