11-يناير-2018

عائلة جادو

من جديد، يعود الكاتب والروائي المصري أحمد الفخراني برواية "عائلة جادو.. نص النصوص" (دار العين، 2017) الذي يبدو الأكثر نضجًا في مشواره رغم طولها النسبي.

تطالع رواية "عائلة جادو"، عبر 433 صفحة من القطع المتوسط، رحلة أشخاص يحاولوا أن يطرقوا أبواب عقلك ليخبروك أن الله لا يُرى إلّا في الحركة والبحث، وأن ضعف الموهبة يمكن للسعي أن يقتله. رسالة صريحة وسط عالم سيميولوجي غامض صنعه أحمد الفخراني وسار علية طوال روايته.

في ستة فصول يشبكْ الفخراني روايته "عائلة جادو" مع كل ما يوافق تتطور الأحداث وشخصياتها

"يا ميديويكرز العالم.. اتحدوا"؛ ربما عليك تجاهل تلك الرسالة التي تُستهل بها الرواية، وتستمر في الإبحار لكن ذلك أيضًا وعلى ما يبدو لن يصل بك لشيء أهم؛ رسالة السماء تلك تضغط وتطلب من متوسطي الموهبة، والذين سرقت منهم الحياة لأسباب لا يعلمها أحد ثقتهم بأنفسهم والآخرين أن يجتمعوا، فقط ليشعروا أن هناك في هذا العالم ثمة آخرون يشبهوني، فرغم فقدان الثقة علينا أن نواصل السير.

اقرأ/ي أيضًا: هزيمتنا في الرواية المصرية

يقول الراوي في رواية رواية "عائلة جادو": "بدأ كل شيء سريعًا كطيف، وضاغطًا ككابوس، تحرّرت من بطء الوقت، لأسير وفي يدي رسالة: فلتجد كارل ماركس... لدي فرصة واحدة وأخيرة لكي أنقل كلماته، وحده مثلنا جميعًا يصارع الجميع بلا رفقة ولا سلاح ولا انتصار بلا طبقات تتصارع أو عبيد يحطون آلة السيد"، رسالته شديدة الإيجاز يبصقها في وجهك منذ البداية ويتركك... ليصمت.

هل صادفت شخصًا قبل ذلك ماركسيًا ومتصوّفًا في آن؟ شاك في إيمانه بالله/مولانا، بينما يقتبس من حكمة التاو ما يستر عورات قلبه؟ يسخر من كل شيء فيما يشيّد معنى قد يبدو أخلاقيًا وجميلًا "ومقدّسًا"؟

في ستة فصول يشبكْ أحمد الفخراني روايته شديدة التعقيد من كل ذلك مع ما يوافق تتطور الأحداث وشخصياتها. "عائلة جادو" تجعلك أمام "نص بشري مقدس" لا يريد صاحبه أن يؤمن به الجميع قدر ما يريد أن يفهموه، ليس من قبيل الصدفة أن تُعنون بداية الرواية "بالفاتحة"، أو أن يسبق كل فصل مجاز ربما كُتب قبلًا في كتاب مقدّس؛ "التكوين" ثم "الشتات" ثم "التيه"، ننتهي في "وادي الفناء"، علامات لا تخطئها العين قبل أن تبدأ في مرحلة جديدة وتترك أخرى بعد صراع وصخب. 

وبالرغم من الضبابية ربما المقصودة بين تداخل صوت الراوي/الكاتب في البداية مع كلام "رزق" إلى أن الرواية تأتينا -في الغالب- على لسان بطلها "رزق نخنوخ الهواري" تاجر العبيد، والمالك لبطل رهانات المصارعة الشعبية "عبد المولى" الشهير باسم "هركليز"، الذي يزعم "رزق" أنه أتى به "عبر رحلة شاقة إلى مدينة مسحورة في موريتانيا"، في حين أن "الحقيقة غير ذلك. اشتريته ببساطة وأنا على مقهى في المطرية، أدخن الشيشة، واخترتُ جسده من بين آلاف الأجساد والأسعار بعملة الإنترنت المشفرة".

