قال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، إن القوى الأوروبية أبلغت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، بما وصفها بـ"الخطوط الحمراء" التي لا يمكن تجاوزها في أي اتفاق سلام محتمل يهدف إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وأكد بارو أن هذه الخطوط الحمراء غير قابلة للتفاوض من وجهة نظر الأوروبيين.
وتأتي تصريحات بارو بالتزامن مع انعقاد جولة جديدة من المباحثات الأميركية الأوروبية حول الملف الروسي الأوكراني، المقررة يوم غدٍ الأربعاء في العاصمة البريطانية لندن. كما تزامنت تصريحاته مع إعلان الكرملين، اليوم الثلاثاء، عن استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة دعوة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بشأن وقف الهجمات على البنية التحتية المدنية.
وكانت روسيا وأوكرانيا قد استأنفتا، مساء الأحد، تبادل الهجمات، عقب انتهاء هدنة الثلاثين ساعة التي أُعلنت بمناسبة عيد الفصح. وخلال تلك الهدنة، دعا زيلينسكي إلى تمديد وقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا، لكن موسكو لم تستجب لهذا العرض، وسط تبادل للاتهامات بين الطرفين بشأن خروقات واسعة للهدنة تجاوزت آلاف الانتهاكات، بحسب بيانات رسمية من الجانبين.
تشير التصريحات القادمة اليوم من باريس وموسكو إلى إعطاء الضغوط الأميركية الأخيرة أكُلها، دون أن نكون واثقين تمام الثقة بأنها ستُسفر عن اتفاقٍ روسي أوكراني هذا الأسبوع أو الذي يليه، فالأمور أكثر تعقيدًا ممّا تتصوّره إدارة ترامب.
ترامب يلوّح بالإغراءات والضغوط
يُشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حفّز روسيا وأوكرانيا على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مؤكدًا أن موسكو وكييف ستتمتعان بفرص تجارية واقتصادية متميزة مع الولايات المتحدة إذا وافقتا على وقف لإطلاق النار خلال هذا الأسبوع.
وكان ترامب، إلى جانب وزير خارجيته، قد أعربا في وقت سابق عن أسفهما لغياب الرغبة لدى الطرفين في إنهاء الحرب، ولوّحا بانسحاب واشنطن من جهود الوساطة إذا لم تظهر مؤشرات ملموسة على إمكانية التوصل إلى اتفاق في غضون أيام.
وتشير التصريحات الصادرة اليوم من باريس وموسكو إلى أن الضغوط الأميركية الأخيرة بدأت تُؤتي ثمارها، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت ستُسفر بالفعل عن اتفاق وشيك بين روسيا وأوكرانيا، بالنظر إلى تعقيدات الملف، التي قد لا تدركها إدارة ترامب بكامل أبعادها.
الخطوط الحمراء الأوروبية
وعندما سُئل وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، عمّا إذا كان تطلع ترامب للتوصل إلى اتفاق خلال هذا الأسبوع واقعيًا، أجاب بأن ذلك يعتمد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مضيفًا: "أعتقد أن إعلان بوتين عن هدنة عيد الفصح، وإن جاء مفاجئًا، كان خطوة دعائية، هدفها تهدئة تململ الرئيس ترامب"، وتابع: "رغم الخروقات المتكررة، فإن الهدنة أدت إلى تراجع نسبي في استخدام المسيّرات والصواريخ، وهو ما قد يفتح المجال لتمديدها".
تصريحات بارو، الذي يُعد من الأصوات المتشددة في الملف الأوكراني، قد تُشير إلى تحول نسبي في الموقف الأوروبي، ربما نتيجة تطمينات أميركية تتعلق بضمانات أمنية لأوكرانيا ضمن أي اتفاق سلام محتمل، وهي النقطة التي ألمح إليها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، حين أشار إلى أن مسألة الضمانات الأمنية "قابلة للتفاهم".
أوروبا ترسم حدود التسوية
وكانت العاصمة الفرنسية باريس قد احتضنت، يوم الخميس الماضي، اجتماعًا رباعيًا ضم ممثلين عن الولايات المتحدة وأوكرانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، في أول لقاء من نوعه منذ تولي ترامب السلطة في كانون الثاني/يناير.
وعن مخرجات الاجتماع، قال بارو في تصريحات لإذاعة "فرانس إنفو": "الهدف الأساسي هو الدفاع عن المصالح الفرنسية والأمن الأوروبي"، مضيفًا: "عندما تضع الولايات المتحدة نفسها كوسيط، نحرص على توضيح خطوطنا الحمراء"، في إشارة إلى النقاط التي يرفض الأوروبيون التنازل عنها، بحسب وكالة رويترز.
وتتمثل أبرز هذه الخطوط في رفض أي تنازل من قبل أوكرانيا عن الأراضي التي استولت عليها روسيا منذ عام 2022، إضافة إلى ضرورة توفير ضمانات أمنية لكييف، تشمل وجود قوات أوروبية على الأرض لمنع تكرار الغزو الروسي.
زيلينسكي يطالب بوقف غير مشروط
وفي سياق متصل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قبيل محادثات لندن المقررة يوم غد الأربعاء، إن "المهمة الأساسية ستكون الدفع نحو وقف غير مشروط لإطلاق النار"، مشددًا على أن أي اتفاق لا يجب أن يكون مرهونًا بتنازلات إقليمية.
يُذكر أن روسيا أعلنت سابقًا ضم أربع مناطق أوكرانية، هي: دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزاباروجيا، وهي مناطق تسيطر عليها جزئيًا. ومنذ إعلان الضم، أصدر زيلينسكي مرسومًا يحظر التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما علّق عليه المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قائلًا: "إذا أرادت أوكرانيا التفاوض، فعليها أولًا إزالة العقبات القانونية التي تمنع ذلك".
قد يدفع الضغط الأميركي نحو توسيع اتفاق وقف إطلاق النار الجزئي ليشمل البنية التحتية المدنية، أما التوصل إلى اتفاق شامل يُنهي الحرب، فيظلّ احتمالًا بعيدًا.
انفتاح بوتين على دعوة زيلينسكي
أعلن الكرملين، اليوم الثلاثاء، أن روسيا مستعدة لبحث المقترح الذي تقدم به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن وقف الهجمات المتبادلة على البنية التحتية المدنية بين الجانبين.
ورغم تعقيدات الملف، أكد المتحدث باسم الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين منفتح على مناقشة هذا الطرح.
وكان زيلينسكي قد صرح في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن أوكرانيا "مستعدة لأي نقاش يهدف إلى وقف الهجمات على المنشآت المدنية"، مشددًا على تمسك بلاده بمقترحها بعدم استهداف أي أهداف مدنية، ومضيفًا: "ننتظر ردًا واضحًا من موسكو، ونحن على استعداد لمناقشة سبل تنفيذ ذلك".
ويُذكر أن الجانبين توصلا في وقت سابق إلى اتفاق جزئي، يقضي بوقف استهداف البنية التحتية للطاقة، مثل محطات الكهرباء ومصافي النفط. وقد يدفع الضغط الأميركي الراهن نحو توسيع هذا الاتفاق ليشمل المنشآت المدنية الأخرى، غير أن التوصل إلى اتفاق شامل يُنهي الحرب ما زال احتمالًا بعيدًا.