30-ديسمبر-2022
صور جيمس ويب

إحدى صور جيمس ويب الحديثة (Getty)

يبدو أن نهمنا بني البشر لمعرفة المزيد وفهم أنفسنا وظواهر العالم من حولنا لا شيء يشفيه، حتى الجائحة، بل إن رغبتنا بفهم الأشياء تدفعنا أحياناً إلى القيام بتصنيع المزيد من فيروسات أخطر جائحةٍ عرفتها البشرية منذ أزيد من نصف قرن (هذا ما قام به فريقٌ من العلماء في جامعة بوسطن).

كان هذا العام عاماً فضائيّاً بامتياز، كان عام 2022 هو العام الذي عُدنا فيه لننظر إلى الأعلى، إذ أن أجمل اكتشافات هذا العام كانت الصور الأخّاذة التي التقطتها تيلسكوب جيمس ويب

ما نحاول قوله هو أن عام 2022 قد شهد العديد من الاكتشافات العلمية في حقولٍ مختلفة، من أبرزها الطبّ والأحياء، بين تطوّراتٍ هامّة ٍفي اللقاحات والسرطان، وزراعة قلب خنزير في قلب مريض، ومن ناحيةٍ أخرى، شهد مجال الطاقة النظيفة والمصادر البديلة للطاقة هو الآخر اكتشافاتٍ واعدة مع محاولة العالم الإجابة على أسئلة الطاقة.

ولكن لمّا كان هذا العام عاماً فضائيّاً بامتياز، كان عام 2022 هو العام الذي عُدنا فيه لننظر إلى الأعلى، إذ أن أجمل اكتشافات هذا العام كانت الصور الأخّاذة التي التقطتها تيلسكوب جيمس ويب بعد طوافٍ دام لأكثر من عام.

يستعرض موقع ألترا صوت في هذه المقالة أهم الاكتشافات العلمية التي انتقاها من بين اكتشافات عام 2022، مع محاولتنا لتبسيطها وتبيان أهميتها لما سيأتي.

1) إحياء قلوبٍ ميتة: قلب خنزير يعود للنبض بعد ساعةٍ من وفاته وزراعة قلب خنزير في إنسان

الموت هو سنة الحياة التي ستأتي علينا جميعاً، ولكن، مع إقرارنا التام بذلك، لم يمنع ذلك مجموعةً من العلماء في جامعة ييل، بمحاولة إعادة قلوب مجموعةٍ من الخنازير إلى النبض بعد وفاتها بساعة، وقد قاموا بنشر نتائج تجربتهم في Nature بتاريخ 3 آب/آغسطس 2022.

ونجح العلماء بإعادة قلب الخنازير للنبض من جديد من خلال ضخّ محلولٍ سُميَّ بـ OrganEx، ويتألّف من موادٍ مغذّية، وأدويةٍ مضادةٍ للالتهاب، وموادٍ تقي الخلايا من الموت، وصادّاتٍ عصبية، وبروتين الهيومغلوبين المصنّع.

يأمل الفريق في أن يساعد ذلك الأطباء على الحفاظ على الأعضاء من التلف بعد وفاة شخصٍ ما، في سبيل استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء لمرضى أخرين، وهو ما سيزيد عدد الأعضاء المتاحة للتبرّع بنسبةٍ هائلة كما يقول الدكتور "روبرت بورت" المختصّ بعمليات زراعة الأعضاء.فائدةٌ أخرى عظيمة هي أن محلولاً كذلك يمكن له أن يقي من حالات الوفاة المفاجئة، بإعادة قلب أو عقل مريضٍ ما للعمل مجدّداً بعد "موته".

كانت الخنازير نجمة تطوّرٍ طبيٍّ هامٍّ آخر لهذا العام. فقد شهد شهر كانون الثاني/يناير 2022 أيضاً زرع قلب خنزير في مريض، ومع أن المريض قد توفّي بعد زراعة القلب بفترةٍ وجيزةٍ، إلا أن تقبّل الجسم للقلب قد منح العلماء بياناتٍ ثمينةً، ومشجّعة، يمكن البناء عليها في ما يُعرف بـعلم نقل الأعضاء بين الكائنات الحية، أو Xenotransplantation.

2) باستخدام الخلايا الجذعية: ولادة جنين فأر من غير حيواناتٍ منوية أو بويضات

نجح فريقٌ من العلماء باستخدام الخلايا الجذعية (ولك أن تفكّر أنها الخلايا الخام التي تتشكّل منها جميع خلايا جسدنا ذات الوظائف المحدّدة) لتوليد جنين فأرٍ، أي دون الحاجة إلى حيواناتٍ منويةٍ أو بويضات. نشر العلماء نتائج التجربة في عدد آب/أغسطس 2022 من مجلة Cell.

