10-أبريل-2025
المتهمون الثلاثة قبل نقلهم في طائرة إلى الولايات المتحدة (موقع الرئاسة الكونغولية)

المتهمون الثلاثة قبل نقلهم في طائرة إلى الولايات المتحدة (موقع الرئاسة الكونغولية)

بينما تتصاعد التوترات في شرق الكونغو الديمقراطية وسط صراع دموي مع الجماعات المتمردة، وفي لحظة مفصلية من المحادثات الأمنية والاقتصادية بين كينشاسا وواشنطن، سُلّم ثلاثة مواطنين أميركيين إلى السلطات القضائية في الولايات المتحدة، بعد اتهامهم بالمشاركة في محاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي.

الخطوة، التي وُصفت بأنها جزء من "دينامية تعزيز الدبلوماسية القضائية"، جاءت في وقت تشهد فيه الكواليس مفاوضات حثيثة للتوصل إلى شراكة استراتيجية تمنح واشنطن امتيازات في ثروات الكونغو المعدنية مقابل دعم أمني لمواجهة الجماعات المسلحة، وهو ما يُنظر إليه كتحالف مصالح يعيد رسم خريطة النفوذ في قلب القارة الأفريقية.

الخطوة، التي وُصفت بأنها جزء من "دينامية تعزيز الدبلوماسية القضائية"، جاءت في وقت تشهد فيه الكواليس مفاوضات حثيثة للتوصل إلى شراكة استراتيجية تمنح واشنطن امتيازات في ثروات الكونغو المعدنية مقابل دعم أمني لمواجهة الجماعات المسلحة

من أحكام الإعدام إلى محاكمة على الأراضي الأميركية

أعلنت وزارة العدل الأميركية، أمس الأربعاء، أن الأميركيين الثلاثة الذين أُعيدوا من الكونغو الديمقراطية إلى الولايات المتحدة، وُجهت إليهم تهم بالمشاركة في محاولة انقلاب تهدف إلى الإطاحة بحكومة كينشاسا العام الماضي. كما وُجهت تهم إلى أميركي رابع، وصفه الادعاء بأنه خبير متفجرات، بدعوى مساعدته في تنفيذ المؤامرة.

وهذه التهم الجنائية هي نفسها التي استندت إليها المحكمة في كينشاسا، حيث حُكم على المتهمين بالإعدام، قبل أن تُخفف العقوبة لاحقًا إلى السجن مدى الحياة، ليُنقلوا في النهاية، يوم الثلاثاء، إلى عهدة السلطات الأميركية لمحاكمتهم داخل الولايات المتحدة.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنها كانت على علم بنقل الرجال الثلاثة إلى مركز احتجاز داخل الولايات المتحدة، وأحالت جميع الأسئلة إلى وزارة العدل، التي صرّح متحدث باسمها بأنه "لا تتوفر معلومات يمكن مشاركتها في الوقت الحالي".

وأفاد المدّعون الفيدراليون بأن الشكوى الجنائية التي كُشف عنها يوم الأربعاء، والتي جاءت بعد تحقيق طويل أجرته وكالة التحقيقات الفيدرالية (FBI)، تتهم المتورطين بالتآمر لتوفير أسلحة ومتفجرات ودعم لوجستي آخر لجيش متمرد شكّلوه بهدف الإطاحة بالحكومة.

ولا تزال الشروط الدقيقة لاتفاقية نقل السجناء غير واضحة، غير أن خبراء في القانون الدولي قالوا إنه من غير المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بتخفيف أحكامهم.

صفقة المعادن وراء الكواليس

قالت الرئاسة الكونغولية، في بيان، إن "هذا القرار يأتي في إطار دينامية تعزيز الدبلوماسية القضائية والتعاون الدولي في مجال العدالة وحقوق الإنسان بين البلدين".
وأوضحت المتحدثة باسم الرئاسة الكونغولية في وقت سابق أن قرار العفو قدّمه المدعي العام، وجاء بتوصية من وزير العدل في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وفي هذا الإطار، تأتي عملية إعادة المواطنين الأميركيين الثلاثة في سياق مساعٍ تبذلها السلطات الكونغولية للتوصل إلى اتفاقحول المعادن مع الولايات المتحدة، مقابل دعم أمني لمواجهة الجماعات المتمردة في شرق البلاد.

وكان كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا قد أكد، الأسبوع الماضي، أن بلاده تُجري محادثات مع الكونغو بشأن هذه المسألة، مشيرًا إلى أنها قد تشمل "استثمارات بمليارات الدولارات".

وفي الأسبوع الماضي، أجرى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، محادثات في العاصمة كينشاسا مع كل من مستشار الرئيس الأميركي لشؤون إفريقيا، مسعد بولس، ونائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون إفريقيا، كورينا ساندرز.

من جهتها، قالت المتحدثة باسم الرئاسة الكونغولية في منشور على منصة "إكس"، إن هذه المحادثات "أسفرت عن التوافق على هدفين مهمين: تحقيق سلام دائم يكرّس وحدة أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتعزيز الروابط الاقتصادية، بما في ذلك استثمارات القطاع الخاص في قطاع التعدين".

وتقدّر الولايات المتحدة أن لدى الكونغو ثروات معدنية تريليونية، معظمها لا يزال غير مستغل.

من هم الأميركيون الثلاثة؟

من بين المتهمين الثلاثة، مارسيل مالانغا، البالغ من العمر 22 عامًا، وهو نجل المعارض السياسي الكونغولي كريستيان مالانغا، الذي قاد محاولة الانقلاب وهاجم القصر الرئاسي في كينشاسا. وقد ظهر في بث مباشر من داخل القصر أثناء تنفيذ المحاولة، قبل أن يُقتل لاحقًا أثناء محاولة القبض عليه. وذكرت السلطات الكونغولية أن المخطط كان يهدف إلى إقامة حكومة تُعرف باسم "زائير الجديدة"، على أن يتولى كريستيان مالانغا رئاستها.

