في كشف جديد ومثير، أعلنت البعثة الأثرية الفرنسية، تقديم قطعتين أثريتين إلى متحف السودان القومي، كانت قد عثرت عليهما في منطقة صوليب، شمال السودان، بالإضافة إلى مسلة نادرة في موقع صادنقا، تم الكشف عنها وترميها في إطار المشروع القطري الذي يقوده عالم الآثار الفرنسي كلود ريي.
أعلن المشروع الأثري القطري الفرنسي في السودان، عن كشوفات أثرية جديدة بينها مسلة نادرة في موقع صادنقا
وأُعلن عن القطع النادرة في مؤتمر صحفي بمقر المتحف الوطني بالخرطوم، شهدته السفيرة الفرنسية إمانويل بلاتمن، وعدد من العلماء والمهتمين بالأثار السودانية، في ظل غياب الحكومة الجديدة التي تخلت عن وزارة الأثار والحياة البرية، لأول مرة، ولم تُسمها.
اقرأ/ي أيضًا: لغز الفراعنة السود.. حكايات شارلي بونيه تحت رمال السودان
الملك وعتاقيلولا
وتعتبر مسلة "عتاقيلولا" أجمل نقش من حضارة مروي وجد حتى الآن في منطقة صادنقا، وهي تعبر عن عمق الحضارة السودانية وثرائها. وسوف تقبع هذه القطع في المتحف الوطني أخيرًا، بعد معاناة رحلة التنقيب والترميم، في حين أن اللوحة الأولى منحوتة من معبد سوليب الذي تم ترميمه في عام 2017، ومسلة عتاقيلولا، تم اكتشافها جزئيًا قبل ثلاثة أعوام في مقبرة صادنقا.
وبدأت مراحل الكشف عن لوحة سوليب بالعثور على قطع صغيرة خلال الحفريات من قبل بعثة شيف جيورجيني عام 1960، وقد تم ترميمها كجزء من المشروع القطري للتنقيب عن الآثار في السودان بقيادة كلود رايلي، قبل عامين.
ولوحة سوليب واحدة من عدد قليل من الشواهد على الولاية الأولى لمعبد سوليب، الذي بني في عهد فرعون أمنحتب الثالث، حوالي عام 1460 قبل الميلاد.
وتتميز اللوحة بالجودة الاستثنائية للنقش، خاصة الكتابة باللغة الهيروغليفية، وهي سمة من سمات عهد أمنحتب الثالث، من أهم العهود للفن المصري، ما يعني أن هذه الآثار الفرعونية التي بنيت على الأراضي السودانية كان لها تأثير عميق على الحضارات المحلية، مثل مملكة نبتة ومروي.
صيف السيدة المدهش
وصفت جنازة السيدة عتاقيلولا، أو ما يعرف بـ"حجر الدفن"، بأنه أجمل نقش مروي عثر عليه حتى الآن في صادنقا. وقد تم استخراج المسلة خلال حفريات القطاع الثاني من المقبرة، إذ يعود تاريخها إلى أواخر القرن الثاني الميلادي.
وتحيي المسلة ذكرى امرأة من عائلة قوية من صادنقا، مع تداعيات على المملكة بأكملها، ربما لأن عتاقيلولا ابنة كاهن من كرمة، وتحسب من بين أسلافها أعضاء الأسرة الحاكمة في مروي.
وقد تم العثور على القطعة التي تخصها في وضع مستقيم، وإسفين من الطوب من كنيسة الدفن المنهارة، وقد حافظ هذا الوضع عليها من رطوبة التربة وتآكل الرياح، وهو ما يفسر صيفها المدهش من البقاء الآمن الطويل، إذ حافظت على جزء كبير من أصباغها، ويمكن للمرء أن يرى أن الحروف مشوبة باللون الأحمر والخطوط باللون الأزرق، وهو لون هش جدًا اختفى شيئًا فشيئًا.
