16-مارس-2016

أحمد الزند

قبل ساعة من إقالة الزند كان ضيفًا في مكتب شريف إسماعيل، قال له: "لو انطبقت السما على الأرض، مش هأقدم استقالتي"، كما نشرت صحف القاهرة. الجانب، الذي تجاهلته الصحف مما قاله الزند، أنه انفجر في الاجتماع وضرب بقبضة يده على مكتب رئيس الوزراء، وهاجم السيسي.

كانت خطيئة أحمد الزند أنه استعمل قاموسه الشخصي على الهواء

المشهد التالي لـغضب الزند جرى على فضائية "صدى البلد"، فكانت المرة الأولى التي يهاجم فيها أحمد موسى، ربيب النظام، السيسي، وينتقل من كنب الفلول إلى كراسي الثوار، ويقول: "هذا يوم حزين على العدالة في مصر.. لم أرَ في حياتي دولة تدار من فيسبوك".

اقرأ/ي أيضًا: كواليس النصب باسم الرئيس

هجوم موسى يكشف نفسية لوبي مصالح كان الزند غطاء له، يدافع عنه، ويحميه.. لوبي مستعد للانقلاب على السيسي إذا مسّ الأب الروحي له.

عزلت الدولة رجلها الأول في كل معاركها، ضد الإخوان، ضد الشباب، ضد الثورة استجابة لغضب الشباب. ربما يكون السبب المباشر إنه سب الرسول، ولكن هل سبّ الزند رسول الله؟ قال في فضائية صدى البلد: "هاحبس أي حد يغلط حتى لو كان نبي".. ثم استغفر الله العظيم. هذا ما يقوله سيادة المستشار في مكتبه، ولقاءاته الخاصة والشخصية، واتصالاته، داخل الوزارة، وخارج الوزارة، على المقهى، وفي البيت، بشكل عادي وعابر وتلقائي كأنه يردّ السلام.

المواطن المصري لا مشكلة عنده أن يقول ذلك في البيت والشارع، وحين يهدده رئيسه في العمل بالأذى، يردّ بما هو أفظع متجاوزًا النبيّ: "ماتقدرش.. لا أنت ولا اللي خلقك". قوة السوشيال ميديا حوّلت الكلمة العابرة، المطبوعة على ألسنة العابرين في مواقف عابرة وسريعة، ولا تقترب من إهانة الله أو النبيّ، إلى قرار رسمي، رغم إن القاموس المصري به ألفاظ وأوصاف وكلام لو حاسبنا الله عليه بعدله لا برحمته.. سندخل النار "جري"!

يؤسس السيسي بعزل الزند دولة مرجعها كتاب الدين في المدارس الابتدائية لا الدستور

لم يخطئ الزند، لم يقصد النبي محمد، أو أي نبي غيره، لم يذهب إلى مساحة الدين من الأساس.. كل خطيئته أنه استعمل قاموسه الشخصي على الهواء. يتخذ الرجل مقعدًا على يمين السلطة، يعبّر عن قبضتها الغشيمة، المشكلة هنا أنه صرَّح بدستورها السري على الهواء مباشرة، وعلى شاشة التلفزيون، أمام كل الناس، فالدولة على استعداد لحبس النبي شخصيًا إذا نزل ميدان التحرير، أو قرر أن يقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.

اقرأ/ي أيضًا: اسم الله عليكِ يا مصر

يؤسس السيسي بعزل الزند -كرامة للنبيّ- دولة مرجعها كتاب الدين في المدارس الابتدائية لا الدستور، وتصوّت على إقالة الوزراء والمحافظين على فيسبوك وليس قاعة البرلمان.

على كل من يرفض الدولة الدينية، أو الدولة التي تتعامل مع الدين بـهَوَس، أن يرفض شلح الزند، فالرجل عنده سجل ضخم من البلاغات، والمخالفات، والعيوب، والذنوب، التي لا تؤهله فقط للطرد من وزارة العدل إنما السجن فورًا إذا قدّموه لمحاكمة عادلة.

البلاغ رقم 16244 لسنة 2015 ضد السيد أحمد علي إبراهيم الزند، المقيم بشارع الحياء من امتداد شارع الجيش، طنطا ثان، محافظة الغربية، يتهمه ببيع أرض نادي القضاة بمدينة بور سعيد لأحد أقارب زوجته بأقل من السعر الحقيقي. بلاغ آخر يتهم الزند بالاستيلاء على 300 فدان من أراضٍ مملوكة للدولة في مرسى مطروح.

المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، قدم تقارير تكشف تلقي المواطن الزند رشاوى من الشركات المنفذة لمشاريع الإسكان التي يتعامل معها نادي القضاة، لكن القضية أغلقت، وبدأت هجمة مرتدة سريعة وعالية على جنينة لم يسلم منها حتى الآن.

تفكيك أسطورة أحمد الزند لا يستدعي مراجعة تاريخه، يكفي أن تسجّل توابع إقالته: 250 قاضٍ طلبوا إنهاء انتدابهم بوزارة العدل. يبدو إن الوزارة انقلبت في عهد الزند إلى عزبة بها كل أصدقائه، وحوارييه، وأحبته في الله وفي غير الله! 

بما أن حماية الدولة سقطت عنه، سيجد النائب العام طابورًا ممن يتهمونه بتبديد المال العام

هل تبحث عن أسباب أخرى لإقالة الزند؟ قبل أن يدخل الوزارة، كان لديه برنامج: ثورة تشريعية، وتعديل آليات التقاضي، وجمع شَمْل القضاة.. وبعد دخوله، اكتفى بكلام آخر الليل عن مواجهة الإخوان، وأدوار البطولة المزيفة، التي، بالمناسبة، قبض ثمنها أضعافًا. 

وبما أن حماية الدولة سقطت عنه (على الأقل ظاهريًا) سيجد النائب العام طابورًا من أصحاب الملفات والأوراق والمستندات يتهمون الزند بتبديد المال العام، وسرقة أراضي الدولة، وبيع ما لا يملك لمن لا يستحق. والخوف الآن من تجهيز قوائم بأسماء كل هؤلاء الذين تجرَّأوا على ذات الزند وتقديمها له لتخليص حقه منهم، فالدولة بينها وبين بعض رجالها زواج كاثوليكي، ولا تتركهم عرايا في الطريق العام خوفًا من الفضيحة.

تحمل دولتنا بعض جينات الدول الظالم أهلها، تمنح الوزراء كراسي وهبات ومناصب مكافأة على سرقة الأراضي والمال العام، والعنصرية، وقلة الأدب، وتفتح لهم أبواب الرزق من وسع كلما فشلوا أكثر.. وتعزلهم بسبب هجمة مرتدة على الفيسبوك.

أنا ضد شَلْح الزند لأنه سبّ النبي، النبي له ربٌ يحميه، أمَّا مدنية الدولة فلا بواكي لها. 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار مع "داعشي" في الدين والمخدرات وجهاد النكاح

مصر..إعلام برتبة شريك في الفساد