12-أبريل-2018

يتهم المغرب البوليساريو بخرق الاتفاق العسكري لعام 1991 (أ.ف.ب)

 يبدو أن الحرب بين المغرب والبوليساريو على خلفية قضية "الصحراء" باتت أقرب من أي وقت مضى، منذ وقف إطلاق النار سنة 1991. هذا ما تشير إليه المعطيات السياسية والميدانية في المنطقة، سيما التهديدات المتبادلة الأخيرة باللجوء إلى السلاح لحسم النزاع.

تصاعدت الأمور بين المغرب والبوليساريو بعد عمليات توغل قامت بها الأخيرة في الصحراء، هدد المغرب على إثرها باللجوء للخيار العسكري

سبب التصعيد الأخير

في الأوّل من نيسان/أبريل الجاري، نبه المغرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في أعقاب عمليات التوغل التي قامت بها عناصر جبهة البوليساريو شرق الجدار الأمني بحدود الصحراء جنوب المغرب، في خرق للاتفاق العسكري لعام 1991 الذي أقام منطقة عازلة.

اقرأ/ي أيضًا: ترسيم الحدود البحرية للصحراء.. ضربة استباقية من المغرب ضد البوليساريو

وخلال هذا الأسبوع، قام وزير الخارجية المغربي ناصر بوريتا بتسليم رسالة من الملك محمد السادس إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، يحذر فيها من أن أي تحريك للبوليساريو، بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية، أو أيًا كانت طبيعتها، من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء؛ تشكل "عملًا مؤديًا إلى الحرب".

بعثة الأمم المتحدة في الصحراء/المينورسو نفت ذلك، وفق ما نقلت نيويورك تايمز، قائلة إنه "لم يحدث أي تحرك للعناصر العسكرية" في المنطقة العازلة، إلا أن الرباط سارعت بالرد مساء الأربعاء، وقدمت للأمم المتحدة صورًا للأقمار الصناعية، تظهر تشييد بنايات وأعمال قيد الإنجاز في مناطق تيفاريتي وبئر لحلو.

من جهتها، تعتبر جبهة البوليساريو كامل المنطقة الواقعة شرق الجدار، والتي تشمل تيفاريتي وبير لحلو، "منطقة محررة"، بل وترغب في نقل رئاستها إلى المنطقتين، وترفض بتاتًا الانسحاب منها، وهو العمل الذي شكّل استفزازًا للرباط، وجعل الخيار العسكري واردًا وبقوة، بالنظر إلى التعبئة السياسية والعسكرية الواسعة التي يشهدها المغرب هذه الأيام.

ويعود نزاع الصحراء إلى سنة 1975، حين انسحبت إسبانيا من المناطق الصحراوية التي كانت تستعمرها، لتعلن عقبها جبهة البوليساريو بعدها تأسيس ما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في منطقة بئر لحلو، مُعتبرةً الوجود المغربي، والموريتاني في الصحراء آنذاك، "احتلالًا". 

ثم بدأت البوليساريو حرب عصابات ضد البلدين، لكن موريتانيا فضلت الخروج من المنطقة الصحراوية عام 1978، بينما استمر إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو إلى سنة 1991، بعد تدخل الأمم المتحدة، التي عينت بعثة المينورسو لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار بالشريط الحدودي المنزوع السلاح.

طبول الحرب تقرع

وحسب موقع ميدل إيست آي، نقلًا عن مصدر دبلوماسي جزائري، فإن المغرب أبلغ، الأربعاء 11 نيسان/أبريل، الجزائر رسميًا عبر سفير بلد أوروبي، أنها ستتدخل عسكريًا في الصحراء إذا لم تنسحب قوات البوليساريو من المنطقة الواقعة شرق الجدار الدفاعي.

كما عقد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، اجتماعًا خاصًا، حضر فيه زعماء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بغرفتيه، لإطلاعهم على تطورات قضية الصحراء، والخيارات المطروحة على الطاولة، بما فيها الخيار العسكري.

ويأتي هذا التحرك السياسي الممهد للحرب بعد أيام من التعبئة الإعلامية، من طرف وسائل الإعلام المغربية الرسمية وغير الرسمية، الشيء الذي يحيل إلى أن الرباط تنوي استخدام القوة، للرد على تحركات جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة.

أما على الأرض، فأفادت صحيفة المساء، في عددها الورقي، الأربعاء أيضًا، أنه تم تعميم برقيات الاستنفار بمختلف الثكنات العسكرية المغربية، خصوصًا ثكنات مكناس، لرفع حالة التأهب إلى الدرجة القصوى بكل القطاعات العسكرية، كما أعطى الجنرالات تعليمات بنقل قطع من الجيش من المدن إلى الصحراء، وكذا وحدات خاصة عسكرية لاستخدامها في مناورات خاطفة، إذا ما اقتضت الحاجة، وقد شوهدت أسلحة ثقيلة وترسانة عسكرية تنتقل جنوبًا تحسبًا لأي حرب.

اعتبر المغرب أن توغل عناصر البوليساريو شرق الجدار الأمني بحدود الصحراء جنوب المغرب، "عملًا مؤديًا للحرب" (أ.ف.ب)
اعتبر المغرب أن توغل عناصر البوليساريو شرق الجدار الأمني بحدود الصحراء "عملًا مؤديًا للحرب" (أ.ف.ب)

وكان المغرب قد استعان بطائرات بدون طيار وأقمار صناعية لتمشيط سماء المنطقة العازلة بالصحراء طيلة الأيام الماضية، حيث لوحظ انسحاب مجموعات من جبهة البوليساريو، بعد أن تراجع عدد من أفرادها كانوا يتحركون على بعد كيلومترات من منطقة المحبس، وفق ما نقلت "المساء" المغربية.

