24-يونيو-2016

طلال النائر

تشترك رسومات الكاريكاتيري والكاتب السوداني طلال الناير (1983)؛ في انشغالها بالإنسان والحرية، وفضح انتهاك وإهدار الحروب والدكتاتوريات لهاتين الثيمتين اللتين يراهما جوهر الحياة. كتابته كذلك، مكرَّسة لهذه الغاية، في انشغالها بتعقب أثر الحرب والعنف السياسي على الفنون، وكأنه يسعى لتثبيت رؤيته التي تلوِّن مقالاته ودراساته، وهي أن الإنسان لا يموت طالما نجا فنّه.

يرسم الناير الكاريكاتير بلا تعليق، وهو أمر ليس مألوفًا في الصحف السودانية

يرسم الناير الكاريكاتير بلا تعليق، وهو أمر ليس مألوفًا في الصحف السودانية، التي يقوم فيها الكاريكاتير، غالبًا، على الطُّرفة، والتناول السطحي لليومي من الأحداث، وليس على المفارقة، والنظر العميق للقضايا الإنسانية. 

اقرأ/ أيضًا: محمد دحة.. أن تحارب الإسمنت بقيثارة

أسهمت الرقابة الأمنية على الصحف في السودان، في صقل أسلوبه هذا وتطويره، فكما يقول الناير في أحد الحوارات: "وجدت في كل رسمٍ تحديًا جديدًا يتطلب إيصال الفكرة من دون أن يطولها مقصّ الرقيب، والتحدي المضاعف أن تكون الرسومات بلا تعليق". وجعلته طريقته في الرسم، وانفتاح أفكاره المعبرة عن الإنسان وليس عن حالات محلية ضيِّقة؛ يحوز عددًا من الجوائز الدولية في فن الكاريكاتير.

 

في ما بعد، اصطدم الناير بمطالبات ناشري الصحف، بأن تكون رسوماته طريفة وبتعليقات مكتوبة، أي مثلها مثل الرسوم السائدة، وهذا ما دفعه في النهاية إلى الاكتفاء بنشر رسوماته في المجلات والصحف الأجنبية التي يعمل بها حتى اليوم، مثل وكالة Cartoon Movement الهولندية، ومجلة African Writing البريطانية.

هناك دائمًا في رسومات الناير، ثمة معنى ملتبس، ثمة موقف ليس حياديًا، لكنه، ويا للعجب! ليس منحازًا إلى جهة أو تنظيم أو معتقد، بل يظل الإنسان والحرية في جوهرهما، هما محور ما يقوله الرسم. "يجب أن يكون الكاريكاتير فنًا نقديًا لاذعًا لا أداة في أيدي السياسيين" يقول الناير. وإذا أضفنا إلى رؤيته هذه، ثورية أفكاره ومواقفه المناوئة؛ نحصل على فنان وكاتب يصعب عليه أن يتوافق مع واقع السودان تحت حكم نظام البشير، وهذا ربما ما قاده إلى الترحال بين عدة دول إلى أن استقر في تونس دارسًا لصناعة أفلام الأنيميشن.

يمد طلال الناير يده عميقًا بقدر استطاعته علّه يتعثر بما خلف الأشياء

قبل سنوات، قرر طلال الناير، العودة إلى بلدته، "أم روابة" في إقليم كردفان، ليزين جدرانها برسومات الغرافيتي، وليحاول إنشاء مكتبة عامة، وهو مشروع يقول إنه كان لكسر احتكار الخرطوم للأنشطة والفعاليات الثقافية، كما أنه في جزء منه محاولة لإنقاذ "المثقف العضوي" داخله، وتطبيق بعض نظريات باولو فرايري للتعليم غير الرسمي، فنظَّم ملتقيات لتعليم الكاريكاتير وتطوير الرسم.

 

وكما هو متوقع؛ تعرض الناير لمضايقات رسمية، بدعوى أن أنشطته هدفها تجنيد الشباب للانضمام إلى المقاتلين المناوئين لنظام الخرطوم. هذه المضايقات انتهت به عائدًا أدراجه إلى الخرطوم مخلفًا جداريات تحمل وجوهًا متنوعة لشخصيات محليَّة مثل السياسي السوداني محمد أحمد المحجوب، وأخرى عربية مثل اليساري التونسي شكري بلعيد، وعالمية مثل نعوم تشومسكي.

اقرأ/ أيضًا: إسماعيل مالكي.. أن تترصّد للموت بصورة

ومع خبرة صحفية اكتسبها بالعمل محررًا وكاتبًا في عدد من الصحف السودانية والعربية، منذ العام 2003؛ ظل طلال الكاتب قريبًا من قضايا رسوماته، فهو مع اهتمامه بالثقافة الأفريقية، والكتابة والنشر عن الموسيقى، والشعر، والتاريخ، في أفريقيا، إضافة إلى كتاباته التي تتناول مسائل الهوية والدين والأسطورة، ونبشه في تاريخ اليسار الأفريقي، وتناوله لتاريخ الرسوم الساخرة والكاريكاتير في العالم، ناظرًا إلى كل ذلك من زاوية الإنسان والحرية نفسها؛ فوق ذلك كله فهو يكتب بمحبة عن ألدوس هكسلي، ورامبو، وبوشكين، وساراماغو، وآزيموف.

في كل ما يفعله، رسمًا أو كتابة أو ترجمة؛ يبدو الناير شغوفًا بالنفاذ إلى جوهر المسألة. فهو لا يكتفي بوصف السطح وتضاريسه، بل يمد يده عميقًا بقدر استطاعته علّه يتعثر بما خلف الأشياء. تخبرنا بهذا، المواضيع التي يهتم بها في مقالاته، وزاوية النظر التحليلية التي ينظر منها. بينما تعبِّر رسوماته بوضوح عن انحيازه لقيم الحرية والعدالة والمساواة التي تنتهكها الحكومات، ولقضايا البيئة التي تدمرها ثقافة الاستهلاك الرأسمالية.

اقرأ/ أيضًا:

نيستاني.. فنان إيراني دخل السجن بفعل حشرة

حمزة نمرة.. راوٍ يتجول بالأغاني