يشهد قطاع التعليم العالي في الولايات المتحدة موجة جديدة من التضييق على الطلاب الأجانب، حيث تبنت إدارة الرئيس دونالد ترامب سياسات صارمة أدت إلى طرد عدد منهم من البلاد، مستخدمة أساليب جديدة تثير قلق الجامعات وأثّرت سلبًا على مكانة الولايات المتحدة كوجهة تعليمية عالمية
تكتيكات جديدة
أصبحت وزارة الأمن الداخلي الأميركية تصدر أوامر ترحيل فورية للطلاب الذين ألغيت تأشيراتهم الدراسية، وهو ما يمثل خروجًا عن السياسة السابقة التي كانت تتيح للطلاب إكمال دراستهم قبل مغادرة البلاد. وقد عبرت الجامعات الأميركية عن صدمتها من هذه الإجراءات، خاصة مع غياب التبريرات الواضحة لأسباب الإلغاء.
أصبحت وزارة الأمن الداخلي الأميركية تصدر أوامر ترحيل فورية للطلاب الذين ألغيت تأشيراتهم الدراسية
في جامعة مينيسوتا في مانكاتو، أُلغيت تأشيرات خمسة طلاب أجانب دون تفسير واضح، كما كشف رئيس الجامعة إدوارد إنش في رسالة إلى الطلاب. الجامعة اكتشفت هذه الحالات عند إجراء مراجعة لحالة الطلاب بعد احتجاز طالب تركي من قبل وكالة الهجرة والجمارك (ICE) بسبب مخالفة القيادة تحت تأثير الكحول.
وكتب إنش: "لم يتم تقديم أي سبب. لم تتلقَ الجامعة أي معلومات من وكالة الهجرة والجمارك، كما أنهم لم يطلبوا منا أي معلومات". وأضاف: "لقد تواصلت مع المسؤولين المنتخبين لدينا لأعبّر عن مخاوفي وأطلب مساعدتهم في وقف هذه الإجراءات داخل مجتمعنا الأكاديمي". ولم تكشف الجامعة عن اسم الطالب أو مجال دراسته.
وفي بيان لها، قالت السيناتورة الأميركية تينا سميث: "هذا أصبح نمطًا مقلقًا للغاية، حيث تحتجز وكالة الهجرة والجمارك الطلاب دون تقديم تفسير واضح أو كافٍ ... وتتجاهل حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة". وأضافت: "سأواصل الضغط على الإدارة للحصول على إجابات بشأن هذه الاعتقالات، وسأسعى لمعرفة التفاصيل من السلطات الفيدرالية المختصة بالهجرة بشأن هذه القضية".
استهداف الطلاب بسبب الأنشطة السياسية
تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بترحيل الطلاب الأجانب المشاركين في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، وبدأت السلطات بالفعل في تنفيذ هذه السياسة. اعتقل الطالب الفلسطيني محمود خليل، وهو حامل للبطاقة الخضراء وناشط بارز في جامعة كولومبيا، وكانت هذه الحادثة هي التي سلطت الضوء على هذا التوجه.
ومؤخرًا أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أن الحملة تستهدف الطلاب "المتورطين" في الاحتجاجات، إلى جانب من لهم صلات بأنشطة "إجرامية محتملة" وفق تعبيره، مما يثير تساؤلات حول مدى اتساع نطاق هذه السياسة.
توسع الحملة وتأثيرها على الجامعات الأميركية
كما شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا، حيث أبلغت جامعات مرموقة مثل جامعة كورنيل، جامعة ولاية كارولينا الشمالية، جامعة أريزونا، جامعة أوريغون، جامعة تكساس، وجامعة كولورادو عن حالات طلاب فقدوا تأشيراتهم فجأة، وبعضهم وجد نفسه معتقلًا دون علم جامعته بتغيير وضعه القانوني.
🎥 مشاهد تظهر لحظة إلقاء القبض على الناشط الفلسطيني والطالب بجامعة كولومبيا محمود الخليل. pic.twitter.com/iByzK1ZK9B
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 15, 2025
تجاوز المؤسسات الأكاديمية
في تحوّل جديد، بدأت الحكومة الأميركية في إلغاء السجلات الطلاب من قواعد البيانات الفيدرالية دون إخطار الجامعات، وهو أمر غير مسبوق.