أفادت مصادر بأنه تم تعميم برقيات استنفار بمختلف الثكنات العسكرية المغربية، كما أُعطيت تعليمات بنقل قطع عسكرية من المدن إلى الصحراء

وفي المقابل، أعلنت جبهة البوليساريو أنها "في منتهى الجاهزية والاستعداد والصرامة، للرد وبقوة على أي تحرك مغربي يُحاول المساس من الأراضي المحررة أو تغيير الأمر الواقع"، مضيفة أن "أي تحرك عسكري مغربي سيجد في مواجهته جيش التحرير الشعبي الصحراوي، الذي قاد الميدان وخبر كيف يدير المعارك ويحسمها"، على حد تعبيرها. ويُعد الرئيس الحالي للجبهة، إبراهيم غالي، أحد الداعمين البارزين بين قيادات الجبهة للخيار العسكري ضد المغرب.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب والبوليساريو.. جولة "الكركرات" ليست الأخيرة

أما بالنسبة للجزائر، فإن نزاع الصحراء هو "قضية تصفية الاستعمار" ، حسبما ذكر مصدر دبلوماسي جزائري لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، في حين أكد على أن الجزائر "عليها واجب التضامن مع الشعب الصحراوي لممارسة حقوقه المشروعة، مضيفًا أن السلطات الجزائرية "تأخذ تهديدات المغرب على محمل الجد وتدرس جميع الاحتمالات" ، بما في ذلك المواجهة المحتملة بين القوات المسلحة الملكية المغربية وقوات جبهة البوليساريو.

مخاوف من اندلاع حرب

منذ أن وضعت الحرب بين الجيش المغربي وجبهة البوليساريو أوزارها سنة 1991، شكّل نزاع الصحراء قنبلةً ملغمةً في المنطقة المغاربية، تكاد تنفجر بين الفينة والأخرى على إثر كل تصعيد، ويظهر أن التوتر في المنطقة هذه المرة بلغ مداه، بعد أن فشلت كافة الوساطات الأممية في حل الأزمة.

ومع ذلك، لا يبدو القلق ظاهرًا على حكومات بلدان الاتحاد الأوروبي القريب من المنطقة، على الرغم من التصعيد الخطير الذي قد يتحول إلى مواجهة عسكرية. 

ويعود غياب هذا القلق إلى أن أي نزاع مسلح بين المغرب وجبهة البوليساريو، لن يشكل تحديًا أمنيًا لأوروبا، لأنه سيجري في مناطق صحراوية شبه خالية، وبالتالي لن تخلف هذه الحرب موجات من النازحين. بل ما يثير قلق الحكومات الأوروبية، حسب ما نقلت صحيفة القدس العربي، عن مصدر أوروبي، هي "الأوضاع الاجتماعية في المغرب والجزائر واحتمال اندلاع انتفاضات الخبز التي ستكون أخطر على أمن أوروبا من الحرب في الصحراء".

لكن السيناريو الكارثي، الذي يخشاه المراقبون، إذا ما اندلعت مواجهات عسكرية بين القوات المغربية والبوليساريو على الحدود، هو احتمال توسع الحرب لتشمل الجزائر الداعمة للجبهة، باعتبار التشابك الحاصل في الوضع السياسي والجغرافي  بالمنطقة هناك.

 وفي حال تحقق هذا السيناريو على أرض الواقع فإن المنطقة المغاربية ستقع برمتها في هوة سحيقة من اللهب، إذ إن كلًا من المغرب والجزائر يملك ترسانة عسكرية كبيرة ومئات آلاف الجنود، ما سيجعل الحرب طويلة ومكلفة لكلا البلدين على جميع المستويات، تمامًا كما حدث في حالة الحرب الإيرانية العراقية.

وهو ما ليس في صالح أي طرف، بالنظر إلى الكلفة السياسية والمخاطر الاقتصادية، وقبل كل ذلك الخسائر البشرية، التي قد تنجم عن هكذا احتمال، الأمر الذي يجعل كل الأطراف أكثر ميلًا للاستقرار بالرغم من التصعيد الظاهر، سيما وأن المجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي خاصة، سيحرص على عدم اشتعال حرب واسعة في المنطقة المغاربية، قد تحولها إلى مشتل للإرهابيين ومصدر لملايين اللاجئين نحو أوروبا.

السيناريو الكارثي الذي يخشاه المراقبون هو أن تندلع حرب بين المغرب والبوليساريو قد تتوسع لتشمل الجزائر ما يعني حربًا طويلة ومدمرة

لكن هذا لا يمنع أن تحدث في المستقبل مناوشات أو حتى مواجهة عسكرية محدودة بالمناطق الحدودية على طول شريط الجدار الرملي بالصحراء، بين الجيش المغربي وقوات البوليساريو، قبل أن تتدخل الأمم المتحدة لوقف النار.

 

اقرأ/ أيضًا:

كيف أشعلت البوليساريو أزمة جديدة بين المغرب وجنوب إفريقيا؟

رغم المشاكل.. هذه أبرز أوجه التعاون الاقتصادي بين المغرب والجزائر