26-مايو-2019

عائض القرني في أحضان ابن سلمان (فيسبوك)

أعادت قضية اعتذار الداعية السعودي عائض القرني للشعب السعودي عن الممارسات الدينية المتزمتة التي رافقت الصحوة الإسلامية، بداية الثمانينات من القرن العشرين، تسليط الضوء على طبيعة العلاقة التي حكمت وتحكم رجال المؤسسة الوهابية وملوك آل سعود.

يعيد اعتذار عائض القرني عن الممارسات المتزمتة التي رافقت الصحوة الإسلامية تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين الوهابية وملوك آل سعود

الجاهل ببواطن الأمور يظن أن رجال المذهب الوهابي يتمتعـون بسلطة مطلقة تصل لدرجة تأثيرهم في صانع القرار السعودي، أو على الأقل شركاء له في صناعة القرار، بينما جميع الوقائع تدلل أن رجال الوهابية بما فيهم جماعة الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، مضافًا إليهم الدعاة وطلاب العلم وشيوخ المذهب الكبار؛ خاضعون لسطة آل سعود السياسية على نحو كلي، الأمر الذي يجعلنا متشوقين لفهم هذه العلاقة التعاقدية بين طرفين مختلفين في الجوهر والرؤى، واحد ذو رؤية عقائدية دينية وآخر ذو رؤية دنيوية صرفة.

اقرأ/ي أيضًا: التكفير في خدمة السلطة

في مقالة مطولة أشبه ما تكون ببحث صغير "نقد العقل السياسي الوهابي.. دولة الأمير والشيخ أنموذجًا"، يكشف لنا الباحث عبد الحفاظ صحبوض طبيعة العقل السياسي الوهابي الذي حكم الحركة العقائدية السلفية لمحمد بن عبد الوهاب، من خلال سعيه لإقامة دولة ذات أيدلوجية سلفية خالصة، الأمر الذي اضطره للبحث عن إمارة قبلية ذات نفوذ قوي في منطقة نجد لتساعده في إنجاز المهمة التي وضعها نصب عينيه، فوجدها في الإمارة السعودية بقيادة الأمير محمد بن سعود التي كانت تتخذ من الدرعية عاصمة لها.

مقابل سماح محمد بن سعود لابن عبد الوهاب بالإقامة في مقر إمارته بالدرعية ليبشر بدعوته السلفية بين أبناء إمارته تلك، اشترط عليه في ذلك التحالف الذي أبرم بين الطرفين عام 1744، والذي عرف بتحالف الدرعية، شرطين رئيسيين؛ تضمن الأول: عدم لجوء ابن عبد الوهاب لفك التحالف بين الرجلين تحت أي ظرف من الظروف، أكان ذلك في حالة النجاح أم حالة الفشل، سواء لناحية نقل عبد الوهاب ولائه من قبيلة إلى أخرى، أو نقل ولائه من ابن سعود إلى الناس الذين يحكمهم. فيما تضمن الثاني إقرار ابن عبد الوهاب لابن سعود بالإبقاء على ممارسته لبعض الأعمال التي تخالف الشريعة التي يدعو إليها حتى ولو كانت حرامًا خالصًا، كالأتاوة التي كان يرفضها على مزارعي الواحات الذين يقعون في حمى إماراته.

تبدو محاولة اعتذار عائض القرني عن فترة الصحوة الإسلامية التي رعاها الملك فهد، ومن ثم إعلانه الالتحاق بفترة الردة عنها، أو فترة "الفرح الأعظم"، التي يقودها الأمير محمد بن سلمان منسجمة مع التوجه البراغماتي للدعوة الوهابية التي تضع مصلحة الأمير أو الملك السياسية فوق مصلحتها العقائدية، وهي مستعدة في سبيل ذلك أن تتحمل الألم النفسي الذي يتسبب به لها حكام آل سعود، مقابل الاقتناع بإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الأمور في ذهن الشيخ واضحة فطاعة ولي الأمر مقدمة على ما غيرها، لذا سرعان ما تراجع عن بيان الخمسة والعشرين عالمًا الذي أدان استقدام القوات الأجنية الكافرة لحماية السعودية زمن الغزو العراقي للكويت، الذي انتهى معظم موقعيه إلى السجن وإلى المنع من الخطابة لعشر سنوات، كونهم تجرؤوا على مشاركة الملك فهد في صناعة القرار السياسي الذي يحمي مملكته من الخطر العراقي الذي باغته إثر غزو الكويت.

