23-أغسطس-2018

آثار القصف الأمريكي على مدينة الرقة (Getty)

دائمًا ما يروج المطالبون بالحرب في الولايات المتحدة الأمريكية، لفكرة الخطأ الكارثي، أي ذلك الخطأ الذي يحدث بسبب عدم الاشتراك في حرب ما، والذي يحملونه كل المصائب اللاحقة. وهناك دائما افتراضات حول خسائر تحصل "لأننا لم نتدخل في هذه الحرب أو تلك". وهو ما يسوقه البعض عن عدم التدخل الأمريكي المبكر لقصف النظام السوري. يناقش سيرجي حليمي هذه المقولة العقائدية، في هذا المقال المترجم عن صحيفة "لوموند ديبلوماتيك".


قبل خمس سنوات، سادت في الغرب وجهةُ نظرٍ واحدة تجاه حدثٍ دوليٍ؛ ومن خلال التكرار الحثيث لها، أصبحت بمثابة عقيدة رسمية للدولة. تؤكد وجهة النظر تلك أن الرئيس باراك أوباما ارتكب خطًأ مأساويًا في 31 آب/أغسطس من عام 2013، عندما قرر عدم شن غاراتٍ جوّية على الجيش النظام السوري بعد هجماته الكيميائية الفتاكة على ضواحي دمشق؛ حيث ضمنت مراوغته تلك استمرار النظام  في قتل مواطنيه.

مع عدم تدخل الولايات المتحدة في سوريا، أدرك فلاديمير بوتين أنه يستطيع ضمّ شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار شرق أوكرانيا

 رأى الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وكثيرون غيره أن "النظام السوري لم يكن الوحيد الذي يعتقد بأنه كان حرًا في فعل ما يحلو له". حينها أدرك فلاديمير بوتين أنه يستطيع ضمّ شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار شرق أوكرانيا. هذا تفسيرٌ بأثرٍ رجعيّ، تسانده إشارة حتميّة إلى ونستون تشرشل (الذي رأى أن معاهدة ميونخ ستتيح وقوع المزيد من الاعتداءات النازية)، وهو ما يضفي شرعيةً على الحروب الوقائية السابقة، وسياسة السلام من خلال القوة، خصوصًا فيما يخص روسيا.

اقرأ/ي أيضًا: معركة الرّقة.. أوباما اللاهث خلف التّاريخ

يرى أوباما بأنه عرف بعد تدخلات الولايات المتحدة في أفغانستان والشرق الأوسط وليبيا، التكلفة الباهظة التي تتحملها سمعة بلدٍ ما بعد التدخلات المسلحة المتكررة على أراضٍ أجنبية، والتي عادةً ما تشجعها تحليلات أجهزة الاستخبارات الأمريكية المثيرة للذعر والمُضلِّلة. بل إن وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، وفي إشارة إلى سوريا، سأل أوباما قائلًا: "ألا يتوجب علينا أن ننهي الحربين اللتين نخوضهما بالفعل قبل أن نبحث عن حربٍ أخرى؟".

ينتقد بعضٌ من أشد المدافعين عن التدخل في سوريا وأكثرهم حماسة له -من بينهم صحيفة نيويورك تايمز والصحف الأوروبية التي تتبع نفس منهجها التحريري- بانتظامٍ قرارات الرئيس المطلقة ويُصرُّون على ضرورة احترام الضوابط والتوازنات، ناهيك عن إنفاذ القانون. إلا أن الغارات الجوية الغربية على سوريا لم تكن بمثابة دفاعٍ عن النفس، ولم يحصلوا على دعمٍ من الأمم المتحدة لأجلها، أو دعمٍ من الرأي العام الغربي أو الكونغرس، أو حتى دعمٍ من المملكة المتحدة أكثر حلفاء أمريكا ولاءً، إذ عارض مجلس العموم البريطاني تلك الهجمات.

هناك مقارنات أخرى غير المقارنة الخاصة بتشرشل ومعاهدة ميونيخ: ففي عام 1991، قام تحالفٌ دوليٌ مدعوم بقرارٍ من الأمم المتحدة بإخراج الجيش العراقي من الكويت. وبمجرد تحقيق هذا الهدف بدأ المحافظون الجدد في الولايات المتحدة في انتقاد الرئيس جورج بوش الأب لعدم استمراره حتى النهاية وقيامه بالإطاحة بصدام حسين. وعلى مدى عقد من الزمن، أكدوا أن جميع مشاكل الشرق الأوسط تقريبًا كانت بسبب هذا الفشل في "المواصلة". في عام 2003، تحققت أمنيتهم أخيرًا: وبُعث تشرشل من جديد، وأصبح العراق محتلًا، وفي وقت لاحق، شُنق صدام. إذن هل أصبح الشرق الأوسط منذ ذلك الحين فردوسًا على الأرض؟
 

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب.. النسخة الأكثر فشلًا من نيكسون

حرب دونالد ترامب المقدسة