إضافة للإرث الانساني
يُذكر أن القسم الفرنسي، ظل يعمل في السودان منذ نحو نصف قرن، وهذا كما يبدو، يعكس الاهتمام الفرنسي بالحضارة النوبية، تحديدًا اكتشاف مدينة مروي القديمة. وسعت البعثة، بدعم وتمويل قطري، لتطوير العديد من الحفريات والترميمات والبحوث والمنشورات.
وصرحت السفيرة الفرنسية في الخرطوم، إمانويل بلاتمان، بمشاطرتها السودان هذا "الشغف بالتراث والاحترام للماضي الذي تعتبر معرفته ونقله أساسيين للأجيال المقبلة"، مؤكدة على أهمية القطع الأثرية التي تم تسليمها للمتحف الوطني، باعتبار أنها نادرة، و"سوف تشكل إضافة للإرث الانساني".
وقالت السفيرة: "إنني على ثقة من أن هذه القطع الأثرية سوف تسهم إسهاما إضافيًا في بناء الاعتراف الدولي بالتراث السوداني، وستعزز سمعة المتحف الوطني".
المشروع القطري
أما التحفة الأخرى، فتعرف بـ"راحة الكانداس"، وتم اكتشافها من داخل معبد الحصا. وكان اكتشاف هذا الجدار المزين، بمثابة مفاجأة للبعثة، كما أن مسألة وجوده في حفرة يبدو أنه قد تم حفرها خصيصًا له، لا يزال لغزًا محيرًا.
وقع هذا الاكتشاف في عام 2006، في وقت لم يكن من الممكن فيه فهم وجود هذه القطعة من الجدار على هذا الموقع. ويُشار إلى أنه لم يتسن الشروع في مشروع منهجي للحفر والترميم، إلا في عام 2013، بتمويل من دولة قطر.
وفي عام 2014، أقامت إدارة المشروع القطري السوداني للآثار، التابع لهيئة متاحف قطر، حفلًا لتكريم أحد أبرز المستكشفين في السودان، وهو شارلي بونيه، وذلك بمناسبة مرور 50 عامًا على بدء عمله في التنقيب عن آثار حضارات السودان العريقة، والكشف عن عمق إسهاماتها. وجاء المشروع القطري لترميم الآثار السودانية بتكلفة 135 مليون دولار.
دفوفة كرمة
وقبل أعوام قليلة، أعلنت البعثة السويسرية الفرنسية السودانية المشتركة، اكتشاف بوابة نوبية أثرية كبيرة في موقع "دكلي قيل" بمنطقة كرمة بالولاية الشمالية. وهذه البوابة التي كانت حديث العالم، شُيدت من طوب اللبن بارتفاع 100 متر، ما يجعلها واحدة من أكبر البوابات المعروفة في التاريخ.
وقالت البعثة، إن ذلك الاكتشاف العظيم، سوف يُسهم في توضيح عمق الحضارة السودانية والأفريقية، ما يؤكد أن كرمة أول مملكة سودانية مستقلة تمكنت منذ القدم من توحيد كل كيانات الشعب السوداني بكل إثنياته، تحت تاج واحد.
بدأ المشروع القطري لترميم الآثار السودانية، في عام 2013، بتكلفة وصلت لـ135 مليون دولار أمريكي، وتضمن بالإضافة للترميم، كشوفات أثرية مهمة
لوحة صوليب، ومسلة السيدة "عتاقيولا"، وقبلهما صور أزهار اللوتس على جدران المقبرة، والنقوش الذهبية، ومعبد الإله آمون رع، ورأس الكوبرا المقدسة، وصور ملوك نبتة؛ كلها ترمز لحضارة باذخة منذ 300 سنة قبل الميلاد، تعرضت للتخريب وتقلبات الطبيعة، لكن جهودًا مضنية تبذلها فرنسا برعاية ودعم الحكومة القطرية، تبدو هي المكسب المهم للإنسانية، والشعب السوداني على وجه الخصوص.
اقرأ/ي أيضًا:
تاجوج والمحلق.. سيرة أشهر قصة حب سودانية
إرث النبي موسى والخضر وأصحاب الكهف.. السودان مختلف على تاريخه