29-نوفمبر-2024
يشهد شمال قطاع غزة نزوحًا واسعًا بسبب الهجوم الإسرائيلي (رويترز)

يشهد شمال قطاع غزة نزوحًا واسعًا بسبب الهجوم الإسرائيلي (رويترز)

بعد مرور حوالي شهرين على العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة، لا يزال نحو 80 ألف فلسطيني محاصرين هناك،حيث تتضاءل فرص الحياة، لا سيما مع منع دخول إمدادات المياه والطعام إلى المحاصرين، الذين يتعرضون لإبادة جماعية وتطهير عرقي.

ينقل مراسل وكالة "الأناضول" الأوضاع الكارثية التي يعيشها ما تبقى من سكان الشمال، مسلطًا الضوء على حكاية الشاب الفلسطيني تيسير مازن، الذي استطاع، تحت جنح الظلام الدامس ومع زخات المطر الغزير، أن يخترق الحصار الإسرائيلي المفروض على مخيم جباليا برفقة بعض الرجال، فتمكن من النجاة، في حين استشهد آخرون.

يروي مازن، الشاب الفلسطيني من مخيم جباليا، رحلته عبر "طريق الموت"، هاربًا من القصف والتدمير الممنهج، وسط ظروف إنسانية كارثية، بعد فقدانه الأمل في النجاة والبقاء

مازن ومن معه ظلوا محاصرين في المخيم لنحو شهرين. وعندما قرروا المغادرة، انتظروا حلول الظلام، حيث ساعدهم هطول الأمطار الغزيرة على التنقل من مكان لآخر رغم خطورة الوضع، إذ يستهدف القصف الإسرائيلي كل شيء متحرك وحتى ثابت.

قبل أيام، سلك مازن ورفاقه طريقًا خطيرًا تحاصره الدبابات الإسرائيلية من جميع الجهات، بعد أن فقدوا الأمل في قرب انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية شمال قطاع غزة، الذي يعاني من أوضاع مأساوية.

على هذا الطريق، شاهد الشاب الفلسطيني جثامين الشهداء متناثرة، وأحياء سكنية مدمرة بالكامل، ومركبات وسيارات حطمتها وسحقتها الآليات العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى الدمار الكبير في البنية التحتية والشوارع.

يتحدث مازن لـ"الأناضول"، قائلًا: "اخترت أن أسلك هذا الطريق الخطر جدًا لأنني فقدت الأمل في إمكانية انتهاء العملية العسكرية والخروج من مخيم جباليا بسلام".

وأوضح أنه كان وحيدًا في منزل العائلة داخل المخيم، دون طعام أو ماء أو أي مقومات أخرى للحياة. وأضاف: "كان الموت يقترب مني كل دقيقة مع تقدم الآليات الإسرائيلية نحو بيتنا وهدم معظم البيوت المحيطة".

واعتبر الشاب الفلسطيني أن العناية الإلهية وحدها هي من منع الجيش الإسرائيلي من الوصول إليه وقتله أو اعتقاله.

يشير مازن إلى أن الطريق الذي سلكه لم يكن سهلًا أبدًا، وأن نسبة المخاطرة كانت عالية جدًا. وأطلق عليه "طريق الموت"، حيث رافقه خلاله عشرات الشبان والرجال المحاصرين الذين فقدوا كل مقومات الصمود.

وكشف مازن أن عددًا ممن خرجوا معه من مخيم جباليا لم يصلوا بسلام إلى مدينة غزة، حيث أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف وطلقات نارية صوبهم، ما أدى إلى إصابة بعضهم واستشهاد آخرين على الفور، بينما بقيت جثثهم ملقاة على الأرض.

يصف الشاب الفلسطيني الوضع في شمال قطاع غزة بأنه "كارثي للغاية"، قائلًا: "كل شيء تم تدميره بشكل ممنهج، لكي تصبح المنطقة غير صالحة للحياة حتى لو انسحب الجيش الإسرائيلي منها".

وعن المشاهد التي رآها خلال طريقه إلى مدينة غزة، قال مازن: "الأماكن هناك مدمرة بالكامل، والركام في كل مكان. هناك نيران مشتعلة في بعض المنازل منذ أيام، ولا أحد يستطيع إطفاءها". وأضاف: "الآليات الإسرائيلية تنتشر في مخيم جباليا ومحيطه بشكل كبير جدًا، وتطلق النار باستمرار على أي هدف متحرك".

بدوره يروي الشاب محمد سليم تجربة مشابهة، حيث تمكن برفقة أربعة شبان من اختراق الحصار المفروض على مخيم جباليا والوصول إلى مدينة غزة، متجاوزين الآليات العسكرية الإسرائيلية التي فرضت غطاءً ناريًا في مناطق توغلها داخل المخيم.

يقول سليم لـ"الأناضول": "أطلقت الدبابات الإسرائيلية النار صوبنا ثلاث مرات خلال محاولة الفرار، وحاصرتنا مسيّرة لأكثر من ساعتين، ما اضطرنا للاختباء بين ركام المنازل المدمرة". وأضاف: "بعد نحو ساعتين من التخفي، هطلت الأمطار بغزارة، فخرجنا وأكملنا طريقنا حتى وصلنا إلى مشارف مدينة غزة".

وأوضح سليم أنه مدني لا علاقة له بالتنظيمات أو الأعمال العسكرية، لكنه يخشى فكرة الاعتقال لما سمعه عن التجارب القاسية داخل السجون الإسرائيلية، لذلك اختار المخاطرة وسلوك "طريق الموت".