08-ديسمبر-2020

تعثر جديد في مفاوضات بريكسيت (Getty)

قبلَ سنة من اليوم كان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ينقل إلى شعبه بشارة تحقيقه ما استحال على اثنين من سابقيه: نجاحه في تحصيل صيغة طلاق بلاده والاتحاد الأوروبي، حظيت بموافقة بروكسيل وويستمينيستر على حد سواء. لم تدم الاحتفالات طويلًا، وخلال سنة كان من المفترض لها أن تكون انتقالية، لم يتوصّل الفرقاء، إلى الآن، إلى اتفاق يرعى هذا الانتقال، بالتحديد في نقاطه الحساسة: الأمن، التبادل التجاري وحرية التنقّل. طالت المفاوضات غير المثمرة، وقبل أن تنتهي المدة، أقرّ الفريقان إيقافها في دقّ لناقوس خطر انسداد لا رغبة لأي طرف في حلحلته، بالمقابل كلاهما يدركُ خطَر "بريكسيت دون اتفاق"!، وكلاهما يدرك المهمة الصعبة: إنعاش المفاوضات والتوصل إلى اتفاق، في مدة أقل من ثلاث أسابيع. 

"لا اتفاق إلا باحترام سيادة بريطانيا" صرّح كبير مفاوضي بريطانيا، دافيد فروست، المكلّف بتمثيل بلاده في مباحثات البريكسيت، فيما تواجه المفاوضات تعثرًا جديدًا

"رمية نرد أخيرة" لفك انسداد المباحثات

"لا اتفاق إلا باحترام سيادة بريطانيا" صرّح كبير مفاوضي بريطانيا، دافيد فروست، المكلّف بتمثيل بلاده في مباحثات البريكسيت، بما في ذلك "سيادتنا على حدودنا، على تقرير أنظمة الدعم الحكومي خاصتنا، وعلى مياهنا الإقليمية" يضيف. هذا التصلّب في الموقف المشترك بين المفاوض المذكور ونظيره الأوروبي، ميشيل بارنييه، السمة الرئيسية لآخر مستجدات المسلسل التفاوضي، لحدّ دفعهما يوم السبت الماضي إلى إعلان "أنه لم تتم تلبية شروط التوصل لاتفاق بسبب اختلافاتنا الكبيرة"، ما يعيد احتمالية البريكسيت دون اتفاق إلى الواجهة، والتي لا تصب في مصلحة أي من الطرفين.

اقرأ/ي أيضًا: بروكسل تفرض الشفافية على فيسبوك كي لا يتكرر سيناريو بريكسيت.. ما القصة؟

ومخافة إجهاض المباحثات، والتوجه رأسًا إلى ذلك السيناريو غير المحمود، جمعَ اتصال هاتفي مطوّل كلًا من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فو دير لين، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يومَ السبت الماضي. الاتصال الذي وصفه مراقبون بـ "رمية النرد الأخيرة" لإنعاش مسلسل التفاوض، يستهلّ الرئيسان بيانهما المشترك عقبه بالتذكير بالمسائل الثلاث العالقة على طاولة التفاوض، ويجتمع الإثنان على أنه "لا اتفاق ممكن ما لم يتم التوصل إلى حل لهذه المسائل".

هذا واتفق الرئيسان على مواصلة الجهود لحلحلة هذا الانسداد وتخطي "الاختلافات الكبيرة" في وجهات نظر الطرفين، كما أقرا عودة مفاوضيهما إلى الطاولة بعد أن تم إيقاف المفاوضات يوم الجمعة الماضي. عودة أقرها الاتفاق ليوم الاثنين، 7 كانون الأول/ديسمبر، وفي ردود فعل إثرَ جولتها الصباحية، عاد ميشيل بارنييه إلى  التحذير بأنه رغم جهود الرئيسين "لا انفراج يلوح في الأفق فيما يخص المسائل العالقة، ولازال الانسداد قادرًا على إجهاض المفاوضات". 

ثلاث مسائل عالقة على طاولة التفاوض

الصيد البحري، التبادلات التجارية والحكامة وسبل فك النزاعات، هي ذي المسائلُ العالقة التي ترزح بثقلها قاطعة الطريق أمام أي اتفاق يمكن لبريطانيا والاتحاد الأوروبي التوصل إليه، قبل أن تغادر الأولى السوق الأوروبية المشتركة نهاية هذا الشهر، كانون الأول/ ديسمبر الجاري.  كلا طرفَي طاولة المفاوضات يدركان أن الوقت يداهمهما، فيما الأمر برمتّه يعدّ مفصليًا في معيش قطاع هام من الشعوب بين ضفّتي المانش، وبالتالي الخروج دون اتفاق مغامرة غيرُ محسوبة العواقب.

