06-أغسطس-2015

مجند سوري بالقرب من معلولا (أ.ف.ب)

إذا ما قام أحد ما بسؤال أي طالب جامعي في سوريا السؤال التالي: ماذا تريد من الحياة، مواصلة التعليم الجامعي أم الموت مجانًا في الحرب؟ من الطبيعي أن يكون جواب الطلاب واحدًا في هذه الحالة: أريد مواصلة تعليمي الجامعي!

إلا أن واقع الحال في سوريا يفصح أن ثمة سياسة ما لإفراغ الجامعات السورية من الطلاب "الذكور بالتحديد"، وزجهم في أتون الحرب، هكذا ببساطة ومجانًا. ذلك رغم أننا لا نملك أدلة كافية حتى نسميها سياسة عامة متبعة بشكل ممنهج، لكننا سنسرد بعضًا من الوقائع، وهي تؤكد بلا شك أن ثمة سياسة عامة من هذا النوع يتم تحضيرها في أروقة ومكاتب أجهزة النظام ومؤسساته.

تعليم مفتوح بعد موافقة شعبة التجنيد

في الجامعات السورية الرسوب مرتين يعني إلى العسكرية در 

أفرزت ذهنية الضباط الفاسدين في شعب التجنيد السورية خططًا وأشكالًا وأساليب لا تخطر في بال أحد لابتزاز الطلاب وسرقتهم، ومنها قصة تسجيل طلاب التعليم المفتوح في جامعاتهم. في العام الدراسي 2013 – 2014 حين صدر قرار من مجلس التعليم العالي في سوريا، القائل بأنه "لكي يكمل خريج الثانوية إجراءات تسجيله في نظام التعليم المفتوح في جامعات سوريا، عليه الحصول على ورقة بيان وضع من شعبة التجنيد يفيد عدم تخلفه عن الخدمة الإلزامية. كذلك الأمر بالنسبة للطلاب القدامى الذين انقطعوا عن الدراسة لمدة عام أو عامين أو ثلاثة أعوام". وعند مراجعة الطلاب لشعب التجنيد من أجل وثيقة بيان الوضع الطارئة يتفاجأون بأن عليهم دفع أتاوات ورشاوي باهظة تتراوح بين 50 – 100 ألف ليرة سورية حسب مواليد الطالب. الجدير بالذكر أن هذه الوثيقة لم تكن موجودة أبدًا ولم تكن مطلوبة ضمن أوراق التسجيل في أنظمة التعليم المفتوح في السابق، بل تم إقحامها لزج الطلاب قسرًا في "السفر برلك" الجديدة التي يفرضها النظام على شباب سوريا وطلابها.

حول ذلك، التقينا أحد طلاب التعليم المفتوح الذين كانوا ضحية لذلك، وأفادنا طالب الترجمة في السنة الثالثة بجامعة دمشق، محمود حامد، الذي اضطر لدفع مبلغ 50 ألفاً ليعيد ارتباطه بالجامعة بعد انقطاعه عنها لعام كامل بسبب الوضع الاقتصادي والمالي السيء لعائلته. دفع محمود المبلغ كرشوة ليحصل على وثيقة "بيان وضع" من شعبة التجنيد العامة كونه مطلوبًا للاحتياط في الخدمة الإلزامية.

الرسوب مرتين يعني إلى العسكرية در

أصبحت شعب التجنيد تتحكم برقاب طلاب الجامعات السورية تنفيذًا لسياسة النظام، فقد وُضع أخيرًا سلم بيروقراطي للتعامل مع طلاب الجامعات من مختلف المواليد حتى المستجدين منهم. وبموجب هذا السلم لم يعد مسموحًا للطالب أن يرسب أكثر من مرة في السنة الواحدة. وفي حال رسوبه أكثر من مرة لا تقبل وثيقة التأجيل الدراسية الممنوحة من الجامعة في شعب التجنيد، ويبدأ مسلسل ابتزاز الطلاب من أجل دفع الرشاوي والأتاوات، وكأن مسؤولي شعب التجنيد قد تحولوا إلى ولاة عثمانيين. ومن يستطيع دفع هذه الرشاوي يفلت من العسكرية، أما من لم يستطع ذلك فإلى العسكرية در، ووداعًا لمقاعد الجامعة الدراسية.

القوانين العسكرية السورية تسمح للقائد العام للجيش بتجنيد طلاب الجامعات في حال الحرب الداخلية أو الخارجية

تترواح هذه الرشاوي بين 5 – 15 ألف ليرة سورية حسب ما قاله لنا الطالب في قسم اللغة العربية بجامعة حلب، فهد محمد، الذي رسب مرتين، أي استنفد سنوات رسوبه، وعاد إلى الجامعة بعد صدور المرسوم السنوي بعودة مستنفدي فرص الرسوب، ودفع مبلغ 10 آلاف ليرة سورية لأنه مطلوب للخدمة الإلزامية أو للاحتياط.

القوانين العسكرية وتجنيد الطلاب

خلال العامين السابقين، سرت شائعات في سورية تفيد بأنه قريبًا سيقوم النظام بإعلان حالة الاستنفار العام، ويبدأ بأخذ الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 45 إلى الخدمة العسكرية. الجدير بالذكر أن القوانين العسكرية السورية تسمح للقائد العام للجيش والقوات المسلحة بتجنيد طلاب الجامعات في حالة الحرب الداخلية أو الخارجية.
ويعيش الطلاب حالة ذعر وخوف شديد بسبب هذه الشائعات، خاصة وأن القوانين العسكرية السورية تسمح بسحبهم إلى العسكرية في حال صدور قرار بذلك. لذلك أغلب طلاب الجامعات "من الذكور"، يعملون على مغادرة البلاد تباعًا، ويستطيع أي زائر لجامعة دمشق مثلًا أن يلاحظ انخفاض نسبة الطلاب الذكور بكل وضوح في ظل ارتفاع أعداد الطالبات. أمام هذه الوقائع الثلاث السابقة، لا يعود الحديث عن تفريغ الجامعات السورية من طلابها أمرًا غريبًا.