31-يوليو-2019

من اعتصام الناجحين في اختبارات مجلس الخدمة المدنية في كانون الثاني/يناير الماضي (NNA)

مضى أكثر من عشرة أشهر ولا زال مصير 566 شاب وشابة في لبنان، معلقًا بانتظار البت بتوظيفهم في الفئات الثالثة والرابعة والخامسة في 13 وظيفة، وذلك بعد نجاحهم في الاختبارات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية.

تقف طائفية جبران باسيل عائقًا أمام توظيف 566 شابًا وشابة في لبنان، نجحوا في اختبارات 13 وظيفة من الفئات الثالثة والرابعة والخامسة

وعلى الرغم من الوعود المستمرة من قبل الوزراء المعنيين بتعيين هؤلاء الشباب في أقرب فرصة، إلا أن الملف لم يبصر النور، ووصل الأمر إلى احتدام الصراع بين الفرقاء السياسيين حول أحقية وشرعية توظيفهم من عدمه. 

اقرأ/ي أيضًا: جبران باسيل ومأزق المناصفة الإسلامية المسيحية

طائفية جبران باسيل

وتفاقمَ الصراع لينعكس على الموازنة المالية، حيث وقعها كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، فيما لم يوقعها رئيس الجمهورية، وأعادها إلى مجلس النواب للبت بأمر البند 80 الذي يحفظ حق الناجحين في الوظائف.

 ويعارض رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، التوظيفات، مرجعًا السبب إلى خلل في التوزيع الطائفي، أو كما اصطلح على تسميته بـ"المحاصصة الطائفية"، حيث بلغ عدد الناجحين من الطائفة المسيحيية ما يقارب 24% بينما من المسلمين 66%.

جبران باسيل
يعرقل باسيل تعيين الناجحين في اختبارات الوظائف، من منطلق طائفي صريح

وتم إدراج البند على طاولة مجلس الوزراء العام الماضي، لكنه عاد وسحب قبل بدأ الجلسة بقليل، بضغط من وزراء التيار الوطني الحر، معللين رفضهم للتعيين بسبب عدم مراعاة التوازن الطائفي في التوظيف. 

ضد الدستور

مع العلم بأن المادة 95 من الدستور اللبناني تنص على ضرورة استبدال قاعدة التمثيل الطائفي، واعتماد الإختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة، مع استثناء وظائف الفئة الأولى، حيث يجب تأمين المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

وفي تصريح للوزير باسيل حول المادة 95 من الدستور، طرح نظرة جديدة ومغايرة لما هو متفق عليه بين الفرقاء السياسيين، إذ قال: "الميثاق والصيغة أسمى شيء في لبنان، وأما الدساتير والقوانين يمكن تعديلهم حسب الحاجة، فالميثاق والصيغة ثابتان والدستور والقانون متحركان". 

وأضاف جبران: "بعد تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية يمكن الحديث عن المناصفة في وظائف الفئة الأولى فقط، بينما الآن هناك تجاوز للمناصفة الفعلية والكلية بين المسلمين والمسيحيين، وطالما الطائفية هي النظام السائد في لبنان فإنه لا يمكن القبول سوى بالمشاركة التامة".

الناجحون في مجلس الخدمة المدنية
من احتجاجات الناجحين في اختبارات مجلس الخدمة المدنية

وقال باسيل إن "من يمس بالمناصفة هو المسؤول عن تهديد اتفاق الطائف الذي لا يجب المس فيه أو تعديله سوى بتفاهم وطني". ويرى باسيل أنه ما دامت القضية قد طرحت، فلا بأس من إعطائها كل الوقت من أجل مواجهتها، "كي يعيش اللبنانيون بصراحة فيما بينهم من أجل الحفاظ على المكونات اللبنانية وصيانة التنوع في لبنان"، على حد تعبيره.