تقرأ وتقرأ، تتوقف لتحاول أن تفهم لا تجد أمامك سوى المفتاح الأكثر لفتًا ووضوحًا بأنه قد "بدأ كل شيء سريعًا كطيف، وضاغطًا ككابوس، تحرّرت من بطء الوقت، لأسير وفي يدي رسالة: فلتجد كارل ماركس"، ثمة أشياء كثيرة تدور في رأسك ومشاغل عليك إنجازها لكن لا تنسى هدفك/مهمتك في الحياة؛ مهما كان العذر، عليك أن تفهم "الإتجاهات خدعة" فلا تلتفت.

الماركسية، بحسب أحمد الفخراني، تنهيدة الكائن المضطهد، قلب عالم لا قلب له، وروح شروط بلا روح

مع مرور الوقت  -ونحن نحاول أن نفهم الأمر وحدنا- يخبرنا الراوي في رواية "عائلة جادو" أنه "في النهاية كانت حكايتي/نا ليس حكاية ماركس/رفيقه"، أنت تقرأ ذاتك وتسعى لها ليس إثباتًا لشيء آخر، وأن البطل الذي "ثقته قليله، يهدر الوقت في التأكد من القرار" (الميديوكر) هو كثير.. كثير جدًا، نفهم أن عقابنا الشديد هو "الانتظار دون أن يحدث أي شيء، لا تعذيب ولا نيران ولا طعام كالقيح، فقط لا شيء وإلى الأبد"، حتى النهايات لن تمنعنا من أن نصرخ في وجه العالم يصل صوتنا ونقتل الإكليشيه، لنقول إننا "لم نرد تلك النهاية.. أردنا أن نعيش ونزدهر، أن نجلب الضياء لعالم يتشوق لقليل من الحب، ربما لم يفهمنا أحد، لكننا حاولنا".

اقرأ/ي أيضًا: قاهرة مكاوي سعيد

اختار الكاتب الماركسية ربما لأنها "تنهيدة الكائن المضطهد، قلب عالم لا قلب له، وروح شروط بلا روح"، وربما لذلك اختار دلالات صوفية أيضًا، سواء عن طريق شيخه أو كلمات التاو الصيني التي لم تفارقه، ينتقل من حكايات صوفية إلى أخرى واقعية. مع الرحلة تفهم أنه ربما لم يتعلم الملهم السيد من تلامذته أو عبيده بقدر تبادلهم الأدوار، ربما هم ملهموه أعادوا إليه الحياة بأفكار.

تفهم كذلك ما السبب الوحيد الذي يجعل شديدي الذكاء والنجاح يقفون إلى جانب متوسطي الموهبة، ما قالته الأميرة عن رزق/بطلنا من أن "ما في عينيه شيء صادق لا يلوّث والأمل الدائم في النجاة وأن اللعبة تبدأ من جديد الكراهية للمسار والحياة الحالية رغم الانغماس فيها، والجوهر الصلب".

"عائلة جادو"، ليست ابنه أو والده بقدر ما كانت رمزًا لروحه كاملة، سعيه للحقيقة، وقتل كل حاجز لما نريد.

أحمد الفخراني يسير على خط أدبي مختلف، ينضج معه ببطء. حديثه عن "رزق نخنوخ الهواري"، عن من لم يأخذوا العالم بالصوت العالي والصراخ، من أراد أن يفهموا لا سيما يواجه صعوبة، لعب بالكلمات والعبارات تحتاج مساحات وقت للفهم، وإلى أن تفهم عليك أن تستمع لصرخة البطل وغيره بحسب إعلان استقلال الفضاء السيبراني؛ "العالم لن يصبح حكرًا على الموهوبين ومحتكري المعرفة، سر الموهبة للجميع، المعرفة للجميع، يا ميديوكرز العالم.. اتحدوا"، نسي أحمد الفخراني أن يكون أكثر قسوة ويقول "يا ميديوكرز العالم اتحدوا.. أو موتوا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ممدوح رزق.. إلى أطفال الثمانينيات في مصر

اكتب روايتك الآن.. 7 مصادر لتعلم الكتابة الروائية