12-أغسطس-2015

منحوتة لـ(تديم كرم/ لبنان)

أظنني بحاجة لأن أعترف أمامكم أن الملل كثيرًا ما ينتابني في أيام الجمعة، ولا أستطيع التعامل معه كيوم إجازة أسبوعية للمسلمين. وإذا نحّينا الورقة والقلم والآلة الحاسبة جانبًا، وهي الطريقة المتبعة عند البعض في جمع الحسنات، فإن يوم الجمعة منذور للنكد الخاص، على اعتبار أن بقية أيام الأسبوع منذورة للنكد العام برعاية الحكومات العربية.

نكد يوم الجمعة شخصيٌّ بامتياز، لا علاقة له بالأحداث السياسية ولا بارتفاع الأسعار

إنّ نكد يوم الجمعة شخصيٌّ بامتياز، لا علاقة له بالأحداث السياسية ولا بارتفاع الأسعار ولا حتى بشغب الملاعب، بل هو نكد هامشيٌّ يحتفي بما هو يوميٌّ على طريقة شعراء قصيدة النثر. وهو فوق ذلك غير مرتبط بفترة زمنية، إذ يرافقك من طفولتك إلى شبابك على أقل تقدير. يكفي أنه اليوم الذي كُنتَ تُجبَرُ فيه، أيام الطفولة، على الاستحمام في عز أيام الشتاء والبرد القارس، فتضعك أمّك في "طشت" الألمنيوم بجانب صوبة الحطب المشتعلة مثل نار جهنم، وتأكيدًا على حرص الأم على صحتك، وخشية أن يتسلل البرد إلى جسدك النحيل، فإنها تصبُّ عليك ماء ساخنًا تعتقد جازمًا أنها بدأت بتسخينه مساء الجمعة الفائتة، ولا تجرؤ على تذكيرها بأنّ الهدف من عملية التسخين هو الاستحمام وليس السَّلق.

أعاودُ التأكيد على أنّ يوم الجمعة مُملٌّ بامتياز، وقد أصبحتُ أملُّ أكثر من خطب الجمعة، إذ يكرّر الخطباء المواضيع ذاتها، والقصص الوعظية والأدعية ذاتها. لقد مللتُ من تلقين الخطبة بالطريقة الحماسية الغاضبة وكأنّ المصلّين سيذهبون إلى القتال فورًا بعد انتهائها، أو كأنّ الخطيب يجهلُ أننا خصّصنا هذا اليوم للاستسلام التام، سنستسلم لوجبة الغداء بعد قليل، وللقيلولة والمناسبات الاجتماعية ومشاهدة حلقة من مسلسل تركي مدبلج. وقد نتواجه مع خطيب المسجد نفسه في معركة "منسف بلدي"، فلا نتذكّر أو نأتي على شيء من خطبته ومواعظه.

في جمعة الأسبوع الماضي مثلًا، كنتُ سأخبرُ الخطيب بأنني أصابُ بالضّجر كلّما دخل عالم أمريكي في الإسلام نتيجة اكتشافه أنّ اكتشافه مُكتشفٌ عند المسلمين منذ ألف وخمسمائة عام. لقد أصبح لدينا اكتفاء من العلماء الأجانب، لولا شكّي في أنّ العالمَ إيّاه يتم الاتصال به ليعاود إعلان إسلامه مع كل اكتشاف جديد.

إذا كانت كل هذه الاكتشافات موجودة لدينا، فلماذا ننتظر سوانا كل هذا الوقت حتى يكتشفوها؟ أريد مرة واحدة فقط أن يحدث هذا الاكتشاف من قبلنا. صحيح أننا قد نخسر إسلام عالم أمريكي، لكننا، على الأقل، سنُصدّق أننا مسلمون.

خطبة هذا الأسبوع كان فارسها خفيف الدّم من جماعة "الدعوة والتبليغ". أجرى بعض التعديلات والقصّ واللصق على القصص كي يضفي عليها جوّاً من المتعة. روى أنّ رجلًا من قريتنا حجّ بوالدته في إحدى السنوات ماشيًا وهو يحملها على كتفيه، ثم كرّر السؤال الذي سمعناه من كلّ شيوخ البلاد: "هل وفيت أمي حقها؟" لكنه لم يمهل أحدًا فسارع للإجابة "لا"، مردفاً: "تخيلوا أنه حملها من قريتنا إلى مكة، ومع هذا لم يفها حقها".

بعد انتهاء الخطبة، اقتربتُ منه وأخبرته أنني راجعتُ سجل الحجّاج في تلك السنة ولم أعثر على اسم أيّ حاجّ من قريتنا، فأدرك فورًا أنني أسخر منه، لكنّه عاملني بلطف ورفق، وروى لي أنهم حين ألقوا سيدنا إبراهيم في النار كانت هناك سحلية تقوم بجمع القشّ وترميه عليها كي تزداد اشتعالًا، بينما كان الضفدع يعبّئ الماء في فمه ويحاول إطفاء النار. واستدلّ الخطيب بروايته على وجود الخير والشر منذ الأزل. في الحقيقة، تجمّعت الدموع في عينيّ تأثرًا بما قال، وخرجتُ من المسجد عازمًا على أن أصير ضفدعًا في سبيل الله.