عمل الفريق على هذه التجربة لأكثر من عقدٍ كامل، وقد نمت الخلايا إلى جنين فأرٍ بقي على قيد الحياة لمدة ثمانية أيام ونصف، مع ظهور بعض الأعضاء منها قلبٌ نابض، والمراحل الأولية من العقل. وبرأي بعض العلماء، فقد كانت هذه التجربة "أهم اكتشافٍ علمي لعام 2022."

https://www.cell.com/cell/fulltext/S0092-8674(22)00981-3

تجربةٌ كهذه تعد خطوةً هامّةً على طريق استخدام الخلايا الجذعية لإنماء أعضاءٍ بشرية، وأيضاً فهم عملية نمو الأعضاء والأجنة والطفرات والأمراض التي قد تظهر في هذه المرحلة.

3) انتصارٌ للطاقة النظيفة: اكتشافاتٌ مهمة الاندماج النووي

شهد عام 2022 خطوةً فارقةً في عالم الطاقة النظيفة، حيث نجح فريقٌ من الباحثين في كاليفورنيا بإجراء تجربة اندماجٍ نووي ولّدت من الطاقة أكثر مما احتاجت، وتمّ الكشف عن نتائج التجربة في وزارة الطاقة الأمريكية بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر 2022.

تتعاظم أهمية هذا الاكتشاف مع الحاجة المتزايدة للبشرية لإيجاد مصادر طاقةٍ نظيفة تحت تهديد تغيّر المناخ، إذ يرى العلماء أن عام 2023 قد يكون عاماً مفصلياً في مواجهة هذا السؤال الملحّ. إذ تُعدّ الطاقة النووية من أقلّ مصادر الطاقة المتجدّدة ضرراً بالبيئة، وتزداد أهميتها مع حاجتنا إلى بعث نسبٍ أقل من الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، وعلى ذلك يقدّر العلماء أن محصّلة ما نقوم ببعثه من الغازات إلى الغلاف الجوي يجب أن تصبح صفراً بحلول عام 2050.

https://www.nytimes.com/2022/12/13/science/nuclear-fusion-energy-breakthrough.html

حاز هذا الاكتشاف على تغطيةٍ إعلاميةٍ كبيرة، كونه جاء ثمرةً لاستثمارٍ طويل بطاقة الاندماج بدأ مع افتتاح مرافق المفاعلات عام 1997. وقد وصفت أراتي براباكار، مستشارة البيت الأبيض للشؤون العلمية هذه التجربة، بأنها "خطوة مفصليةٌ تمّ تحقيقها على ما يحمله الطريق من آفاقٍ للطاقة النظيفة."

4) نهاية السرطان؟ تطوّراتٌ غير مسبوقة في حقل علاج السرطان

وصف الدكتور "لويس إي دياز" نتائج تجربة دواءٍ جديد لمعالجة السرطان قائلاً: "أعتقد أن هذا حصل للمرة الأولى في تاريخ السرطان."

يُشير الدكتور دياز إلى تجربةٍ شملت 18 مريضاً بالسرطان حقّقت نتائج غير متوقّعةً أبداً، إذ اختفى السرطان تماماً، ولم يتراجع فقط، من جسم المرضى، أي أن المرضى لم يعودوا بحاجةٍ إلى أي علاجٍ إضافي. نشر الفريق نتائج التجربة في مجلة New England of Journal بتاريخ 23 حزيران/يونيو

في تجربةٍ أخرى مختلفة، استخدم فريقٌ آخر من العلماء مضاداً لاستهداف الخلايا السرطانية التي تحتوي على البروتين المتحوّل HER2 في أجساد عددٍ من المصابين بالسرطان، وكانت النتائج أيضاً مبهرة، إذ دمّر المضاد الخلايا بدقةٍ عاليةٍ جداً. في مقابلته مع النيويورك تايمز، قال أحد الأطباء أن هذه النتائج: "غير مسبوقة." وأن هذه التجربة قد تشكّل "معياراً جديداً لمعالجة السرطان." نُشرت نتائج التجربة في المجلة نفسها بتاريخ 7 تموز/يوليو.

https://www.nytimes.com/2022/06/05/health/rectal-cancer-checkpoint-inhibitor.html

شهد هذا العام أيضاً اختراع اختبارٍ دمٍّ جديد لرصد مرض السرطان في مراحله المبكّرة (ولمن لا يعرف، فإن رصد المرض في مراحله المبكّرة يمنح المرضى الفرصة الأكبر بالشفاء منه). لا يزال الاختبار في مراحله الأولية، حتى أنه لم يحصل بعض على موافقة إدارة الغذاء والأدوية في أمريكا، ولا يزال سعره يصل إلى 1000 دولار، إلا أن نتائجه واعدةٌ جداً، فقد قالت الشركة المصنّعة للاختبار، الذي أُطلق عليه اسم Galleri، أنه يرصد 50 نوعاً مختلفاً من السرطان مع نسبة خطأٍ أقل من 1%.