وصفت رئيسة تحالف رؤساء الجامعات للهجرة والتعليم العالي، مريام فيلدبلوم، الوضع بأنه غير طبيعي، مشيرة إلى أن الطلاب كانوا في السابق يحتفظون بوضعهم القانوني حتى في حال فقدان التأشيرة، لكن الوضع الجديد يجعلهم عرضة للاعتقال.
ضحايا غير متورطين في أنشطة سياسية
بعض الطلاب المستهدفين لم يكن لهم أي ارتباط بالنشاط السياسي. في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، اضطر طالبان سعوديان إلى مغادرة الولايات المتحدة بعد أن اكتشفا فجأة أن وضعهما القانوني أُلغي. أحد زملائهما أكد أن أحد الطلاب لم يشارك في أي مظاهرات ولم يكن لديه أي انتماءات سياسية، مما يعزز الاتهامات بأن "القرار تعسفي".
الذرائع القانونية والأثر الرجعي للقرارات
تعتمد إدارة ترامب بند نادر في قانون الهجرة، يُستخدم عادةً في حالات استثنائية يسمح بطرد الأجانب الذين "قد يكون لوجودهم تأثير سلبي" على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
هذا القانون استخدمه ترامب في كانون الثاني/يناير الماضي كجزء من استراتيجيته لما قال إنه يدخل في سياق مكافحة "معاداة السامية" في الجامعات. لكن بعض الطلاب تم استهدافهم بسبب مخالفات بسيطة مثل الجنح أو حتى المخالفات المرورية، بعد فحص سجلاتهم الجنائية مما يثير مخاوف من تطبيق القوانين بأثر رجعي.
أحد الشخصين من الهند، وتم إنهاء وضعه القانوني بعد فحص السجلات الجنائية. أما الشخص الآخر، وهو من لبنان، فقد تم إنهاء وضعه القانوني بسبب فحص أيضًا للسجلات الجنائية، وفقًا لقاعدة البيانات الفدرالية.
كلا الشخصين كانا من الخريجين الذين بقوا في الولايات المتحدة بتأشيرات طلابية، مستفيدين من خيار يتيح لهم اكتساب خبرة مهنية بعد إكمال دراستهم. وكانا يعملان بدوام كامل، ولم يبدُ أنهما خالفا شروط الحصول على الخبرة العملية، بحسب المصدر المطلع على الوضع تحدث لوكالة "أسوشيتد برس".
أعلنت إدارة #دونالد_ترامب عن إلغاء منح وعقود بقيمة 400 مليون دولار لجامعة #كولومبيا، بسبب ما وصفته بـ"مضايقات معادية للسامية" وقعت داخل الحرم الجامعي وفي محيطه بمدينة #نيويورك. pic.twitter.com/vFzms3AWrZ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 8, 2025
هل تخسر الولايات المتحدة مكانتها كوجهة تعليمية؟
لطالما كانت الجامعات الأميركية وجهة مفضلة لألمع العقول من جميع أنحاء العالم، حيث تساهم في تعزيز البحث العلمي وتجلب إيرادات مالية ضخمة. لكن القيود المتزايدة قد تدفع الطلاب الأجانب إلى البحث عن وجهات بديلة.
من جهتها، حذرت المديرة التنفيذية لرابطة المعلمين الدوليين، فانتا أو، من أن الهيمنة الأميركية في التعليم العالي ليست مضمونة، قائلة: "لا ينبغي أن نعتبر أن الطلاب الأجانب سيستمرون في القدوم إلى الولايات المتحدة بشكل تلقائي، فهناك بدائل أخرى تنتظرهم".
تقييد الهجرة
استهداف الطلاب الأجانب لا يقتصر فقط على كونه جزءًا من سياسة ترامب لتقييد الهجرة، بل يحمل تداعيات أعمق على المدى الطويل. فإلى جانب الإضرار بسمعة الجامعات الأميركية كمراكز جذب للكفاءات العالمية، قد يؤدي ذلك إلى خسائر اقتصادية كبيرة، حيث يعتمد العديد من القطاعات على الابتكار والاستثمار الذي يجلبه الطلاب الأجانب. ومع استمرار هذا النهج، قد تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة تراجع تنافسيتها الأكاديمية والاقتصادية على الساحة الدولية.