في محالة إثبات عائض القرني لبراءته من أي تهمة قد تلصق في ظل محمد بن سلمان، لم يترك شيئًا يُرضي ولي نعمته إلا وأتبَعَه

يصر عائض القرني من موقعه كشيخ حذر وخائف من السقوط في أي فخاخ ملكية قد تودي به إلى السجن، لذا تراه يرفض التحليل المنطقي الذي يسعفه به عبد الله المديفر، مقدم البرنامج، لناحية تفسير الممارسات الدينية المتزمتة التي سادت فترة الصحوة، كنوع من الرغبة الملكية السعودية بسلب الخميني فكرة احتكاره للطابع التقشفي للدين ورغبته الملحة في إعادة الوهج للرموز الدالة على الهوية الإسلامية مثل حجاب المرأة ولحية الرجل، كما المواظبة على الصلاوات الخمس، يليها حرص شديد على منع اختلاط الناس والذكور في الساحات العامة، وهي الأمور نفسها التي حرص رجال هيئة المعروف والنهي على المنكر السعودية على الالتزام بها، رغبة منهم في منافسة هيئة شرطة الأخلاق التي أمر بإنشائها آية الله الخميني على الطرف الآخر من المناكفة العقائدية.

اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان عدو خططه.. وحش الاستبداد يفترس دعاية الإصلاح

في محالة إثبات الرجل لبراءته من أي تهمة قد تلصق به ظلمًا وعدوانًا في ظل التوجه الجديد لمحمد بن سلمان، لم يترك شيئًا يُرضي ولي نعمته إلا وأتبَعَه، فتارة نراه يهاجم الإخوان المسلمين ويأخذ عليهم رغبتهم في بناء دولة عقائدية عن طرق العنف، متجاهلًا التحالف العقائدي العميق الذي ربط بين الحركة الوهابية وحكام آل سعود في ذلك الزمان، الذي استنفرت الوهابية الجهادية في سبيل إنجاحه جملة واسعة من مفاهيم السياسة الشرعية المتعددة، مثل البيعة لولي الأمر وتكفير المختلفين عقائديًا مع مذهبها، واستباحة دمائهم وأعراضهم والتنكيل بهم حتى يعلنوا ولائهم لها. ومن ثم يهاجم قطر التي سبق له أن كان مقيمًا على موائد بعض قنواتها التلفزيونية تكسبًا لبعض المال، قبل أن يكتشف تآمرها على حكام آل سعود في عقر دارهم، وهو أمر يصعب تصديقه لناحية أن قطر غير مؤهلة للعلب مثل هذا الدورالجيوستراتيجي الخطير الذي يدعيه.

أثبت عائض القرني أنه شخص متذلل لولي نعمته حتى ولو طالبه باللامعقول، وحتى ولو مزق ضميره العقائدي وجعله يخونه عند كل زاوية ومنعطف

الناظم العام لخطاب الداعية عائض القرني في برنامج "الليوان"، مع الإعلامي المحقق عبد الله المديفر، على روتانا خليجية، هو التزامه بالمنهج الوهابي الذي سار عليه الآباء المؤسسون الخانعون، الذي أسس على أن الحق دائمًا في صف آل سعود، فاعتراضه على الممارسات التزمتية الإسلامية في عهد الملك فهد لم تكن منصبة على خيارات الملك الخاطئة لمواجهة الرغبة الإيرانية بالسطو على نموذج تقشفي وبسيط للإسلام يحاكي الفترة النبوية، بقدر ما كانت تجميلًا وتلطيفًا وترحيبًا بصدق خيارات الأمير محمد بن سلمان الصائبة. فما هو خاطئ في تجربة الصحوة كما ردد أكثر من مرة محاولة تدخل بعض علمائها في شؤون الملك الدنيوية الخاصة، كقولهم بحرمة دخول القوات غير المسلمة أراضي المملكة للدفاع عنها، الأمر الذي عنى ببساطة تمكين قوات صدام حسين من السيطرة عليها، أو على أحسن تقدير تنفيسهم للغضب المكتوم ضد آل السعود الذين يأخذون عليهم عدم مراعتهم لقواعد الشريعة السلفية، سواء عبر تخفيفهم لبعض الضوابط الدينية المفروضة على أتباعهم الدينيين كالسماح للمرأة بقيادة السيارة، أو ميلهم لانتهاك بعض هذه الشرائع دون أن يجرأ أحد على معاقبتهم.

اقرأ/ي أيضًا: "مطبخ" تُجار الدين.. دجاج عمرو خالد وشاي الكلباني وأرز العريفي

أثبت القرني طيلة هذا اللقاء التقربي للسلطة أنه شخص متذلل لولي نعمته حتى ولو طالبه باللامعقول، وحتى ولو مزق ضميره العقائدي وجعله يخونه عند كل زاوية ومنعطف، ولقد فضل على أن يلتفت إلى أنه يخون قضايا الناس في الحرية والكرامة الذي يدعي أن يهديهم إلى سواء السبيل، إذ لا سبيل في هذا العصر سوى سبيل الحرية وحقوق المواطنة المتساوية للجميع دون فضل ولا منة من أحد سواء كان ذلك ملكا أو رجل دين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بين سلمان الداعية وسلمان الأمير.. فوضى لأجل العرش

سلمان العودة تحت أعواد المشانق.. استنكار عربي لقمع ابن سلمان