ويعرف كريستيان مالانغا، المولود في كينشاسا، نفسه عبر موقعه الإلكتروني بأنه لاجئ استقر في الولايات المتحدة مع عائلته في التسعينيات. وقبل محاولته الانقلابية، عمل في تجارة السيارات المستعملة، كما انخرط في أنشطة التنقيب عن الذهب، وأقنع ابنه المولود في ولاية يوتا الأميركية بالانضمام إليه في المخطط.

ووفقًا للوثائق القضائية، فقد قدّم مارسيل نفسه على أنه رئيس أركان جيش زائير، ولعب دورًا قياديًا في محاولة الانقلاب. وتحدث أصدقاء لمارسيل عن أنه عرض على البعض مبلغ يصل إلى 100 ألف دولار للانضمام إلى "مهمة أمنية" غامضة في الكونغو، وفق قولهم.

أما المتهم الثاني، تايلر تومبسون، البالغ من العمر 22 عامًا، الذي كان زميلًا لمارسيل في فريق كرة القدم خلال المرحلة الثانوية في يوتا، فيُعرف بأنه خبير في الطائرات المسيّرة، ويُشتبه في أنه بحث عن إضافة قاذف لهب لطائرة مسيّرة بهدف استخدامها في الهجوم.

وتقول عائلته إنهم ظنّوا أنه ذاهب في أول عطلة له خارج البلاد، وقد تكفّل كريستيان مالانغا بتكاليف الرحلة.

وشوهد تومبسون ومارسيل وهما يُجريان تجارب على الطائرات المسيّرة ويُطلقان النار من أسلحة نارية في ميدان تدريب قرب سولت ليك سيتي قبل مغادرتهما إلى إفريقيا.

أما زلمان-بولون، البالغ من العمر 37 عامًا، ويحمل الجنسية الإسرائيلية كذلك، فيعمل بمجال التنقيب في المناجم، ويُقال إنه سافر إلى يوتا للمساعدة في تجنيد عناصر لجيش المتمردين. وتشير الوثائق إلى أنه كان من المتوقع أن يتولى منصب رئيس ديوان كرستيان مالانغا، أو يعمل في المجال المالي في الحكومة الجديدة.

فيما يُزعم أن جوزيف بيتر موسير، البالغ من العمر 76 عامًا، قد ساعد مارسيل وكريستيان على تثبيت قاذف اللهب، وعلّمهما كيفية استخدام الطائرات المسيّرة لإلقاء القنابل. كما كشفت الرسائل التي حصل عليها المحققون عن تورط موسير في التخطيط مع مالانغا لشحن متفجرات وبنادق من نوع AR-15 إلى الكونغو الديمقراطية.

وأظهرت الوثائق الجنائية أن ثلاثة من المتهمين كانوا في موقع تنفيذ الهجوم، استنادًا إلى صور ومنشورات على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، بينها مقاطع بثّ حي بثّها كريستيان مالانغا بنفسه.

تفاصيل موسعة عن محاولة الانقلاب

وبحسب الوثائق التي قدمت للمحكمة، وقدمت أكثر الروايات تفصيلًا حتى الآن عن محاولة الانقلاب على الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي التي جرت في أيار/مايو 2024.

وتشير الوثائق إلى أن ستة أشخاص على الأقل، بينهم كريستيان مالانغا، لقوا حتفهم خلال الهجوم الذي شنّه مسلحون يرتدون الزي العسكري على منزل الرئيس وأحد نوابه.

وتوضح الوثائق أن محاولة الانقلاب لم تكن فكرة مرتجلة، بل كانت مؤامرة حُضّر لها منذ أشهر، شارك فيها المتهمون عبر تجنيد أصدقاء في الولايات المتحدة، وشراء طائرات مسيّرة وأسلحة، والخضوع لتدريبات مكثفة على استخدام الأسلحة النارية.

كما يُشتبه في أنهم استولوا على حافلة وهاجموا مركزًا للشرطة في كينشاسا للحصول على مزيد من الأسلحة قبل تنفيذ الهجوم.

وكان الأميركيون الثلاثة من بين 37 شخصًا حكمت عليهم محكمة عسكرية كونغولية بالإعدام في أيلول/سبتمبر الماضي، بتهمة المشاركة في محاولة قلب نظام الحكم في كينشاسا.

ومن المتوقع أن يمثل المتهمون الثلاثة، بعد إعادتهم إلى الولايات المتحدة، أمام المحكمة في بروكلين. فيما سيمثل المتهم الرابع، أمام محكمة في مدينة سولت ليك بولاية يوتا يوم الخميس. ويقول الادعاء إنه قدّم تدريبات وتعليمات حول المتفجرات في منزله بولاية يوتا، وساهم في توفير أسلحة للمجموعة.

معلومات محدودة وفرحة عائلية

وقالت محامية تومبسون، سكاي لازارو، لوكالة "أسوشيتد برس"، إن لديها معلومات محدودة حول وضعه القانوني عند وصوله إلى الولايات المتحدة، مضيفةً أنها تعتزم متابعة جميع المسارات القانونية المتاحة بشأن احتجازه.

وقد استقبلت عائلات المعتقلين خبر عودتهم بفرح كبير. وقالت زوجة والد تومبسون، ميراندا تومبسون، لوكالة "أسوشيتد برس"، إنهم لا يعرفون جميع التفاصيل "لكننا في غاية السعادة لكونه على التراب الأميركي مجددًا". وأعربت عائلة تومبسون عن امتنانها للدعم الذي تلقوه من الحكومة الأميركية والعائلة والأصدقاء.