تشاركت أطراف السلطة في إعداد "طبخة الحصى" لتمويل سلسلة الرتب والرواتب التي ينتظرها موظفي القطاع العام منذ أعوام. رُفعت الضرائب على الخدمات والسلع لتأمين موارد تغطي، في دولة العجز والاستدانة، الزيادات المالية التي ستمنحها لبعض المواطنين، من جيوبهم نفسها، على أن يدفع الموظفون في القطاع الخاص "الجزية" من أموالهم في هذا التمويل عبر الضرائب التي تطالهم هم أيضاً دون أي زيادة في أجورهم، التي بالكاد يلامس معظمها الحد الأدنى للأجور المعتمد في لبنان.
لم تجهد السلطة في لبنان نفسها، لم توقف الفساد والهدر في أموال الدولة ولم تجد حلًا إلا في رفع الضرائب على السلع والخدمات
لم تجهد السلطة نفسها في صنيعتها، فلا هي قادرة على وقف الفساد والهدر في أموال الدولة ولا باستطاعتها أن تجد الحلول المناسبة إلا عبر رفع الضرائب على السلع والخدمات التي يستهلكها أصحاب رؤوس المال في لبنان. لذا اختارت الوصفة الأسهل ومقاديرها من جيوب العائلات المستورة التي تعيش على كفاف بضعة أيام من الشهر وتستدين لتكمل البقيّة.
اقرأ/ي أيضًا: لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟
وكما جرت العادة تواطأ المتواطئون في الخفاء، ثم خرج منهم معظمهم إلى الأضواء ليُبرّئ نفسه ويتنصّل من مسؤوليته أمام الناس على بعد أشهر من الانتخابات النيابية. رافضاً رغم الطروحات التي قُدمت والمناقشات التي تمّت داخل قاعة مجلس النواب، "فرض الضرائب على الفقير"، متحدّثاً عن جَور الضرائب ومطالباً بالإصلاح ومحاربة الفساد ومعلناً معارضته للسلطة التي هو جزء منها. حتى أن بعض الأطراف التي ساهمت بحكم خبرتها الطويلة في "الطبخ" السياسي خرجت إلى التظاهر والاعتراض على الضرائب المُقترحة.
في هذه الأجواء انفجر الغضب الشعبي. المواطن، الذي يخشى في بلد مفتوح على كل احتمالات الانفجارات، على حاله ومآله، عبّر عن نقمته على طريقته.. في قلبه وذلك أضعف الإيمان، فيما أرادت بعض المئات في بلاد الملايين لصوتها أن يكون خروجاً على الصمت، فتوجهت مساء أمس إلى ساحة رياض الصلح.
وهناك انفجرت أزمة الشارع اللبناني. لا شعارات واحدة ولا رؤية موحدة أو خارطة طريق مشتركة لإنقاذ الفقير من سياسة الإفقار المتمادي. وفي حين حمل لبنانيون غاضبون على كل أركان الطبقة السياسية الأعلام اللبنانية وصرخوا ضد الفساد وفرض الضرائب من أي جهة أتت، تفاوتت مطالب هؤلاء بين رفض "السلسلة" وتأييدها، رفض رفع الضرائب بالمطلق لتمويلها وتأييد زيادتها على "الأغنياء فقط".
خرج اللبنانيون للتظاهر ضد رفع الضرائب لكن الشعارات تنوعت وأكدت حجم الاختلاف في الشارع اللبناني
كما أن ملثمين دخلوا على خط التظاهرة فخرج منها على الأثر مواطنون إثر هرج ومرج وإشكالات وقعت مع القوى الأمنية. واللافت هو إقدام متظاهرين على مراشقة رئيس الحكومة سعد الحريري عند نزوله لمخاطبة الحشود مباشرة من ساحة الاعتصام، بعبوات المياه الفارغة والحجارة والعصي، فغادر المكان ليطالب بعد بعض الوقت المحتجين بتكليف لجنة تصوغ المطالب لمناقشتها، الأمر الذي انقسم حوله المتظاهرون مرة أخرى بين الموافقة على الطلب ورفضه.
اقرأ/ي أيضًا: القطاع الصحي الحكومي في لبنان.. اختلاسات وفساد!
كما أن كثراً من الذين كانوا أيدوا التظاهر فوجئوا بمشاركة اللواء جميل السيد ووجوه إعلامية موالية لحزب الله والسياسة الإيرانية في لبنان والمنطقة.. فاكتفى بعضهم بالانسحاب وعمد بعضهم الآخر إلى الانتقاد وتبرئة التظاهرة من "المندسين" و"الوصولين"، الذين يسعون لاقتناص الفرص والظهور لتمرير رسائل سياسية لصالح فريق ضد آخر.. مشدداً على أن التحرك هو ضد "كلن يعني كلن" من دون أي استثناء.
التظاهرة انتهت بانسحاب المعترضين على أن يتجدد موعدها بعد غد، وإلى ذلك الحين تواصل الأطراف السياسية "غسل يديها" من لائحة الضرائب التي أُشيع أنها ستطال الخبز والمحروقات والهاتف والكهرباء، لتدافع بشيء من الحياء عن أهمية تأمين الموارد اللازمة للسلسلة ثم تكيل الاتهامات للآخرين من شركائها في السلطة. أما السلسلة فهي مع عدم دعوة رئيس مجلس النواب إلى جلسة للمجلس النيابي بعد غد الأربعاء فباتت بحكم المؤجلة إلى حين غير مسمى.
اقرأ/ي أيضًا: