14-نوفمبر-2015

من العرض

كيف يمكن أن تنقلب حياة عائلة بسيطة رأسًا على عقب بمجرد دخول ضيف ما؟ وكيف يمكن أن تكون الشخصية العربية هشّة تتأثر بأيّ ريح يدق أبوابها؟ تلك هي فحوى المسرحية المغربية "ضيف الغفلة" التي عرضت ضمن الدورة السابعة عشرة من أيام قرطاج المسرحية، ضيف حلّ على عائلة كانت تعيش حياة عادية ومريحة وفي تناغم منقطع النظير، إلى أن شاءت الأقدار أن يلتقي صالح (أحد الإخوة) ذات ليلة بمسجد الحي، رجلًا غريبًا عن البلدة، يدعى عبد المالك فيقوم فجأة استضافته، لقضاء ليلة أو بعض من الليالي، لكن الوافد الجديد، وبإصرار من صالح أصبح مقيما بالمنزل وواحد من أفراد العائلة بل أصبح الآمر الناهي، يحلل ويحرم كما شاء وكيفما شاء.

تنتقد "ضيف الغفلة" في جانب منها ازدواجية الخطاب الذي يُظهر غير ما يبطن وهي أزمة تشهدها مجتمعات المسلمين

أمام هذا الوافد الجديد الذي كان يتخفى بقناع التقوى وهو ينوي الاحتيال والتجارة بالدين، تقف سعدية (الأخت الصغرى) سدًا منيعًا أمام نواياه، وبعد صراع مرير مع الأخوين تتمكن من إزاحة القناع عن وجه الوافد الجديد بعد أن كان قد تمكن من الاستيلاء على العقول قبل ممتلكات الأسرة. يسعى عبد المالك إلى الاستحواذ على ممتلكات العائلة وقد نجح في ذلك إلى حد ما بعد أن فوضّه صالح بالتصرف في كل ما له عن طريق توكيل يمكنه من الاستحواذ على المحل التجاري الذي يملكه والمنزل، ولكنه لا يكتفي بذلك بل يحاول نصب شراكه الرومانسية للإيقاع بسعديّة ويراودها عن نفسها، لكن الأخيرة تتمكن من كشفه أمام إخوتها بعد أن كاد يوقع بينهم.

المسرحية وإن عالجت قضية تشغل العالم الإسلامي راهنًا، وهي امتطاء صهوة الدين وجعله طريقا نحو السلطة والتملك وقضاء مآرب شخصية وذاتية، فإن القائمين عليها اتخذوا طريق الهزل أو الكوميديا السوداء لإبلاغ رسالتهم التي وصلت مباشرة للجمهور دون عناء، بأداء مميّز لكل من فضيلة بن موسى، مريم الزعيمي، عادل أبا تراب، سعيد آيت باجا.

سينوغرافيا المسرحية اعتمدت على ديكور متغيّر بحسب المَشاهد، فمن طاولة كناية عن غرفة الجلوس إلى سرير غرفة النوم، تدور الأحداث بين الانفتاح والانغلاق وبين الحوار الموسّع الذي يجمع العائلة والذي يُقال فيه ما يُقال أمام الملأ، في حين يتحول الخطاب مائة وثمانين درجة حين يختلي عبد المالك بكل شخص على حدة. تنتقد المسرحية في جانب منها ازدواجية الخطاب الذي يُظهر غير ما يبطن وهي أزمة تشهدها مجتمعات المسلمين بوجه عام، كما تنتقد سذاجة العامة، لا سيما ذوي المستوى التعليمي المحدود، وهو نقد يطال حتمًا الدول التي لا تستثمر في مواردها البشرية بشكل يجعل هذا الاستثمار مربحًا بعد سنوات.

اقرأ/ي أيضًا:

عمر المعتز بالله.. مسرح صنع في مصر

عباس رهك.. مخرج وضع جمهوره في الباص