ويفتح خطاب باسيل النقاش، ويزيد من حدة الصراع حول المناصفة والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، خاصة في ظل تقارير تشير إلى أن نسبة المسيحيين في لبنان أصبحت 30% بينما يبلغ المسلمون 70%. فهل سيرضخ باسيل لنتائج المباريات ويوقع رئيس الجمهورية على مراسيم التعيين، أم أن الفرقاء المسلمين وفي مقدمتهم حركة أمل، سيتراجعون عن المطالبة بالتوظيف؟ 

في كلا الحالتين لن تنتهي القضية عند البند 80 بل ستطال التفسير الدستوري للمادة 95، ومعنى المناصفة، وطبيعة الميثاق الوطني بين اللبنانيين. قال النائب جميل السيد في هذا الصدد: "إذا لم نستطع توظيف عامل نظافة مسيحي ألا يحق لنا توظيف عامل نظافة مسلم!".

المزيد من البطالة

يقول إبراهيم، أحد الشبان الناجحين في اختبارات التوظيف، لـ"الترا صوت": "قدمت استقالتي من عملي السابق بعد الوعود التي قطعت لنا بتعييننا في شهر أيار/مايو الماضي. لكن شيئًا لم يحصل حتى الآن". 

غرق إبراهيم، العاطل عن العمل منذ حينها، في الديون: "لستُ قادرًا على العودة للعمل، ولا السفر أو الهجرة. لا أملك المال، وما زلت أنتظر الوظيفة".

شربل، شابٌ آخر ممن نجحوا في اختبارات الوظائف، يقول لـ"الترا صوت": "بنيت آمالًا على هذه الوظيفة. وعلي قرض للبنك. وأنا وحيد في إعالة أهلي".

الناجحون في مجلس الخدمة المدنية
من احتجاجات الناجحين في اختبارات مجلس الخدمة المدنية

يعتقد شربل أنه ينبغي تعيين صاحب الكفاءة، وأن الاختبارات هي الفيصل في ذلك: "هذه الوظائف ليس فيها محاصصة طائفية، لا مسيحيين ولا غير مسيحيين. إنها تعتمد على الكفاءة. أما المناصفة ففي وظائف الفئة الأولى فقط"، مؤكدًا: "البعض يستخدم ملفات التوظيف لكسب أصواتٍ انتخابية"، مضيفًا بتهكم: "إذا لم ينجح شباب مسيحيون، ماذا نفعل؟ نوقف البلد؟ أم نرسل دعوات خاصة للشباب المسيحي ليقدم في الوظائف؟!".

سليمان شاب ثالث نجح في اختبارات التوظيف. أنهى هو أيضًا عقد عمله في مؤسسة خاصة، في انتظار التوظيف بعد نجاحه في الاختبارات. لكن "المماطلة" بتعبيره، حمّلته عبء الكثير.

"خسرت ضماني الصحي في الضمان الاجتماعي، ووالدتي التي هي في حاجة دائمة للأدوية، كانت على اسمي في الضمان، خسرته هي أيضًا. الآن أعيش بلا مستقبل"، فيما تقول بيا، إحدى الشابات الناجحات في اختبارت التوظيف: "لا ذنب لنا في عدم وجود توازن طائفي. فليعينونا أولًا، ثم بعد ذلك يبحثوا في الحلول التي يريدونها، لا يكون على حسابنا".

انضم كثيرون من الـ566 الذين نجحوا في اختبارات التوظيف، إلى طابور البطالة بعد أن استقالوا من أعمالهم الأخرى في انتظار التوظيف

وغير هؤلاء من الذين تحدث إليهم "الترا صوت"، مئات آخرون، كثيرٌ منهم انضموا إلى طابور البطالة بعد أن استقالوا من أعمالهم الأخرى في انتظار التوظيف الذي نجحوا في اختباراته. يوقف مستقبلهم صراع سياسي على أحبال الطائفية، هزّازه الرجل المثير للجدل، جبران باسيل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟

قدرة اللبنانيين الشرائية.. سباتٌ اقتصادي عميق