16-سبتمبر-2020

كشف الوثائقي أن ابن نايف أجبر على الاستقالة (يوتيوب)

يُعبِّدُ ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان طريقهُ إلى عرش المملكة العربيّة السعوديّة، بالترهيب والاعتقالات والإذلال وسفك الدماء أيضًا. الأمير الخائفُ من ظلِّهِ، كما تُبيّنُ أفعالهُ الداخليّة والخارجيّة، يواصل وبجهدٍ دؤوب عملية التطهير التي بدأها داخل العائلة المالكة وأجهزة الدولة للتخلّص من أعداءٍ مُحتملين وآخرين مُفترضين قد ينافسونهُ على عرش مملكةٍ تتداعى.

الأمير الخائفُ من ظلِّهِ، كما تُبيّنُ أفعالهُ الداخليّة والخارجيّة، يواصل وبجهدٍ دؤوب عملية التطهير التي بدأها داخل العائلة المالكة وأجهزة الدولة للتخلّص من أعداءٍ مُحتملين وآخرين مُفترضين

إقالة الأمير فهد بن تركي قائد القوّات المُشتركة للتحالف الذي تقودهً السعوديّة في اليمن وإحالته إلى التحقيق بتهمة الفساد، هي الفصل الأحدث في سلسلة عمليات التطهير هذه التي طالت أيضًا الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف المُعتقلين. التهمة هي ذاتها التي يستخدمها محمد بن سلمان ضدّ خصومه داخل العائلة المالكة التي سبق وأن احتجز عددًا كبيرًا من أفرادها في حادثة "الريتز كارلتون" التي سبقت حادثة مقتل الصحافيّ السعوديّ جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركيّة، على يد مجموعة شُكِّلت لهذا الغرض تحديدًا، وتتّبع مُباشرةً لابن سلمان، الذي لا تُعدُّ أفعالهُ هذه إلّا حلقة واحدة من سياسته للاستفراد بالحكم والتخلّص من منافسيه وخصومه.

اقرأ/ي أيضًا: مسؤول سابق في الاستخبارات السعودية يقاضي ابن سلمان بتهمة "محاولة اغتياله"

وسط هذه المذبحة التي تُعبِّدُ طريق ابن سلمان إلى عرش المملكة المُتداعية، يبدو أنّ هناك من تمكّن من النجاة، على الأقلّ حتّى هذه اللحظة، وهو سعد الجبري، مُساعد ولي العهد السابق محمد نايف حينما كان وزيرًا للداخليّة، والمطلوب الأوّل لابن سلمان الذي حاول اختطافه وإعادته إلى السعوديّة لأسبابٍ عديدة، أهمّها أنّه الذراع اليمنى لابن نايف الذي كشف وثائقيٌّ بثّهُ التلفزيون العربيّ ليلة الاثنين 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، تحت عنوان "ظلّ الأمير" أنّه أُجبر على التخلّي عن منصبه لمحمد بن سلمان.

ويذكر الوثائقيّ أنّ ابن نايف تلقّى اتصالًا من مكتب الملك سلمان بن عبد العزيز مفادهُ أنّ عليه الحضور إلى قصر الصفا في مدينة مكّة لأمرٍ لا يقبل التأخير، وما إن وصل حتّى تفاجأ بمنع حرّاسه من مرافقته، وأنّ من كان بانتظاره ليس الملك أو نجلهُ، وإنّما مساعدي الأخير ومستشاريه سعود القحطاني وتركي آل الشيخ، اللذين مارسا عليه وعلى مدار ساعاتٍ طويلة، ضغوطاتٍ هائلة لإجباره على التنازل عن منصبه، تخلّلها توجيه اتهّامات لهُ بالتخابر مع دولة قطر والتواصل مع مسؤولين أجانب سرًّا.

