31-يناير-2021

شهدت طرابلس احتجاجات عنيفة (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير 

تعيش مدينة طرابلس المعروفة بـ"عروس الشمال" حالةً من الهدوء النسبي بعد الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي ضربت شوارع المدنية خلال الأسبوع الماضي، والتي وصفت بأنها الأعنف، منذ الاحتجاجات التي شهدتها شوارع العاصمة اللبنانية بيروت ردًا على انفجار مرفأ بيروت الضخم في آب/أغسطس الماضي، والذي دمر ما لا يقل عن ثلث العاصمة اللبنانية، وخلف أكثر من مائتي قتيل، وآلاف الجرحى، فضلًا عن خسائر اقتصادية قدرت بمئات الملايين من الدولارات.

تعيش مدينة طرابلس المعروفة بـ"عروس الشمال" حالةً من الهدوء النسبي بعد الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي ضربت شوارع المدنية خلال الأسبوع الماضي

لبنان يدخل نفق الانهيار الاقتصادي

الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها طرابلس منذ يوم الاثنين حتى يوم الخميس الماضيين، جاءت هذه المرة مصحوبة بغضب عنيف من أهالي المدينة ردًا على إعلان حكومة تصريف الأعمال إغلاق البلاد بشكل كامل لمكافحة التفشي السريع لفيروس كورونا الجديد، بعدما سجل لبنان أرقامًا غير مسبوقة في معدلات الإصابات، ما أودى بحياة ما يزيد عن 2.680 شخص، وتسجيل أكثر من 298 ألف إصابة.

اقرأ/ي أيضًا: من بيروت إلى مينسيك.. خارطة الاحتجاج العالمية تتوسع من جديد

وساهمت سياسات الإغلاق الكامل بزيادة معاناة اللبنانيين الذين يواجهون أسوأ أزمة اقتصادية منذ عام 1990، يضاف إليها الخلافات القائمة بين الأحزاب السياسية الحاكمة على تقاسم المقاعد الوزارية مما أدى لعرقلة تشكيل حكومة جديدة منذ آب/أغسطس الماضي، وانهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياتها متجاوزة حاجز 8,500 ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق الموازية، فيما لا يزال سعر الصرف الرسمي ثابتًا عند هامش 3,850 ليرة مقابل الدولار الواحد وفقًا لنشرة نقابة الصرافين. 

وتعكس الإحصائيات الدولية سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون، فقد توقعت مجموعة البنك الدولي أن تبلغ نسبة الدين من الناتج الإجمالي المحلي 194 بالمائة مع تسجيل تراجع بمعدلات نمو الناتج المحلي ناقص 19.2 بالمائة بحلول نهاية العام الجاري، وأضافت المجموعة الدولية متوقعةً أن ترتفع نسبة الفقر بين اللبنانيين إلى 60 بالمائة، بينهم قرابة 22 بالمائة تحت خط الفقر المدقع، فيما تراجعت نسبة الطبقة الوسطى من 45.6 بالمائة إلى 35.2 بالمائة، لكن الترجيحات تقول إن الأرقام ستكون أسوأ من توقعات المجموعة الدولية.

وقال مدير دائرة المشرق في المجموعة الدولية، ساروج كومار جاها، خلال مؤتمر صحفي افتراضي في وقت سابق إن "جزءًا كبيرًا من الشعب اللبناني دخل تحت خط الفقر"، متوقعًا مواجهة لبنان "وضعًا صعبًا جدًا، وسيصل الى أماكن لن يتمكن من حلها كلما تأخرت عملية الإصلاح".

وكانت الحكومة اللبنانية قد رفعت الدعم عن مادة الطحين بنسبة تقدر بـ40 بالمائة بعدما كانت قد اتخذت إجراءًا مماثلًا بنسبة 33 بالمائة في حزيران/يونيو الماضي، ويعتمد اللبنانيون على مادة الطحين لصناعة الخبز الذي يعد من أهم المكونات الغذائية للوجبات اليومية، كما أن ارتفاع سعر صرف الليرة ساهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية  إلى 144 بالمائة مع بداية العام الجاري، وفقًا لإحصائيات المجموعة الدولية التي أشارت إلى أن نسبة ارتفاع الأسعار زادت بنسبة 25 بالمائة خلال العام الماضي.

احتجاجات طرابلس لن تكون الأخيرة

تتشابه حالة سكان طرابلس مع عديد من الحالات في المدن المهمشة التي تعتمد القوى العاملة فيها على الدخل اليومي، ووفقًا لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية فإن كامل القوى العاملة في طرابلس تعتمد في معيشتها على الدخل اليومي، وأظهرت احتجاجات طرابلس العنيفة غضب اللبنانيين من لامبالاة الأحزاب السياسية الحاكمة التي تدفع الخلافات فيما بينهم باتجاه عدم تشكيل حكومة من الاختصاصيين لمواجهة الانهيار الاقتصادي، مما دفع بالسلطات اللبنانية لفرض حظر تجول لمدة 24 ساعة اعتبارًا من مساء الخميس لفرض الهدوء في عموم المدينة الشمالية.

