بدأت الدول الغربية مبكرًا في تصعيد الضغوط على إيران، تزامنًا مع اقتراب انتهاء مدة الاتفاق النووي الموقع عام 2015، ووسط تزايد الحديث عن اتفاق جديد تسعى الإدارة الأميركية إلى جعله أكثر تشددًا وصرامة في التعامل مع برنامج إيران النووي. يأتي ذلك بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق السابق عام 2018، معتبرةً أنه لا يلبي المصالح الأميركية، إذ منح طهران مكاسب اقتصادية دون توفير ضمانات حقيقية لمنع تحويل برنامجها النووي من سلمي إلى عسكري.
وفي هذا السياق، تتصاعد سياسة "الضغوط القصوى"، والتي تشمل اجتماعًا مغلقًا لمجلس الأمن الدولي مساء الأربعاء، خُصص لمناقشة المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب. وقد اتهمت واشنطن طهران بعدم الوفاء بالتزاماتها، مطالبةً مجلس الأمن بإدانتها، فيما لوّحت بريطانيا بإعادة فرض العقوبات على إيران بذريعة انتهاك التعهدات النووية.
من جانبها، رفضت الخارجية الإيرانية هذه التحركات، معتبرةً أن اجتماع مجلس الأمن لا يستند إلى أي مبرر قانوني أو فني، مؤكدةً أنها لن ترضخ لمحاولات فرض "اتفاق نووي جديد" عليها. كما حذرت الأطراف الأوروبية من تداعيات استخدام أدوات الضغط ضدها، مشيرةً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى ردود فعل تضر بالمصالح الأوروبية نفسها.
تستضيف العاصمة الصينية بكين يوم غدٍ الجمعة مشاورات إيرانية روسية صينية حول ملف إيران النووي، وذلك قبل اجتماع مقرر هذا الشهر بين إيران والترويكا الأوروبية للتباحث حول نفس القضية.
دخلت روسيا على خط الأزمة، حيث أصدر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بيانًا أكد فيه أن الولايات المتحدة تسعى لربط أي اتفاق نووي جديد مع إيران بشروط سياسية صارمة، تشمل السماح بعمليات تفتيش لضمان عدم دعم طهران لجماعات في العراق أو لبنان أو سوريا أو أي مناطق أخرى. واعتبر لافروف أن هذه الشروط "محكومة بالفشل"، داعيًا إلى إعادة العمل بالاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحبت منه واشنطن خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب.
في سياق متصل، تستعد العاصمة الصينية بكين لاستضافة مشاورات إيرانية-روسية-صينية غدًا الجمعة، تسبق اجتماعًا مرتقبًا بين إيران والترويكا الأوروبية في وقت لاحق من الشهر الجاري، لمناقشة مستقبل الاتفاق النووي.
من جهتها، رفضت إيران رسميًا، على مستوى مؤسسة المرشد الأعلى والرئاسة، دعوة الرئيس الأميركي ترامب للتفاوض بشأن اتفاق نووي جديد قبل انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي في آب/أغسطس المقبل. وأكدت طهران أنها لن تدخل في أي مفاوضات تحت الضغط والعقوبات، مشيرةً إلى تجربتها السابقة مع إدارة ترامب، والتي وصفها الموقف الإيراني الرسمي بأنها غير مشجعة ولا يمكن الوثوق بها.
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية
في تقريرها الأخير، حذّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران رفعت مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى مستويات "مقلقة للغاية"، مشيرةً إلى أن نسبة التخصيب بلغت 60%، وهي قريبة من المستوى المطلوب لصنع سلاح نووي (90%). وبناءً على هذه المعطيات، دعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليونان وبنما وكوريا الجنوبية إلى انعقاد مجلس الأمن الدولي لإدانة إيران بسبب عدم التزامها بتعهداتها النووية.
وعقب الاجتماع، أصدرت البعثة الأميركية لدى مجلس الأمن بيانًا أكدت فيه أن برنامج إيران النووي يمثل "تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين"، مشددةً على ضرورة اتخاذ المجلس إجراءات حازمة لكبح طموحات طهران. وأضاف البيان أن إيران تحدّت قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، ما يستدعي ردًا دوليًا حاسمًا.
كما أكدت البعثة الأميركية أن إدارة ترامب مستمرة في تطبيق "استراتيجية الضغوط القصوى" لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، مشيرةً إلى أن طهران هي "الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك سلاحًا نوويًا، لكنها تنتج يورانيوم عالي التخصيب دون أي مبرر سلمي يمكن التحقق منه".
الأصبع على الزناد
لوّحت الترويكا الأوروبية، المكوّنة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بإمكانية إعادة فرض العقوبات على إيران، استنادًا إلى الآلية المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015، والمعروفة إعلاميًا بـ"آلية الضغط على الزناد" أو "العودة إلى ما قبل الاتفاق"، والتي تُفعَّل في حال الإخلال ببنوده أو انسحاب أي من الأطراف الموقّعة عليه. وفي هذا السياق، صرّح نائب السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة، جيمس كاريوكي، للصحفيين قائلًا: "كنّا ولا نزال واضحين في أننا سنتخذ جميع الإجراءات الضرورية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، بما في ذلك تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات إذا استدعى الأمر ذلك".
يُذكر أن الترويكا الأوروبية كانت قد أبلغت مجلس الأمن، في رسالة رسمية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بإمكانية إعادة تفعيل العقوبات ضد طهران، بسبب ما اعتبرته "إخلالًا بالتزاماتها النووية".
في المقابل، حمّلت إيران الولايات المتحدة المسؤولية عن التصعيد النووي، معتبرةً أنها الطرف الذي انتهك الاتفاق وانسحب منه بشكلٍ أحادي. وخلال جلسة مجلس الأمن، قال مندوب طهران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، إن "واشنطن تسعى لاستغلال مجلس الأمن كأداة لتكثيف حربها الاقتصادية على إيران"، داعيًا الدول الأعضاء إلى رفض تلك المحاولات حفاظًا على مصداقية المجلس. وأضاف أن "جهود إدارة ترامب لفرض اتفاق نووي مجحف على إيران مصيرها الفشل"، مشددًا على أن "العقيدة العسكرية الإيرانية لا تتضمن امتلاك أسلحة نووية".