12-أكتوبر-2016

لا يزال من يحترز من دعوات هيبة الدولة يطالب بتحقيق هيبة المواطن (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

لقي تسجيل مصوّر لاعتداء موظفة في معتمدية سيدي حسين، حي شعبي بالعاصمة التونسية، على مديرها وهو "المعتمد"، أي المسؤول المحلّي المفوّض من المحافظ، انتشارًا واسعًا على صفحات التواصل الاجتماعي، وبات موضوع البرامج السياسية طيلة أسبوع.

ظلّ السؤال حول معنى هيبة الدولة قائمًا، بين من يراها تمظهرًا لسلطان القانون أو كرديف لتسلّط الدولة على حساب المواطنين

وتظهر في الفيديو هذه الموظّفة وهي تمسك مديرها من قميصه، على مستوى العنق، وتحاول ضربه بحذاء، مدعيّة أنه حاول التحرّش بها جنسًيا. وهو ما ينفيه المعتمد مشيرًا إلى أن الموظفة اعتدت عليه بسبب اتخاذه قرارًا تأديبيًا بحقّها نتيجة تقاعسها عن أداء عملها، كما اتهم جمعية وصفها بأنها من تبعات "روابط حماية الثورة" بالحشد ضده. وقد قام لاحقًا موظفون في المعتمدية بإمضاء عريضة تضامنًا مع زميلتهم، التي صدر فيما بعد حكم قضائي ضدها بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف.

اقرأ/ي أيضًا: شباب تونس والتحزب.. عزوف ومخاوف

وقد أعادت هذه الحادثة للسطح الحديث عن "هيبة الدولة"، وهي من أكثر العبارات استعمالًا من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وحزبه، نداء تونس، خلال الحملة الانتخابية، قبل سنتين، وذلك كوعد لمواجهة مظاهر ضعف الدولة وانفلات أجهزتها بعد الثورة.

جعل الاعتداء على المعتمد، وهو ممثل سلطة الدولة على المستوى المحلّي، البعض يندب، ما يسمّيه، "الحال التي وصلت إليها الدولة من ضعف وهشاشة"، وهو حديث يرفقه استعمال قاموس من مفردات "فرض السلطة"، و"الانضباط" وغيرها. وإن كانت المعتدية هي امرأة والمعتدى ضدّه رجل، والمعتدية هي موظفة والمعتدى عليه هو مسؤول، حتى اكتملت صورة تم الترويج إليها باختصار أنها: "اعتداء على الدولة" بما يتعارض مع مفهوم "هيبة الدولة".

لم تحسم التحقيقات بعد إذا ما كان ادعاء الموظفة بالتحرش الجنسي بها هو من قبيل الواقع أم الافتراء، ولم تتبيّن صحة ادعاءات عدد من مواطنين المنطقة وموظفيها بتورّط هذا المسؤول المحلي في ملفات فساد وقيامه بابتزاز الموظفة في أكثر من مناسبة، غير أنه تجاوزًا للحادثة في ذاتها، ظلّ السؤال حول معنى هيبة الدّولة قائمًا، بين من يراها تمظهرًا لسلطان القانون وبين من ينظر إليها كرديف لتسلّط الدّولة على حساب المواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: "دوّار السلاطنيّة".. حياة في قفص الموت

لا تزال العلاقة بين المواطن والدولة في تونس تعوزها الثقة بعد 6 عقود من الاستبداد، لتكون دولة ما بعد الثورة أمام تحدّي كسب الثقة، ولعلّه لذلك، اعتبر قانون العدالة الانتقالية أن المصالحة الوطنية المرجوّة تهدف من جملة أهدافها إلى "إعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة".

لا تزال العلاقة بين المواطن والدولة في تونس تعوزها الثقة بعد 6 عقود من الاستبداد، لتكون دولة ما بعد الثورة أمام تحدي كسب الثقة

كان المواطن، زمن الاستبداد، في احتكاك متواصل مع مسؤول الدّولة المحلّي، الذي كان يمارس ولاية الضبط والرقابة، وكانت الخشية كبيرة من هذا المسؤول الذي يقدر بتوصية بسيطة على تحويل حياة هذا المواطن أو ذاك إلى جحيم. لذلك وفي ظلّ المطبات التي يواجهها مجهود إعادة الثقة بين الدولة والمواطن بعد الثورة، تابع العديد من التونسيين الحادثة الأخيرة بنوع من التشفّي، بغض النظر عن الروايات المتضاربة حولها، حيث لا تزال صورة المعتمد تحمل ذكريات سيئة ربما قد أعادتها للواجهة ممارسات مسؤولين محليين بالجهات مؤخرًا. وفي هذا الجانب، تعود الاحتجاجات الشعبية الأخيرة بجهة فرنانة، شمال غرب البلاد، في جانب منها للعلاقة المتوترة بين المسؤولين المحليين والمواطنين.

يعتبر العديد من التونسيين أن الحديث عن "هيبة الدولة" يخفي رغبة إلى عودة أشكال قهر الدولة للمواطنين دون حقّ، خاصة وأن الحديث عن هذه الهيبة دائمًا ما يأتي ممّن كانوا مرتبطين بالنظام السابق. وفي المقابل، تؤكد أصوات أخرى على ضرورة مواجهة انفلات الأوضاع والالتزام بالقانون لوقف نزيف استسهال التعدّي على مؤسسات الدولة وممثليها.

فلا يزال من يحترز من دعوات "هيبة الدولة" يطالب بتحقيق "هيبة المواطن"، فيما يردّ الآخر بأنه لا يمكن تحقيق الصالح العام دون دولة قوية، وهو جدل دائمًا ما ينطلق بحادث ليغوص لاحقًا في نقاشات تنبش من الفكري خاصة بطرق ومفاهيم مختلفة في ضبطها. وبالنهاية، لم يكن الفيديو الأخير، الذي تجاوز إطاره كنزاع شخصي، إلا مناسبة جديدة ليعود للواجهة الحديث عن إحدى عناوين الجدل السياسي في البلاد، إنها "هيبة الدولة".

اقرأ/ي أيضًا: 

بنقردان.. حصن تونس وقلعة الصمود

هوامش تونس.. جحيم التهريب ولا جنة الدولة