وخلال الأيام الماضية فرغ سكان طرابلس غضبهم من السلطة السياسية بإضرامهم النيران في مبنى بلدية طرابلس، كما هاجموا بالحجارة مركز العزم التربوي التابع لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، إضافة لإضرامهم النيران في مبنى المحكمة السنية الشرعية في المدينة، تخللتها مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن في شوارع المدينة، والتي استخدمت فيها السلطات اللبنانية الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين الذين ردوا عليهم عبر رشقهم بالحجارة وقنابل المولوتوف، فيما أشارت تقارير حقوقية لاستخدام قوات الأمن الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين.

وفي الوقت الذي ندد قادة الأحزاب السياسية بالعنف الذي عرفته احتجاجات طرابلس الأخيرة عبر تبادل الاتهامات فيما بينهم، قالت تقارير إن أكثر من 250 شخصًا سقطوا جرحى خلال الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن، بينهم قرابة 13 عنصرًا وضابطًا من قوات الأمن، فيما سجل مقتل أحد المحتجين الذي قضى برصاص الأمن اللبناني، ووصف المكلف بتشكيل حكومة جديدة سعد الحريري احتجاجات طرابلس العنيفة بأنها "جريمة موصوفة ومنظمة"، محملًا المحتجين مسؤولية "ضرب استقرار المدينة وإحراق مؤسساتها وبلديتها واحتلال شوارعها بالفوضى".

ونقل حساب الرئاسة اللبنانية على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إدانته لما وصفه بـ"توظيف ساحات طرابلس لتوجيه رسائل سياسية نارية"، واصفًا احتجاجات طرابلس بأنها ليست "من جراء المطالب الشعبية"، في حين نقل الحساب عينه أن الرئيس اللبناني ميشال عون شدد على "معاقبة من قام بأعمال الشغب في طرابلس"، لافتًا إلى أن "التعليمات أعطيت الى القوى الأمنية للمحافظة على الأمن في عاصمة الشمال ومنع الاعتداءات".

ومن المتوقع أن تكون احتجاجات طرابلس بداية لموجة من الاحتجاجات الجديدة التي من الممكن أن تشهدها عموم المدن اللبنانية المتأثرة بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي كان من بينها انضمام عديد البلدات في محافظتي البقاع والجنوب إلى الاحتجاجات عبر قطعهم للطرق بالإطارات المشتعلة تضامنًا مع احتجاجات طرابلس، فضلًا عن العاصمة اللبنانية التي شهدت كذلك احتجاجات في أماكن متفرقة، من بينها احتجاج نظم أمام مبنى وزارة الداخلية.

اتهامات للأمن اللبناني باستخدام المعدات الفرنسية لقمع الاحتجاجات

وعلى خلفية احتجاجات طرابلس الأخيرة التي لجأت خلالها قوات الأمن لاستخدام الرصاص الحي، وجهت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية رسالة للحكومة اللبنانية تطالب فيها بإجراء تحقيق في ملابسات مقتل أحد الشبان المشاركين في الاحتجاجات، فيما قدمت منظمة العفو الدولية طلبًا للحكومة الفرنسية يرتبط بفتحها تحقيقًا لما وصفته بـ"الدور المشين الذي تؤديه معدات إنفاذ القانون الفرنسية في قمع الاحتجاجات السلمية".

وقال المسؤول التنفيذي في المنظمة الدولية آيمريك إلوين في تصريحات صحفية إن معدات إنفاذ القانون الفرنسية استخدمت من قبل قوات الأمن اللبنانية "لارتكاب أو لتسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"، داعيًا الحكومة الفرنسية لـ"ضمان عدم إجراء مزيد من المبيعات إلى حين إقرار السلطات اللبنانية بالانتهاكات الماضية والأهم من كل ذلك اتخاذ إجراءات لمنع تكرارها"، لافتًا إلى أن الأمن اللبناني يعمل "في أجواء الإفلات من العقاب، ولم يجر أي تحقيق فعال في الاستخدام غير القانوني للأسلحة ومن بينها تلك المصنوعة في فرنسا ضد المحتجين السلميين".

 معدات إنفاذ القانون الفرنسية استخدمت من قبل قوات الأمن اللبنانية "لارتكاب أو لتسهيل ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"

وبحسب المنظمة الدولية فإن المعدات الفرنسية تضمنت قاذفات مركبة على عربات، وقنابل غاز مسيل للدموع، ورصاصًا مطاطيًا، وقاذفات قنابل يدوية، وناقلات جند مدرعة، استخدمت جميعها في قمع الحركة الاحتجاجية التي تشهدها المدن اللبنانية منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهي موثقة لدى المنظمة الدولية من خلال مقاطع فيديو حصلت عليها بوساطة محاميين لبنانيين تظهر استخدام الأمن اللبناني للعنف المفرط في قمع الاحتجاجات مستعينًا بالمعدات الفرنسية.