12-مارس-2016

من سجلات مخابرات الأسد

يكثر النقد في الساحة العربية ومنها الفلسطينية لمجمل جماعات من المثقفين المرتزقة على قوائم "مكافئات" ورشاوي أجهزة أمنية ودكتاتورية وممالك ظلام باتت تهيمن أكثر من أي وقت مضى على الفضاء الإعلامي وفضاء الطباعة والنشر عربيًا.

وليست حالة الارتزاق بالطارئة على حيز إنتاج الكلمة عربيًا، فهي قديمة قدم القلم والسيف وتفاعلهما حلفًا أو ضدًا. لكن الطارئ أو المستجد فيما يتعلق بالارتزاق يرتبط بجٌل التحولات القائمة منذ أن تحركت الشعوب العربية ضد جلاديها وأدواتهم الأمنية والبروباغندية، إذ أمست الجهود المنصبة في إطار إعادة صياغة وصيانة وجود الأنظمة الاستبدادية في وجه مطالب الشعوب حاجة دكتاتورية ملحة، هدفها الاستمرار بالوجود أولًا، ومن ثم شرعنة هذا الوجود ثانيًا.

بشار الأسد ليس أول ملائكة عادل سمارة الممولين، فسجل الرجل حافل بالدفاع والتنظير للعقيد معمر القذافي ونظامه مثلًا

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يوثق نظام الأسد بالكاميرات الروسية دمار حمص؟

لا تشكل حالة الكاتب عادل سمارة شذوذًا عن السائد في إطار علاقات الارتزاق والاسترزاق الإعلامي، على الرغم من جهود الرجل في نقد التمويل، إلا في مدى فداحتها لناحية الوقت والجهد المهدور إلى جانب مستويات التلفيق والهلوسات المتعالية بإدعاء امتلاك حقائق ووثائق دائما ما يهدد بكشفها، دون أن يخرج  منها إلى النور شيئًا، حتى يخال من يفكر في متابعة 24 ساعة من الأداء الإعلامي لسمارة، عبر جوقة القنوات والأدوات الإعلامية الموالية لنظام بشار الأسد، أنه أمام المفوه الأول والأخير للدفاع عن نظام الأسد ظالمًا أو ظالمًا.

لكن أين الغرابة حقًا، فنذر النفس في سبيل الدفاع عن أسياد التمويل لهو من طبائع علاقة المموِّل بالمموَّل. وبشار الأسد ليس أول ملائكة سمارة الممولين، فسجل الرجل حافل بالدفاع والتنظير للعقيد معمر القذافي ونظامه مثلًا، كما التمول منه على اسم مشاريع بحثية وإعلامية، لم يعرف لها مصير، تمامًا كما أحد المشاريع الصحفية السينمائية الذي لم يعرف شريك سمارة في شركة إنتاج إعلامي عملا فيها معًا آواخر ثمانينات القرن الفائت، مصير المشروع وميزانيته وأرشيفه بعدما خرج من السجن الإسرائيلي، ليشاهد شريك سمارة المواد الأرشيفية النادرة تعرض على أكثر من قناة أجنبية وعربية لاحقًا. طريف كيف استثمر "المثقف العضوي والمنظر العمالي" غيبة رفيقه في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

كذلك سجل سمارة حافل بالتنقلات السياسية، سواء فلسطينًا أم عربيًا، فهل نكون أمام حالة قومية/ شيوعية/ نيوليبرالية؟! من الصعب التحديد، فميول الرجل متقلبة، حينًا لأئمته الأممية الشيوعية وحينًا القومية العربية، وكذلك بالنسبة لانتمائه الفصائلي فلسطينيًا، فلم يكمل سمارة عقدًا من الزمن على جبهة واحدة، دائم الحركة والتنقل، دائم التغيير فيما يخص من يدافع عنهم، لكنه تقريبًا محدد وثابت بالنسبة لمن يهاجمهم ويبذل قصارى العمر في مناكفته إياهم.

اقرأ/ي أيضًا: أي مصير للسوريين العالقين في اليونان؟!

السخرية القدرية تكمن في أن بعض من ينهمك سمارة في إيقاد الشائعات وتلفيق سير وحكايات يربطها بهم ويحملهم مسؤولية كوارث الأمة بالكاد يعرفونه، وإن كانوا عرفوه يومًا، فبالكاد يتذكروه أو يطلعوا على ما يكيله في حقهم. هل يمكن الحديث هنا عن عوامل نفسية تحرّك المقالات المتطاولة وتجعلها تكرارًا مملًا لأسماء بعينها حد الهوس؟ ربما!

وعلى سيرة المُقيْلات التي يمطّها سمارة بمقدمات من بضع مفردات مكرورة لمدارس فكرية وسياسية بائدة، لتغدو ما يسميها أبحاثًا أو كتبًا، يظهر بما لا يترك أي مجال للشك أنه منشغل بكل شيء سوى إسرائيل والمشروع الصهيوني نفسه، ذاك الذي يدعي أنه محدد مواقفه من النظم والتيارات السياسية. واللافت أن إسرائيل أيضا غير منشغلة به، فسمارة الذي يدعي في كل سانحة كشفه لشبكة للموساد وأعوانه أو لمخططاته في المنطقة العربية في سعي لتشويه أعداء الاستبداد الحقيقيين، لا يبدو مستأهلاً ولو لتحقيق بسيط أو توقيف عابر من قبل الاحتلال الإسرائيلي وهو يعبر معابره ويتنقل هنا وهناك. كم هو غبي هذا الموساد، يعيش سمارة على بعد خطوات من مستعمرات الاحتلال وجنوده، ولا ينتبه الاحتلال لإنجازاته المتواصلة في كشف شبكات الموساد الدولية ومخططاته في المنطقة كلها! إنه الممانع الخارق بلا شك.

إن أبرز ما حققته هبات وثورات الشعوب العربية في ربيعها أنها أتت كاشفة، ليس لحركة التاريخ فحسب، بل للعديد من الوجوه والشخوص والمواقف. فتضخمت المواد والوثائق والفضائح المنشورة بخصوص مؤامرات عديدة لم يكن عرّابوها إلا من يصدعون الأسماع بالتعبير عن يقينهم من حقيقة المؤامرة التي تواجهها الأمة، في حين أن هؤلاء أنفسهم، وليس عادل سمارة وحيدًا في هذا المضمار، يمارسون التعامي والتغاضي عمدًا عن أنظمة دون سواها، والأفدح أن بعض هذه الأنظمة هي من ذات الحلف الذي يهاجمه هؤلاء ويعتبروه قائدًا للمؤامرة على عروش أسيادهم.

على أي حال، ما وجب التنبيه إليه أن الحقائق لا تقاس بعلو الصوت ولا بعدد دقائق أو ساعات البث المباشر لهذا الوجه أو ذاك، وما الوثيقة المرفقة أعلاه إلا إحدى المتابعات المالية المنتشرة لإحدى الدفعات المستحقة لعادل سمارة من الدم السوري عبر مخابرات بشار الأسد، علمًا أنها ليست الوحيدة، وعند مجرد البحث في جوجل عن اسم "عادل سمارة" تتوالى شبيهاتها.

اقرأ/ي أيضًا:

دولة الأكراد في سوريا.. أقرب من أي وقت مضى

مصر.. أبرز فضائح إعلام السيسي