26-يوليو-2019

الناقلة غريس 1 (وكالات)

يبدو أن التوتر الممتد من مضيق هرمز وحتى مضيق جبل طارق، بدأ يتجلى بأفعال قرصنة متبادلة وعلى طريقة مراهقين يلهون بطلق ناري، والغريب أنه رغم أن الجميع يدرك خطورة ما يفعل لكنهم لسبب ما يصرون على الاستمرار باللعب.

لا شك بأن أحد الأسباب التي تدفع النظام الإيراني إلى تصدير النفط إلى سوريا هو ضرورة مد قواتها وميلشياتها التي يستخدمها لمساندة النظام السوري

في سياق هذا المشهد المضحك المبكي في منطقة الخليج، قامت سلطات جبل طارق بإيقاف ناقلة نفط تتبع للنظام الإيراني متجهة إلى محطة بانياس لتكرير النفط، مستندة إلى قرار أوروبي بحظر التعامل مع مؤسسات النظام السوري الخاضعة للعقوبات. صحيح أن الناقلة أُفرج عنها لكن ما حدث يستحق التأمل.

اقرأ/ي أيضًا: اختفاء ناقلة إماراتية في مضيق هرمز.. ما مستقبل واردات النفط القادمة من الخليج؟

لا شك بأن أحد الأسباب التي تدفع النظام الإيراني إلى تصدير النفط إلى سوريا هو ضرورة مد قواتها وميلشياتها التي يستخدمها لمساندة النظام السوري بالإمعان في سفك الدم السوري، خصوصًا أن النظام في ظل أزماته الاقتصادية لا يمثل خيارًا اقتصاديًا لصادرات النفط الإيراني، ورغم أن بريطانيا تمتلك كامل البنية التشريعية والقانونية التي تتيح لها القيام بهذا الإجراء، إلا أن مركز القرار في المملكة المتحدة آثر استخدام قرار سياسي وقانوني صادر عن الاتحاد الأوروبي كتبرير له، يأخذ بالاعتبار نقطتين أساسيتين هما: 1- المفاوضات المتعثرة ما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد 2- موقف مؤسسة الاتحاد الأوروبي الرسمي الساعي إلى إيجاد توازن ما في المنطقة قادر على الحفاظ على مصالح الدول الأعضاء، والذي بالنتيجة يتناقض مع المصالح الأمريكية التي يصرّح بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكل وضوح وبكل مناسبة.

ما يمنحنا شرعية طرح التساؤل من هذه الزاوية هو الصوت الأوروبي الخجول في خضم هذه الأحداث، فبعد أن كانت الدبلوماسية الأوروبية نشطة في سياق المباحثات الخاصة بشأن الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي بطريقة مضحكة، والمساومة الإيرانية التي لا تقل إضحاكًا عن ممارسة الرئيس الأمريكي من خلال الابتزاز السياسي للجانب الأوروبي غير الراغب أساسًا في خوض صراع من أي نوع مع الجانب الأمريكي، والذي يحاول ابتكار آليات تجارية خاصة تتيح له إمكانية التعامل التجاري مع إيران، دون خرق العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة (وهي صورة هزلية أخرى لا تقل إضحاكًا عن سابقاتها).

فعل من القرصنة السياسية

قال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن إيران سترد "في الوقت والمكان المناسبين" على الاستيلاء على جريس 1، مستنكرًا عملية "القرصنة. وكتبت صحيفة كيهان المحافظة في مقال افتتاحي بعنوان "لا عيب في الانتقام".

وحثت ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وسلطنة عمان، الذين يتقاسمون السيطرة على مضيق هرمز مع إيران، طهران على إطلاق سراح ناقلة النفط ستينا إمبير.

التوترات مع واشنطن

تميزت عطلة نهاية الأسبوع الماضية بجدل حول طائرة "إيرانية" بدون طيار يدعي الأمريكيون أنها "دمرت" في المضيق ادعت إيران أنها لم تفقد طائرات بدون طيار.

وقد تفاقم الوضع بسبب أعمال التخريب والهجمات منذ أيار التي استهدفت ست سفن في منطقة الخليج وألقي باللوم على إيران التي أنكرت من قبل الولايات المتحدة

يتابع المسؤولون الإيرانيون تصريحاتهم وممارساتهم الهزلية

قال مسؤول إيراني بارز إنه على بلاده أن تحتجز ناقلة نفط بريطانية إذا لم يفرج عن ناقلتها المحتجزة في منطقة جبل طارق.

وأوضح محسن رضائي، أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، أن طهران لن تتوانى في الرد على من يعتدي عليها. كتب رضائي على حسابه في تويتر: "إذا لم تفرج بريطانيا عن الناقلة الإيرانية، فمن واجب السلطات الإيرانية أن تحتجز ناقلة بريطانية".

كانت تداعيات أزمة الناقلة الإيرانية غريس 1 أقرب إلى الكوميديا السوداء، فالجانب الإيراني يسعى للرد على القرصنة الإنجليزية بقرصنة أخرى

إذًا فالجانب الإيراني يسعى للرد على القرصنة الإنجليزية بقرصنة أخرى، هذه هي الصورة الآن، إذا فكلا الطرفين بالنسبة لنا يمارس القرصنة البحرية والسياسية، والتبرير القانوني ليس سوى ورقة توت.

اقرأ/ي أيضًا: بريطانيا تحتجز ناقلة نفط إيرانية.. هل بدأت الدول الكبرى سياسة حصار طهران؟

لكن ورقة التوت البريطانية الساعية إلى جرّ الموقف الأوروبي المتحفظ نسبيًا، بالمقارنة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ تهدف إلى تصفية حسابات على مستويات مختلفة، وفي هذا السياق أعلن جيريمي هانت، رئيس الدبلوماسية البريطانية (المرشح لخلافة تيريزا ماي كرئيس للوزراء)، أن السلطة التنفيذية ستبلغ البرلمان "بالإجراءات الإضافية" التي تعتزم المملكة المتحدة اتخاذها، وغم خطورة الوضع إلا أننا لا نملك من أمرنا شيئًا سوى الجلوس ومتابعة هذه اللعبة الخطيرة آملين بألا يصيب هذا الطلق الناري الطائش إيًّا منا، بانتظار ظهور سفينة من فيلم "قراصنة الكاريبي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد إسقاط إيران للطائرة الأمريكية.. إلى أين تؤول أزمة طهران وواشنطن؟

هل يعيق الهجوم على ناقلتي النفط في الخليج العربي الحراك الدولي لاحتواء الأزمة