5) "عاصفةٌ في فنجان" تاريخية، محاكاة حفرةٍ دوديةٍ بواسطة حاسوبٍ كُمّي

مع أن هذا الاكتشاف هو أقرب إلى الجانب النظري، قد يساعدنا نجاح هذه التجربة على فهم المزيد عن عالم فيزياء الكمّ الذي يزخر حتى اللحظة بالكثير من الأسئلة الصعبة، وتحديداً نظريات الجاذبية الكمية (التي تحاول فهم الجاذبية من خلال قوانين فيزياء الكمّ، بدلاً من الفيزياء التقليدية).

حسناً، ما هي الحفر الدودية؟ الحفر الدودية مأخوذةٌ من نظريات أينشتاين عن "الزمكان" (الزمان-المكان)، وهي أجسامٌ تصل نقطتين بعيدتين عن بعضهما البعض في الكون، وهنا تكمن أهمية هذه التجربة.

قام فريقٌ من الباحثين بمحاكاة حفرتين سوداوتين في حاسوبٍ كمي، ونجحا بنقل رسالةٍ بين حفرتين، أي أن الفريق نجح في محاكاة، ولو نظرياً، نفقٍ بين نقطتين مختلفتين في الكون. نُشرت نتائج التجربة في Nature بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

6) انقراض الإنفلونزا؟ تطوّراتٌ كبيرةٌ في مجال اللقاحات

لن يختلف شخصان أن فيروس كوفيد-19 كان كابوساً على البشرية، ولكن، ربما في محاولةٍ لإيجاد الحياة في الموت، فقد كان للجائحة أن تسرّع وبشكلٍ كبيرٍ من تطوير اللقاحات، ولم يكن لقاح mRNA هو البداية.

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، نجح لقاحٌ تجريبي يستخدم ذات تقنية لقاح كوفيد-19، في استثارة ردّة فعلٍ مناعية استطاعت التغلّب على جميع أنواع الإنفلونزا المعروفة في الحيوانات. نشر الفريق نتائج التجربة في مجلة Science بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

لا يقي اللقاح من الإصابة، ولكنه يزيد مناعة الجسم، مقلّلاً مما تحدثه الأعراض الضارة للإنفلونزا على الجسم. فهل لك أن تتخيّل لو كان هناك دواءٌ يساعد جسم الإنسان على التغلّب على جميع أنواع الإنفلونزا، "أليس هذا رائعاً" كما يقول "سكوت هينسلي" بروفيسور علم الأحياء المجهري. في جامعة بينسلفينيا.

mRNA vaccine

ما يزيد من أهمية لقاحٍ كهذا، وهذه التجارب بشكلٍ عام، هو مخاوف العلماء من أن الجائحة العالمية القادمة قد تكون أيضاً نوعاً آخر من الإنفلونزا أكثر فتكاً من كوفيد-19، وفقاً لأحد مصنّعي لقاحات كوورونا.

من ناحيةٍ أخرى، نجح فريقٌ من جامعة أكسفورد في شهر أيلول/سبتمبر الماضي بتطوير لقاحٍ لمرض الملاريا، الذي يفتك بأكثر من 400 ألف إنسانٍ سنوياً (ربما نسينا بسبب كوفيد-19 أن هناك أمراضاً أخرى يجب علينا محاربتها). وقد كان اللقاح فعالاً جداً وفقاً للتجربة التي ضمّت 450 طفلاً من وبركينا فاسو، بنسبة وقاية تصل إلى 80% بعد ثلاث جرعات وجرعة مقوّية.

7) كونٌ بديع الكشف عن صورة الكون من تيلسكوب جيمس ويب بعد رحلةٍ دامت عاما

الخاتمة ستذهب بنا إلى بداية كل شيء، إلى أجمل اكتشافات هذا العام، وإلى السبب الذي جعل 2022 عاماً فضائياً بامتياز. في شهر تموز/الفائت، أرسل تيلسكوب جيمس-ويب صوراً من زوايا الكون البعيدة بجودةٍ عالية، تُظهر الصور سُدماً جميلة ومجرّات (قد تبدو من بعيد نجوماً صغيرة) من كوننا البديع.

تلك العتمة الباهرة

التقطت أحد الصور شعاعاً ضوئياً يبلغ عمره أكثر من 13 مليار عام، وقد كان ذلك أقدم صورةً مسجّلةً للكون، وهو ما قد يكون ذا فائدةً عظيمةً في مساعدنا على تأريخ الإجابة عن سؤال نشأة الكون والانفجار العظيم.

 نشر موقع ألترا صوت شرحاً تبسيطياً لهذه الصور ومعناها في هذا التقرير