إعفاء محمد بن نايف من منصبه وليًّا للعهد، وتعيين محمد بن سلمان بدلًا منه أسَّس لمرحلةٍ جديدة من الصراع على العرش في المملكة العربيّة السعوديّة الذي يُبيّن الوثائقيّ أنّه بدأ في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الذي انتبه لمأزق عمليّة انتقال السلطة في السعوديّة في ظلّ اقتراب جيل أبناء الملك المؤسّس من نهايته، لذا حاول نقل السلطة من بعده إلى ابنه متعب. وتكفّل خالد التويجري الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير الديوان الملكيّ وأمين عام هيئة البيعة أيضًا بتنفيذ الأمر، ولكنّه اصطدم لاحقًا بوليّ العهد آنذاك سلمان بن عبد العزيز ونجله الذين قطعا الطريق عليه وأمسكا بمقاليد الأمور بعد وفاة الملك عبد الله، وكان أوّل ما فعله سلمان بعد تنصيبه ملكًا هو طرد التويجري من القصر الملكيّ وإعفائه من مهامه مُنهيًا فكرة انتقال الحكم إلى أبناء عبد الله بعد عزله.

بالنسبة إلى سلمان فإنّ الصراع على العرش انتهى ما إن وصل إليه، ولكنّه عند نجله بدأ لحظتها، فكان أوّل ما فعلهُ في إطار سعيه لأن يخلف والده هو إبعاد ابن عمه ابن نايف عن ولاية العهد، وتقليم أظافر الأمراء الأقوياء داخل العائلة المالكة من خلال الاعتقال والاحتجاز بتهم تتعلّق بالفساد، ومن بين هؤلاء ابن نايف نفسه ومعه أحمد بن عبد العزيز الذين اعتقلا بأوامر مباشرة من الملك سلمان، والسبب كما رُوّج داخل أروقة الحكم هو وصول معلومات سريّة إلى الملك تفيد بأنّ هناك دعوات من داخل المؤسسة العسكرية تطلب من ابن نايف تنفيذ انقلاب عسكريّ لإنقاذ البلد.

لكنّ ما كشفه الوثائقيّ عكس ذلك تمامًا، إذ بيّن من خلال مصادر في الاستخبارات الأمريكيّة أنّه لا صحّة لهذه الادّعاءات، وأنّ الأمر يقتصر على توقّعات ابن سلمان بأنّ ابن عمه سيشكّل تهديدًا عليه فية المستقبل، أمّا بالنسبة إلى الأمير أحمد، فإنّه لا يعدو كونه تصفية حسابات سياسيّة، خصوصًا وأنّ الأخير كان من بين الرافضين لعزل ابن نايف ومبايعة بن سلمان وليًّا للعهد.

في هذا السياق ظهرت قضيّة سعد الجبري الذي غادر السعودية قبل شهر واحد من عزل محمد بن نايف، ليتبيّن فيما بعد بأنّ قضيته لا علاقة لها بالفساد أو اختلاس أموال من صندوق مكافحة الإرهاب كما تدّعي المملكة، وإنّما بعملية التطهير التي يقودها ابن سلمان، إذ إنّ الجبري كان مُساعدًا لابن نايف وكاتمًا لأسراره، بالإضافة إلى أنّه وهذا الأهمّ، مطّلع على أسرار الدولة في ملفات مختلفة، لا سيما وأنّه من كشف عن طلب ولي العهد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل لإنقاذ نظام بشار الأسد، مما يعني أنّه يعرف الكثير من الأشياء التي لا يريد ابن سلمان لأحد معرفتها وكشفها، خصوصًا تلك المتعلقة بثروته التي قفزت بشكلٍ مفاجئ بعد وصوله إلى ولاية العهد، وأمر كهذا لا يمكن أن يحدث دون الانخراط في الفساد والاختلاس، ولهذا السبب يعد الجبري اليوم مطلوبًا له، وكاد أن يكون مصيره مشابهًا لمصير خاشقجي لولا إحباط المخابرات الكندية لمخطط اختطافه، ووضعه بعد ذلك تحت حمايتها.

إنّ قضية الجبري إذًا متّصلة بنشاط محمد بن سلمان وسعيه لا للاستفراد بالحكم فقط، وإنّما القضاء على أي تهديد محتمل لحكمه في المستقبل القريب والبعيد

إنّ قضية الجبري إذًا متّصلة بنشاط محمد بن سلمان وسعيه لا للاستفراد بالحكم فقط، وإنّما القضاء على أي تهديد محتمل لحكمه في المستقبل القريب والبعيد، الأمر الذي ينعكس سلبًا على أحوال المملكة المتداعية والمتصدعة والتي يبدو أنّها لن تنعم بالاستقرار في ظلّ حكمه.