فيما يخصّ الصيد البحري، اقتراح بريطانيا كان فتحها مياهها الإقليمية أمام الأساطيل الأوروبية لمدة ثلاث سنوات، مقابلَ تنازل هذه الأساطيل على 80% من حجم صيدها السنوي داخل تلك المياه، والذي يقدّرُ بـ 630 مليون يورو سنويًا. هذا الاتفاق يخص فقط المنطقة البحرية ما بين 22 إلى 370 كلم، وبعد انقضاء السنوات الثلاث يعود اتفاق الصيد عبر مفاوضات سنوية. اقتراح يرفضُه الاتحاد الأوروبي شكلًا ومضمونًا، مع أن بوريس جونسون قد أبدا شيئًا من المرونة لاحقًا وخفّض النسبة إلى 50% من الحمولة السنوية المصطادة، فيما ما تريده بروكسل هو إقرار اتفاق صيد بحري دائم ضمن شراكة اقتصادية شاملة.

وضمن هذه الشراكة التي يطمح للاتفاق أن يحدد معالمها، تلح أوروبا أن يتضمن الاتفاق شروطًا قاسية على الدعم الحكومي للشركات، مخافة تمكين بريطانيا شركاتها من امتيازات تضر مصالح الشركات الأوروبية خلال التنافس الاقتصادي، كذلك تدفع بقواعدَ صارمة تعرقل الطريق أمام أي تشويش مفترض على مناخ هذا التنافس.

كذلك من المسائل التي تتصلب مواقف الطرفين إزاءها سبل فض النزاعات بين بريطانيا والاتحاد في حال خرق الاتفاق التجاري بينهما، بروكسل تريد فرض آلية عقوبات مباشرة. فيما هناك قضية أخرى محورية تحط بثقلها، هي الحدود البرية بين بريطانيا وإيرلندا، التي أصبحت بموجب قرار الطلاق حدودًا أوروبية، التزمت بريطانيا بالحفاظ عليها مفتوحة، بالمقابل أقرت إنهاء حريّة التنقل بالنسبة للمواطنين الأوروبيين مطلع السنة القادمة. 

قلق الدول الأعضاء واحتمالُ إجهاضٍ بالفيتو

موقف بريطانيا واضح: منع دخول أي قارب صيد أوروبي إلى منطقة nm 6-12 (مابين 11 و22 كلم) من مياهها الإقليمية. هذا الموقف مقلق بالنسبة لدول الساحل الجنوبي من القناة الإنجليزية ومضيق دنفر: هولندا، بلجيكا وفرنسا. والذي يهدد بشكل مباشر زوارق الصيد الصغيرة والصيد المعيشي الذي تسترزق منه ساكنة مدنها الساحلية.

"نتمنى الوصول إلى اتفاق، لكن ليس بأي ثمن ولا بالتضحية بالصيد البحري مقابلَ التوافقات السياسية" صرّح مساء الخميس رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس، خلال زيارة له لمدينة بولوني سور مير الساحلية شمال البلاد. مؤكدًا وسطَ جمع من مهنيي قطاع الصيد بأن "الوضعية بل الاتفاق لن تكون نفسها بعده"، ولهذا الغرض أعلن "التزام الدولة الفرنسية لمواكبة شغيلة القطاع أثناء هذا الانتقال" كما دعا لـ "التضامن العام بين مختلف المتدخلين خلال هذه الظرفية".

قلق فرنسا حول هذا الأمر، كما قلقها على مصالح شركاتها في وجه أي اتفاق قد يضر بها، دفعها للتلويح بورقة الفيتو. هذا ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي، كليمون بون، يوم الجمعة قائلًا: "إذا أتوا باتفاق لم ينل رضانا سنعارضه، حتى لو تطلب ذلك ممارسة حقّ الفيتو". مضيفًا أنه على الاتفاق أن لا يضرّ مصالح الفرنسيين، هذا "واجبنا إزاء صيادينا وواجبنا إزاء مختلف القطاعات الاقتصادية المهددة"، كما أن "احتمال البريكسيت دون اتفاق وارد بشدة" لذا "علينا التحضير له".

ليست فرنسا القلقة الوحيدة مما يجري داخلَ ردهات التفاوض بين بريطانيا والاتحاد، فإيرلندا هي الأخرى تعادلها قلقًا وإحباطًا

ليست فرنسا القلقة الوحيدة مما يجري داخلَ ردهات التفاوض بين بريطانيا والاتحاد، فإيرلندا هي الأخرى تعادلها قلقًا وإحباطًا، وهو ما عبر عنه وزير خارجيتها، سيمون كوفيني، بالقول: "هو إحباطٌ عام يسود الجانب الأوروبي إزاء المباحثات الجارية، ليس داخلَ فريق التفاوض فحسب بل بين عامة الدول الأعضاء"، مضيفًا أن "احتمال الخروج دون اتفاق بات أمرًا يجب الاستعداد له!". إيرلندا التي تعدّ هي الأخرى من أكبر المتضررين، في حال خروج بريطانيا من الاتحاد دون اتفاق ستضيع على اقتصادها نسبة 3% من النمو السنوي، كذلك فرض رسوم جمركية على الصادرات الإيرلندية، سيضع على الفاعلين الاقتصاديين في البلاد التنافسية داخلَ السوق البريطاني.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بريطانيو الاتحاد الأوروبي.. احتجاج متأخر ضد البريكسيت